ما بعد الانتخابات المهزلة
اجل مهزلة، لأنها لم تستطع استقطاب الطيف السياسي، إن لم أقل كله فجله، واغلبه بقي فعلا خارج المسرحية، لأن الرئيس المنتهية ولايته لم يبتعد عن القصر، وبالتالي فالموريتانيون ضعفاء الوعي يخافون من الدولة، وممن يمسك بتلابيبها، بغض النظر عن من هو.
ولم يتحرى عزيز حتى تتوفر أقل الشروط الضامنة لحصول انتخابات رئاسية مقبولة على الأقل.
فدخل المعترك، ومعه بيجل وهو قليل النضال السياسي، وإنما برز مع معاوية موظفا في شؤون أقرب للرقابة المالية والأمور التقنية من الميدان السياسي الحقيقي.
بيرام متنطع يسعى للظهور بأي ثمن، راكبا موضوع الاستعباد، وكأنه منقذ شريحة، بات الكثير منها على عتاب ثقافة عالية ومشاركة واسعة في سائر شؤون المجتمع، وصارإبراهيما الصحفي السابق، المتطرف ظاهريا، المسترزق المتعامل مع أنظمة ما بعد 2005 لكسب المال أساسا، وهو رغم حدة خطابه العنصري، لا يحظى بالرمزية عند أوساط معتبرة من الزنوج، فلا هو جمع المال المانع من المشاركة في المهازل الانتخابية، ولا هو حقق الصدقية في توجهه السياسي التحريضي.
لامريم، حسن السكوت عنها، دخلت المسرح فحسب، وربما ليقال لم تغب المرأة عن المشاركة في رئاسيات2014.
فأين هذا من زحم التكتل وتواصل وحزب اتحاد قوى التقدم والشخصيات المستقلة الوازنة، هؤلاء وغيرهم من العارفين بالسياسة والمتشبعين بالثقافة والروح الوطنية النضالية، كلهم…كلهم اختاروا السلامة من أن ترتبط أسماؤهم تاريخيا بهذه المهزلة الانتخابية الفارغة المضمون، ثم جاءت الحملة الراهنة الميتة تقريبا، لتؤكد بأنها ضعيفة الشكل والسبك أيضا.
وقريبا، ويوم الخميس بالتحديد، ستأتي منافسات كأس العالم لكرة القدم، لتشغل قطاعات كثيرة عن مجرد الالتفات إلى هذه الترهات، وربما يتأثر الاقتراع المرتقب كثيرا، من جراء المقاطعة من جهة، ومن جهة ثانية نتيجة منافسات الساحرة المستديرة، لتصل نسبة المشاركة إلى حد يرثى له، إن لم تسعفه سياسة تزوير أرقام الانتخابات، المعروفة عند حكامنا العسكريين، وخصوصا جيلهم الراهن.
انطلقت الحملة العرجاء، وفجأة ظهرت بعض الخيام التي نصبت في العاصمة هنا وهناك، وأساسا للمرشح عزيز، وأغلب هذه الخيام خاوية على عروشها، فلا أصوات مكبرات الصوت جلبت الأنصار، مما اضطر البعض لفتح أشرطة القرآن الكريم، ترحما على مصداقية عزيز وديمقراطية العسكر.
وفي اليوم الخامس بدأت الاستقالات والخلافات الحادة بين إدارة الحملة والحزب الحاكم، ومهما حصل، إن لم تقع مفاجأة سياسية على صعيد الوطن غير منتظرة في حساب البعض، فإن نظام عزيز لن يتوانى عن إخراج النتائج على مزاجه وعلى ذوقه واختياره الخاص، لتحسم المهزلة لصالحه، وتبقى الأحوال على حالها ورتابتها، وتتعقد أزمة وطننا دون حل وشيك مضمون.
فلا أرض قطعت ولا أظهر أبقى، كما يقال في أمر المنبت.
وحدها تونس حققت جزءا من أمنية شعبها، حياد المؤسسة العسكرية وتسيير النخب المدنية ، بصورة ديمقراطية حتى الآن لشأنهم العمومي، فما الذي يضرنا، إن أثارت التجربة التونسية إعجابنا وغبطتنا، فنعفي الجيش من تكليفه بما مس من سمعته كثيرا، أي التورط في الشأن السياسي، ويواجه الشعب أمره بكل شفافية وحرية.
لا، هذا لن يقع يقينا بعد هذه الانتخابات المهزلة، إن سارت الأجواء الانتخابية على هذا المنحى الراهن التافه.
إن ما يقع في مصر من صبر على النضال السلمي ضد حكم السيسي الانقلابي الدموي، وما يقع كذلك في العراق من تهاوي الحكم الشيعي الطائفي هناك، كل هذه الأجواء وغيرها، رغم الحرائق المتصاعدة في كثير من دولنا العربية العزيزة، توحي بأن التغيير سيتم يوما ما، ولو بعد الكثير من الوقت والخسائر، للأسف البالغ.
فهل ننتبه قبل فوات الأوان، فنتجه للتغيير السلمي الجاد، كليا أو جزئيا، دون الدخول في معترك دموي، نحن واصلوه ولو عن غير قصد، إن لم نفضل مسلك العلاج والإصلاح، دون الإصرار على الباطل الحالي الزائف المكشوف.
فلا أحد واع مخلص لهذا الوطن، يوافق على الحكم العسكري الفاشل، المفروض على موريتانيا منذ1978 وإلى اليوم، ولا أحد يرضى لنفسه ولا لغيره سوء التسيير والسمسرة واقتصار الأمر على مافيا محدودة، تصفق من أجل الاستحواذ على حقوق الغير، مهما كان ذلك مشينا ووحشيا.
إن الأحرار والشرفاء في هذا الوطن يريدون العدل والفرص المتساوية، والحكم بالحق المنزل من فوق سبعة أرقع” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ”.
فعلا ستنتهي الحملة، بعد أيام قليلة، وتنتهي المهزلة ببقاء المتغلب على كرسيه المغتصب من أيدي الرعية المخدوعة المحتقرة.
وهذه نتيجة معروفة، مهما كانت نسبة المشاركة ولا دور ثان، ولا هم يحزنون،
فمن هرب من دور ثان 2009، فمن باب أولى اليوم ، مع منافسين” ما إحم إنهار” على عزيز محترف الانقلابات وفبركة الانتخابات.
ويومها يهنئ زعماء العالم بنصر مصنوع مخطوف، ويتجاهلون معاناة واختيارات شعبنا العظيم، الذي تم اللعب به على الدوام قديما وحديثا، دون صعوبة تذكر.
كما سيفرح السماسرة، وخصوصا من المقربين، لأن الوضع بقي على حاله، وربما تكون الفرص المنتظرة أكثر سهولة وربما فاضحة. وتزداد معاناة الأغلبية المسحوقة، وتغيب الديمقراطية والقوانين والقيم، وربما يفرج عن ولد امخيطير، الذي أساء إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم، وربما و ربما…
إذن هذا ما حذرنا منه، وحذرت منه المعارضة الراديكالية، أو الحازمة الناصحة على الأصح.
فما الذي تغير، وماذا تنتظرون سوى السلخ بعد الذبح على مشنقة انتخابات، لا تسمن ولا تغني.
كرست حكم المتغلب، وبرلمان هزيل وبلديات فاشلة، وشيوخ لا يمكن تجديدهم، ولو عن الطريق الثلث بسهولة، لأن الهرم لا دواء له إلا الذهاب إلى رحمة رب العالمين.
مشهد مفجع، يؤكد عدم وطنية الأحكام العسكرية إن صح الإطلاق، لأنها الصانع الأول لعبوديتنا السياسية المؤلمة.
ثم تأتي النخبة الخائنة في الدرجة الثانية، التي باركت حكم الأنظمة المتعاقبة، التي تعاقبت فعلا على اغتصاب كرامة هذا الشعب البريء المغلوب على أمره
التجار أيدوا لأنهم خائفون باختصار، وربما يفضل بعضهم الربح على مصلحة هذا الشعب، ومثل هؤلاء في الحقيقة، شركاء في امتصاص الدماء الزكية لشعبنا، فلا تؤاخذهم، لأن الربح عندهم أجل من المروءة وحقوق الفقراء والمساكين المطحونين.
وأصحاب الملأ قصتهم معروفة ضد المستضعفين عبر التاريخ.
ولكن ربنا وعدنا، فلنصبر “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين”
لم يتغير كبير شيء، بسبب هذه الانتخابات، فقد سارت الأمور على وجه محتمل معروف، أوصل اللعبة إلى ملخصها المرتقب الراجح، الفبركة فحسب.
وغدا ينصب ويعد ويمني، وما علم إن قدر على الكذب علينا، أنه لا يستطيع أن يفلت من الوقفة أمام ربه، وليس بينه وبينه ترجمان “وقفوهم إنهم مسؤولون”
ولا يستظل تحت ظله إلا الإمام العادل، ومن شابهه في توقي المفاتن ومصاعب المعاصي، والحرص على أفضل القربات وأزكاها، عند مليك مقتدر عادل ذي الطول والجبروت
أجل، سينصب، وما علم أنه لم ينصب إلا ليكون هدفا للأحرار والثوار المسالمين، ليتخلصوا منه يوما ما، على وجه مسؤول، دون إفراط أو تفريط.
لقد احتقرت الجميع يا عزيز، وتجاهلت الأغلبية وعققت الشيب واستهترت يترك السنة، وادعيت بأنك لا تكذب رغم انك بلا لحية، وما علمت أن اللحية من أمارات الرجولة ومن سمات وسمت قائدنا الحقيقي وقدوتنا العليا محمد بن عبد الله عليه أفضل السلام وأزكى التسليم.
ما بعد الانتخابات، مشابه أو مطابق لما قبل الانتخابات.
لكن الخلاص قريب، وبالطرق السليمة، قانونيا وأخلاقيا إن شاء الله، أو هذا ما نفضل ونريد، وقد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، مثل ما حصل يوما في تونس، أو ما حصل في الموصل مؤخرا، بعراق دجلة والفرات.
ليس الأمر شخصيا البتة.
فالخلاص المطلوب، ليس من شخص بعينه، وإنما على المعارضة أن تهيأ نفسها جيدا، للتجرد وخدمة الوطن بجدية وإخلاص، وإلا فإن الشعب الذي يعلق بعضه عليها الأمل في تصحيح الأوضاع، لن يتردد في رفضها هي الأخرى، إن لم تتمكن من الإصلاح “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله”
فما يشكوه الناس ليس معاوية أو وهيداله أو عزيز أو غيرهم، وإنما ما هو قائم على الأرض من الفشل والمحسوبية و الزبونية الفاضحة الطافحة، فهل نسمع صوت المحرومين دون تجاهل، وهل نعترف بالخلل في كل موطن ومجال، وإلا فإن أمواج الغضب الشعبي العارم، قد تذهب بالظالمين بعيدا في مجاهيل العقاب والتنكيل، ولا تحسبوه أي الغضب الشعبي غير موجود في سلوك أو لا شعور شعبنا الموريتاني، فمن كثرة المظالم، لا غرابة أن تندفع مشاعر الانتقام المفاجئ.