طبول واقتراع وحماقات/ أبو العباس أبرهام
حياة إضافية للغرائبية. عبأ السيد عزيز الموطنين في أصقاع البلاد لشد الرحال إلى مهرجانه للقضاء على الطبقة السياسية بنسبة المشاركة. لم يكن هذا مهرجان الخوارق، بل كان تدريباً ارتجالياً لتلميذ في الخطابة.
خاض الجنرال عزيز حملة “رئاسية” بلا وعود. وهذا ليس بِدعاً في ديمقراطيته. في 2009 لم يقدم وعوداً. ليس لأنه لا يمكنه، (فـ”لسانه خريف”، كما يقول التشبيه) بل لأنه لم يكن يعرف. ما فعله لاحقاً جاء في إطار ارتجاليات الدولة وزبونيتها وتوصيات النقد الدولي. وفي 2014 لم يقدم وعوداً أيضاً، لأن الغرر وفقاعة الرضى التي يغذيها عناة المصفقين أوصله بر التحلل من الوعود.
في 2009 كان الأوان مبكراً لتقديم الوعود. في 2014 كان الوقت متأخراً لتقديم الوعود. وفي غياب موسيقى غير ركيكة كان يمكن لجورج وسوف أن يكون نجم الحملة الانتخابية: “فين العهود؟ فين الوعود؟ فين المحبة والحنان؟” على أنه لم يحدث عوز في الطفيليين. وقد أوقعت حملة الجنرال بالزمارين والطبالين من أصحاب المبادرات ومكاتب التحشيد وأصحاب المنصات والشاشات. قبلت الحملة جهود هؤلاء الصفيقية. ولكن…تلقىّ هؤلاء المرابحون عبارات شكر باهت مع مظروف فيه أواقٍ معدودة. ولم يكن أمامهم إلا أن يكونوا فيها من الزاهدين. وشبت، كما في 2009، ثورة المطالبة بالتعويضات، أو وقف الدعم بسبب غياب المدد من الحملة. وكما في الأيام السلجوقية فقد هاجم الجند سراديق الأمراء، الذين أغلقوا هواتفهم (ليس في العصر السلجوقي طبعاً، بل الآن). وفي غياب أدوار تمويلية للحزب الحاكم (لأن التمويل مرّ عن طريقة “الحملة الخفية” التي قادها عشائريون وزبناء، وليس ببيروقراطية الحزب الأم) تحوّل قادة الحزب الحامن إلى أبطال كلام ودعاة جندلة المعارضة ومقاضاتها (أو الافتخار بعدم مقاضاة بعضها في 2003). وليست نخب المعارضة إلا انعكاساً لحالة التخبط. وقد ارتكبت حماقة الانتقال من خارج الانتخابات إلى داخلها، عن طريق التعلق بأستار الأمل في نسبة مشاركة ضئيلة. وقضية نسبة المشاركة مكسب بديهي لأن الجنرال عزيز أخرج مليون ومائتي ألف شخص من العملية الاقتراعية. إلا أن من يُقاطع عمداً قد لا يظهر في القوائم التصويتية. وكان من عدم الذكاء الاشتغال على نسبة مقاطعة لم يتم تخطيطها بالمشاركة في التسجيل أصلاً. ويجب أن لا ننسى أن نسبة أقرب حزب معارض في الانتخابات الماضية تكاد لا تصل إلى 4%. أما الأمل في تأثيرات الجو وبرودة المنافسة ويقظة الضمائر فهو بلا أمل. والجنرال أخفى أمواله للغايات اللوجستية غداً، حيث سيحمل أسطوله أهل القرى والأمصار إلى مكاتب التصويت. ورغم أنه من الواضح أن النظام قادرٌ فنياً- وقد قطع أشواطاً باحتكار الاطلاع على نسب المشاركة وعلى إعلانها- فرصة التزوير. (لم تنته قضية كوبني. ليس بعد). إلا أن عدم شرعية هذه الانتخابات يكمن خارجها. إن موضوع الشرعية ليس نتيجة الانتخاب، بل الانتخاب من أساسه.
(تدوينة)