وقع الانجازات.. لا ضعف الأحزاب و خور المبادرات / الولي ولد سيدي هيبه
تمر الأيام مسرعة تقضم جسم زمن الحملة المشرف على الانتهاء و تزداد وتيرة التنافس على “الغياب عن المشهد” الناطق بالحضور المشتهى. هكذا يتكشف ما هو حاصر بكل عفوية المتاح على أرصفة الشوارع من وسائل قراءة سير الحملة في دوائر مرشحيها الخمسة.
صخب الأبواق بالإيقاعات المفتقدة للراقصين و رحابة الخيام العصية على الضيوف، الذين بدأت تتلقفهم و تصرفهم عنها حتى أحضان “المونديال” بحلته البرازيلية الكرنفالية الأخاذة. فهل أن الحملة تجري هذه المرة على غير ما هو معتاد بانتظار يوم الاقتراع و ما سيجنيه كل مرشح مما تجود به صناديق الاقتراع له من أصوات الناخبين؟ أم هل أن نواقص و تقصيرا اعتروا سير كل حملات المرشحين الخمسة أو على الأقل منها تلك الخاصة بالأحزاب بما تظهر من ولاءات نظرية و المبادرات في السياق العام لها مُبتدعَة، ضيقة الحيز، سقيمة الخطاب و بعيدة عن روح الديمقراطية و إن شكلت الأخيرة الحِمى الذي ولدت في رحمه قيصرية وتحت مظلته من الأهواء و المآرب الضيقة و كذلك الحِمى الذي وحده يسع حتى مثل هذه الأطر المرتجلة و الشاذة علما بما لا و لن تستطيع تحقيقه مطلقا مهما فعلت و كيفما تلونت. و مهما يكن الأمر بشأن ما تعيشه البلاد هذه الأيام على إيقاعات السياسة المتلاحقة و مبتغياتها و هواجسها المصاحبة و هي في انتظار يوم 21 يونيو الذي يتوجه فيه المواطنون إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يتولى تسيير شؤون بلدهم خلال مأمورية الخمس سنوات القادمة، فقد أبان المرشحون بما هم أهلا له من الجدارة في دائرة وطنهم الذي لم يدخروا جهدا للقدوم إلى كل نقطة فيه استطاعوا إليها سبيلا و مخاطبة سكانها بلغة مصالحهم و الحفاظ على وحدتهم و تحقيق أمنهم و توفير البناء و التقدم و العدالة لهم، نابعة من عمق خطاباتهم الانتخابية التي تقاطعت في الأساس، و قناعاتهم الوطنية المفصلة جملة و تفصيلا على مقاسات البلد بكل ألوان طيفه. و لإن كانت التعهدات بالسير بالبلد إلى تعزيز اللحمة و إرساء الوحدة و تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل خيار و تطبيق تهج التوزيع لخيرات البلد بالقسط على كل مواطنيه دون حيف لتجسيدها عدالة اجتماعية تتحول على أرض الواقع المعيش من الخطاب النظري إلى حيز التطبيق و وضع و ترسيخ آليات التحصين الدائمة من تداعيات الغبن و التباين، فإن التمايز بما يصل إليه المواطنون المستهدفون بحسهم و بعد نظرهم المطبوع بزيادة الوعي لديهم يكمن فيما يتمخض عنه كل خطاب من القدرة على الاستجابة للرغبات و الطموحات القابعة في نفوس المستهدفين و ما يصادف فيهم ذلك الخطاب بعمق دلالاته و قوة تأثيره و صدق إقناعه. و لا شك أنها الطموحات و الرغبات التي إن جردت من “الميول” الفاسدة و “الشطط ” الفكري الذي يتعارض مع القيم الديمقراطية النبيلة و يعادي المنظومة القيمية العالية المشتركة لدى كل أفراد هذا المجتمع المسلم، اللاعلماني و المسالم بطبعه على خلفية “حكمة” عريقة، متوارثة لا تقلل أبدا من إقدامه و ثباته حين لا مناص؛ و هي حكمة عمل بها من سبقوهم عل امتداد تراب هذا الحيز الاستراتيجي من أرض القارة من قبل نظرية اللاعنف التي أسس لها في الحقل السياسي و الحقوقي بالهند المهاتما غاندي و دعا لها ثم تبنى فلسفتها و طبقها في الولايات المتحدة الأمريكية القس مارتان لوثر كيغ، و إنها بذلك لهي الطموحات و الرغبات التي تتقاطع في كل أبعادها المؤسسة عند خواتمها لوطن الجميع. و تبقى الشواهد و الدلائل على السير في هذا النهج هي الأحق بالتقدير و الأقرب إلى الإقناع و توجيه العقول إلى القرار السليم من أجل وطن يبني سور أمنه و يقوي أركان عدالته و يحمي معتقده و يستغل خيراته لصالح البناء و التقدم و القدرة على التنافس في عالم لم يعد فيه مكان للضعفاء. و لما أن الأمر كذلك و الخارطة السياسية للبلد بوضوح ماء الغدير، فإن وسائل الإقناع العملية هي اليوم أمضى حدة للقطع باليقين مما عداها من المحاولات “المتزلفة” بلغة تقصي و من الحزبية المرتبكة في ظل تذبذب القائمين عليها و اهتزاز الخطاب و افتقاده لقوة الإقناع على خلفية سوء اختيار الأطر الفاعلة و ضعف إدارة التحكم و التوجيه للقواعد. و فقط فإن لغة الانجازات على أرض الواقع و إيحاءات التحولات التي تؤسس بالمزيد منها لمستقبل واعد، هي وحدها الكفيلة جزما بالتحفيز على الاختيار الجماهيري الأمثل الذي لا دخل في نقائه و قوته مطلقا للأطر المصطنعة و القوالب الواهية. و إنها بذلك هي فقط لغة تنضح فصاحة و لا تحتاج لمترجم لأنها أيضا عملية بناءة. و إن كل من ينصب نفسه مترجما لها حزبا كان أو مبادرة أو غيرهما واهم و لعبته مهما اكتسبت من الألوان البراقة مكشوفة و محل همس و تعليقات توحي بهشاشتها و تكشف عن عدم انطلائها على المواطنين الذين بدءوا يتحررون من ربقة اعتبارات مستهلكة انكشف ضعفها و تعرت عن وهم التمتع بها.