ألجم القلم بالحق وقيد النفس بالشرع تكن من أحباب الرسول (4/1)/ بشير ولد خيري
صدرت في الأيام الماضية فتوى من يعرف بأنه زعيم جماعة أحباب الرسول صلى الله عليه وسلم بإهدار دم امرأة من أهل موريتانيا ، وهو شاب نحسبه والله أعلم بحاله من الخيرين ولعل الغيرة على الدين هي دافعه لذلك ..
فنقول ابتداء ينبغي أن نضع نصب أعيننا القاعدة التي وضعها سلف الأمة في أصول الاعتقاد (من ثبت إسلامه بيقين فلا يزول بشك) وقد أورد صاحب كتاب الوجيز في عقيدة أهل السنة والجماعة عبد الله بن عبدالحميد الأثري (ومن أُصول عقيدة السَّلف الصالح ؛ أَهل السنة والجماعة : أنهم لا يكفرون أَحدا بعينه من المسلمين ارتكب مكفِّرا إِلا بعد إِقامة الحجة التي يُكفر بموجبها ؛ فتتوافر الشروط ، وتنتفي الموانع ، وتزول الشبهة عن الجاهل والمتأول ، ومعلوم أَن ذلك يكون في الأُمور الخفية التي تحتاج إِلى كشف وبيان ، بخلاف الأَشياء الظاهرة) وورد في الحديث المعروف عن حذفة بن اليمان مرفوعا ” يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا عمرة إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ويقولون أدركنا آباءنا وهم يقولون : لا إله إلا الله ” فقيل لحذيفة بن اليمان : ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال : تنجيهم من النار تنجيهم من النار تنجيهم من النار (رواه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي) وتقوم القاعدة الأصولية على أن تكفير العين يكون بنطق كلمة الكفر أو انكار شيء بالكتاب أو السنة أو مخالفة الإجماع أو انكار معلوم من الدين بالضرورة كمن جَحْد وجودِ الله ، أو كذّب الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو جحدِ عموم رسالته ، كما دل على ذلك لدليل الشرعي فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم ، ولا يجب أن يحكم على كل شخص قال قولا يحتمل التأويل بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنفى موانعه ، وأورد حجة الاسلام أبو حامد الغزالي في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد (ج1/ ص 81) كلاما نفيسا يقول فيه ( والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلاً ، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ) ثم قال (ولم يثبت لنا أن الخطأ في التأويل موجب للتكفير، فلا بد من دليل عليه، وثبت أن العصمة مستفادة من قول لا إله إلا الله قطعاً ، فلا يدفع ذلك إلا بقاطع ، وهذا القدر كاف في التنبيه على أن إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان فإن البرهان إما أصل أو قياس على أصل ، والأصل هو التكذيب الصريح ومن ليس بمكذب فليس في معنى الكذب أصلاً فيبقى تحت عموم العصمة بكلمة الشهادة ) لذا نرى كل سلف الأمة عند ورود مسألة فيها تكفير يترددون كثيرا أخرج البيهقي في السنن الكبرى ” لما سُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن أهل النهروان أكفار هم؟ قال : من الكفر فروا ، فسئل : أمنافقون هم؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا ، وأولئك يذكرون الله صباح مساء ، وإنمَا هم إِخواننا بغوا علينا ” وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(وإذا عُرِفَ هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه مع الكفار لا يجوز الإقدام عليه إِلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة بالرسالة التي يبين بها لهم أنهم مخالفون للرسول ، وإن كانت مقالتهم هذه لا ريب أنها كفر ، وهكذا الكلام في جميع تكفير المعينين) [ مجموعة الرسائل والمسائل 3 / 348 ] .
أخي الكريم من الضروري أن نفرق بين النوع والعين في التكفير ذلك أنه ليس كل ما هو كفر يكفر به شخص بعينه ؛ فينبغي التفرقة بين الحكم على القول بأنه كفر والحكم على صاحبه المعين بأنه كافر ، ومن الضروري أن نلجم القلم بقول الحق لأنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ، وأن نقيد النفس بقيود الشريعة حتى لا تزل وتطغى ، وهذا أول مقامات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم .