من أجل عاصمة خالية من القمامة ومن “الكزرة”
منذ أيام كتبتُ رسالة إلى رئيسة المجموعة الحضرية طالبتُ فيها بضرورة التفكير في إنشاء شركة وطنية لشراء القمامة من المواطنين وتخصيص المبالغ الكبيرة التي كانت تدفع لشركة “بيزورنو” لتلك الشركة.
وفي هذا المقال لن أعود إلى ذلك المقترح الذي كان قد تم تقديمه لأول مرة منذ سبع سنوات، ولكني فقط سأذكر المعنيين بالأمر بأن هناك بعض النفايات التي اختفت تماما من شوارع العاصمة، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أنها قد تحولت إلى سلعة تُباع وتشترى حتى ولو كان سعرها زهيدا ( الخردة، نفايات الألومونيوم، نفايات “الكاوتشو”..).
فعندما تتحول القمامة إلى سلعة تُباع وتشترى فإنها ستختفي تماما، حتى ولو كانت تُباع وتشترى بأسعار زهيدة جدا، والأسعار لن تكون زهيدة جدا، إذا ما خُصصت كل المبالغ الضخمة التي كانت تدفع سنويا لشركة “بيزورنو” لشراء القمامة من عند المواطنين.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، ولأن القمامة تذكر بالكزرة، والكزرة تذكر بالقمامة، فكلاهما يشوه عاصمتنا الفتية، وكلاهما شكل، وما يزال يشكل، تحديا حقيقيا للسلطات المتعاقبة، فإني هنا سأذكر بمقترح آخر، كنتُ قد قدمته للسلطة الحالية، وذلك من قبل البدء بتخطيط الأحياء العشوائية، ولو أن ذلك المقترح تم العمل به من طرف وزير الإسكان حينها، لكان من الممكن أن تكون الكزرة قد اختفت الآن من العاصمة نواكشوط.
إن التحدي الأكبر الذي تواجهه السلطة عند أي عملية محاولة تخطيط للأحياء العشوائية هو أن الأسر تظل تنشطر وتنشطر إلى عدة أسر مع كل عملية “تخطيط”، فيتضاعف بذلك عدد القطع المكزورة عدة مرات مما يجعل عملية تأهيلها في غاية الصعوبة، إن لم تكن مستحيلة. ولذاك فقد ظلت دائما تظهر كزرات بعد الكزرات التي تم تخطيطها، مما جعل أي عملية تخطيط في ظل هذه الوضعية هي مجرد عملية عبثية لا تقدم ولا تؤخر.
لذلك، ولأسباب أخرى لا يتسع المقام لبسطها، كان لابد من قبل البدء في أي عملية “تخطيط” للكزرة، أن يتم البحث عن وسيلة ما تمكن السلطات من تحديد كل الكزرات التي يتم تشييدها بعد البدء في أي عملية تخطيط، وإشعار كل من يفكر في تشييد كزرة جديدة، بأنه سيضيع جهده وماله دون جدوى، وذلك لأن السلطات أصبح بإمكانها، وبكل دقة، أن تحدد كل الكزرات التي تم تشييدها حديثا، بل إنه قد أصبح بإمكانها أن تحدد كل لبنة تم جلبها إلى الكزرة بعد البدء في عملية التخطيط.
لمواجهة هذا التحدي، وبالتعاون مع خبير موريتاني يعمل في شركة “كوكل” تم تقديم مقترح لوزير الإسكان، وذلك عندما بدأ الرئيس محمد ولد عبد العزيز يَعِدُ الموريتانيين بالقضاء على الكزرة في العاصمة نواكشوط.
لم يكن المقترح مكلفا، ولم يكن معقدا، وإنما كان يقتصر على الاعتماد على صور فضائية ستوفرها شركة “كوكل” عن طريق شركة “ديجتال قلوب”، وسيكون بالإمكان بعد الحصول على تلك الصور أن يتم تحديد أي لبنة، وأقول أي لبنة يتم وضعها من طرف أي “كازر” في أي مكان من الأحياء المصورة، فهذه الصور ستكون بجودة 60 سنتيمترا، وهي أعلى جودة توفرها الأقمار الصناعية في ذلك الوقت، ويعني ذلك أن كل شيء يزيد طوله على 60 سنتيمترا سيظهر في الصورة.
المقترح الذي تم تقديمه إلى وزير الإسكان حينها، تم إرفاقه بصورة تم التقاطها يوم 29 يناير 2008 من إحدى الكزرات في العاصمة نواكشوط، أي في الفترة التي تم تقديم المقترح فيها إلى السلطات المعنية، وهي الفترة التي سبقت محاولة السلطات الحالية للقضاء على الاستيطان الفوضوي، وهي المحاولة التي ستبوء فيما بعد بالفشل . الصورة التي تقديمها لوزير الإسكان حينها، ستكون مرفقة بهذا المقال، لمن أراد أن يطلع عليها.
لم يهتم وزير الإسكان بالمقترح، وذلك رغم أن السعر الذي تبيع به شركة “كوكل” صورها كان سعرا زهيدا جدا (18 دولار فقط لكل كيلومتر مربع، وهو ما يعني بأن توفير صور فضائية لكل العاصمة نواكشوط لم يكن ليكلف شيئا مذكورا).
حقيقة لقد ساءني أن هذا المقترح لم يجد من يهتم به، خاصة عندما كنتُ أشاهد أفواج الأسر تأتي من الولايات الداخلية لكي تشيد مساكن جديدة في الكزرة عندما بدأت السلطات الحالية في تأهيل بعض الأحياء. وقد ساءني أيضا عدم الاهتمام به وأنا أشاهد يوميا الأسر تنشطر إلى أسرتين أو ثلاث أو أربع لتحصل على قطعة أو قطعتين أو ثلاث، قد لا يكون عائدها بحجم التكاليف المرتبطة بعملية الانشطار، أو تلك المرتبطة بتكاليف الانتقال من مدن الداخل إلى العاصمة نواكشوط.
ولقد ساءني أيضا أن هذا المقترح لم يتم العمل به، وأنا أشاهد يوميا نزاعات بين الأسر، قد تؤدي في بعض الأحيان إلى استنفار القبائل، وهي نزاعات كان بالإمكان أن يتم الحد منها لو تم العمل بالمقترح المذكور.
كنتُ أتمنى أن يجد ذلك المقترح من يهتم به، ولكن ذلك لم يحصل، ومع ذلك فإن هذه الردود السلبية لن تمنعني من تقديم المزيد من المقترحات كلما وجدتُ بأن ذلك قد يكون ضروريا. ولو كان للردود السلبية أن تمنعني من تقديم المزيد من المقترحات لتوقفتُ عن تقديم تلك المقترحات منذ مدة، وذلك بعد جملة من الردود السلبية على مقترحات كنت قد قدمتها لرؤساء ووزراء في أنظمة سابقة، لعل من أبرزها مقترحا لمحاربة الأمية كان على شكل دراسة تم تقديمها للرئيس الأسبق معاوية، ومقترحا آخر يتعلق بفرن يعمل بالطاقة الشمسية كنتُ قد قدمته وعرضته، وبشكل مباشر، على الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل