واقعة13 اكتوبر2012….تسريبات أم حقائق مروعة؟
في تاريخ الإنسانية أحداث ووقائع لم يستطع الكشف عنها إلا الوحي، أو فعل بشري محقق، غاية في الصراحة والصدق وبذل الجهد المضني، أو تبقى دفينة الصدر أو الصدور المتعددة، أو خارج الإدراك الإنساني الحي، لأنها حدثت ربما في غفلة من الرقيب أو صاحب السر مات معه.
وإن لم يسقط أو ينتهي هذا الحكم الراهن العزيزي الغزواني قد لا تنكشف بدقة وإقناع مريح لجميع المهتمين قصة وحادثة مساء السبت 13 اكتوبر2012.
فوقت سقوط النظام قد تسمح الظروف بنشر الحقائق كاملة دون إحراج عن طريق المحاكمات أو غيرها من الطرق الأمنية التقليدية مثل انتهاء صلاحية كتمان الوثائق الحساسة، وإلا فإن تسريب المخابرات أو اللوبيات المحلية أو الإقليمية أو الدولية سيظل معرضا للشك والريبة، رغم أنه لا يستهان به.
أجل، قال الراوي بأن إحدى صديقات السنوسي دخلت عليه زائرة في محبسه المريح في نواكشوط، وأمرها بمحاولة الوصول إلى محمد ولد عبد العزيز حاكم الوطن الموريتاني المغلوب على أمره، فإن لم يسلمه فلا وجه إلا المداعبة، بغض النظر عن مستواها وتفاصيلها بحجة تسهيلات للصحراوية الفاتنة، من سكان الإقليم الصحراوي الواقع تحت السيطرة المغربية، أليس هذا مريبا بدور مغربي مقصود للخلاص من العنصر المتمرد على العرش المغربي عزيز، متقربا حينا، دون ولاء حقيقي حسب تصوري للجزائر الشقيقة المجاورة.
نعم، الخطة السنوسية تتم بحجة طلب المعنية لدعمها في أوجه استثمار اقتصادي ترغب فيه، وهي ذات مال وجمال وصلة وثيقة بالمخابرات الليبية في وقت سابق-طبعا- وعلاقة بوليزاريو الشق الجزائري والمغربي على السواء معروفة، ومعمر أول من أوقد هذه الفتنة، بحجة الحرية واستقلال الشعب الصحراوي، وهذا لا غبار عليه، ولكن لعله حق أريد به باطل.
وأمر السنوسي عميلته المطيعة، بالتوجه إلى المغرب للتواصل مع محمد ولد بوعماتو، لتسهيل المهمة المشروطة بالغدر، أي غدر السنوسي وتسلميه لليبيا، وصاحبنا –كالعادة- يلعب على جميع الأوتار، والخطرة أحيانا، والسنوسي خطير، ولكن “إلي روح، روح غريبة لا يصل إليه الكيد بسهولة”.
فقوم يقولون عزيز رجل صالح غير ظاهر، ويدعمه صهره المتبتل الخدوم لحاجيات الناس والعميل المغربي –على رأي البعض- ماء العينين ولد النور ولد أحمد، والد تكبر الذكية، ذات الكيد الرهيب.
وقوم يقولون -وأنا منهم- على مذهب “اهل الظاهره”- عزيز ماكر، دنيوي الأغراض، مستحوذ على ما لا يحق له، لأنه أخذه حكما ومالا عموميين على وجه الغصب، وقد يكون مستدرجا، ممهلا لا مهملا، ولات حين مناص، حين تخرج الروح من دائرة الابتلاء والاختبار، أي من الدنيا، ووقتها لا ينفع عند الله إلا من أتاه بقلب سليم، ولا تشفع وقتها الانتخابات المفبركة والمزورة أو الانقلابات المدبرة لأغراض مكشوفة ضيقة، حسب ما أوضح الواقع الملموس.
وعندما تمكنت من الوصول إلى بوعماتو المافيوي، لم تتأخر كثيرا عن الوصول إلى طريق عزيز، فالسنوسي حسب الرواية قال لها اتصلي ببوعماتو فسيمكنك من طريق عزيز، أي اللقاء المباشر مع عزيز.
وبوعماتو المافيوي لم يمكنها من عزيز مباشرة، محاولة منه لعدم الانكشاف في حالة فشل الخطة الجهنمية دنيا وآخرة، وإنما أودعها لخمسة عملاء ومن بينهم ربما دون أن يعلم أنها قادمة من ولد بوعماتو، أحمد ولد عبد العزيز المتطفل على السياحة ظاهريا على طريق أكجوجت، وهو رجل ثقة لا يعرف مهامه إلا الله وحده.
وقد يكون هذا بعض سر نقله لعزيز إلى المستشفى العسكري بعد خمس دقائق من الواقعة، التي حدثت حسب التسريبات في منزل خاص قرب مدرسة خصوصية تسمى “دار العلوم” في لكصر، وقال وقتها ولد مكي الطبيب الجراح الماهر أطلق هذا الرصاص قبل 5 دقائق فحسب، فأبعد عن مسرح العملية الخطيرة الغامضة الخيوط والحقيقة المريحة للذهن المشاغب، وبقي الطبيب الجراح “كان” الذي أراحني يوما من “المرارة”، في مستشفى الشفاء جزاه الله خيرا.
ولد مكي هذه بعض نقاط ضعفه ونقاط بعض الآدراريين عموما، الفجاجة والصراحة الزائدة، هذا غير مطلوب ولعله شغوف لأنه قيلاني أطاري أو شنقيطي بعودة الأطاري معاوية”.
فالطبيب مثل “الصندري” الناجح، غزواني الصامت الهادئ المخطط، ومعاوية الضابط الكتوم، وعزيز تلميذ معاوية النجيب في الكتمان والانقلابات السلمية الناجحة ولو شكليا.
الطبيب ينبغي أن يكون مثلهم ينفذ في حيز عمله ولا يصرح فيما لا يعنيه، فهذا دور آخرين يعلمونه ويحسنونه دون عناء، ولا يهمهم أحيانا، عواقبه أو فضائحه في الدنيا والآخرة، وإنما الأهم عندهم نجاح “الخطة فحسب” التي قد يرسمها جريح ينزف على سريره، مثل ما فعل محمد ولد عبد العزيز، الصبور المخطط البارع، ولولا أنه ناقص الأخلاق والمبادئ والرؤية الإسلامية الثورية الجامعة، وإن شئتم الديمقراطية بلغة اليوم، فلم يكن غزواني إلا منفذا، والجنس والكأس عنده ليس إلا جزءا من ديكور الحياة المرهقة، وهو صامت مبهر كما قلت سابقا.
آه….آه…..آه….نصحهم ثعلب أوجفت احمين اعمر بتخصيص دروس تأمل طويلة لدراسة شخصية عزيز الغريبة فعلا إلى أقصى الحدود، فهو كتوم ثابت الجأش عند الملمات، مخطط ببراعة للوصول لهدفه ولو كانت “الثريا”، هذا بغض النظر كما قلت سابقا عن الخلفية الأخلاقية، فقد عاش في “اللوكه” يغلب مراهقيها وينافسهم في دخول “السينما” بدون تذكرة أحيانا، ثم جاء إلى نواكشوط وتتلمذ على اعل ولد محمد فال ومعاوية في وقت لاحق، بعد أن تخرج من مدرسة سطو المراهقين وحلاقة “الزولو” قبل الأمريكيين كما قال اعل ولد محمد فال لبعض جلسائه إبان أزمة الثلاثي محمد ولد نويكظ، اشريف ولد عبد الله وعبدو محم في حضور شهود عدول-أعني قضية الحلاقة “الزولو” قبل أن يبتكرها الأمريكان لاحقا”، وهو لا يحب الشرطة بطبعه ربما لأنهم حققوا معه أوان عملية إختلاس في الخزانة العمومية أواخر السبعينات بمبلغ زهيد وهم اليوم على الهامش ينظرونه مع جوعهم أو جوع أغلبهم وضياع حقوقهم يسكب المليارات والمزايا على شرطته التي أودعها لصديقه المخبر الشاطر الجنرال المفبرك مسقارو، لكنكم تجاهلتم عقله وفهمه، بغض النظر عما سوى ذلك من مواصفاته، و”الإنسان ذلك المجهول” كما قال عالم غربي سابق، ضمن عنوان كتاب معروف.
دارت الأيام على السنوسي مثل كل الرجال العظماء الخبثاء “إن الله لا يهدي كيد الخائنين” وغدر عزيز كعادته بالرجل الضيف، الذي خدمه طويلا سيده الراحل رحمه الله معمر القذافي، الغريب الأطوار، ووعد وتمهل وفاوض و كان السنوسي قد حسب بدقة، وإن أخطأت الخطة قليلا، فرصاص الصحراوية، بالنسبة لعزيز كان مثل محاولة صالح ولد حننه أيام معاوية، هز نظامه، وأسقطه لاحقا، ولم يكن عزيز وغزواني وإعل وغيرهم، يوم 3 اغسطس2005 ، إلا قاطفي ثمر تدبير القومي والاسلامي على التوالي صالح ومحمد ولد شيخنا، ومعهم جمع من مختلف المشارب محليا وإقليميا ودوليا.
وقتها يوم السبت، وبعد أن حجزت نفس الليلة ليلة الأحد على التونسية، أرسلت إليه اثنين، وبدل الجنس اللطيف بمستوى ما من مستوياته، مجزأ أو كاملا، دخلا عليه بكاتمي صوت، وانطلق المنقذ القريب من مكان الحادثة-إن لم يكن موجودا داخل المنزل المجاور لمدرسة “دار العلوم بلكصر”، بصاحبه الجريح إلى اقرب مرفق صحي من المدرسة، ولولا القرب لمات نزفا بالدم القاني، الذي رآه في رؤيا مفصلة أحد أصحاب معاوية ولو ظاهريا مدير سابق للمعهد العالي، ولن أقول أي معهد، في رؤيا في الحرم النبوي وهاتف الراحل “ع” الموجود في باريس وقتها، قال له رأيت عزيز في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء منامي، وهو ينزف دما أحمرا”.
سبحان الله، ما أغرب خلق الله، تعرفون أن الرؤيا الصادقة من حيث الوقائع لا يشترط فيها الصلاح والتقوى أحيانا، وإنما الصدق فحسب، فثبات النفس ولو على الباطل مساعد على تلقي الرائي الرؤية الصادقة، مثل رؤيا ملك مصر أو عزيزها هو الآخر، وترتبت عليها خطة إنقاذ اقتصادية.
وبقيت قرآنا وعبرا تتلى إلى أن يرفع الله القرآن من الأرض، عبر رفعه ومحوه من صدور الرجال المؤمنين، ولأن الآخرة لا تأتي إلا على أشرار الناس.
سبحان الله…سبحان الله…سبحان الله….وبحمده سبحانه الله العظيم.
وقتها قال ولد مكي، بصدق ومهارة وتجرد غير مطلوبة، هذا حدث قبل خمس دقائق فحسب، من سألك عن هذا؟.
وخرجت الشابة الفاتنة إلى تونس، ثم إلى مأمن مجهول أو معلوم، إن البعض موقن –حسب إدعائه- بأن المغرب وراء الحدث، وبمباركة وتخطيط دقيق، والمغرب وثيق الصلة بالصهاينة، وإن كان لعزيز حسنة قد تنقذه من عذاب الله يوم القيامة بعد الشهادتين على رأي البعض، فهو مسلم طبعا، فهي قطع العلاقة مع الصهاينة، ولو ظاهريا.
فلا بأس، عموما بذلك، إن جاء ضد المشروع الصهيوني العميق السرطاني الفتاك.
وقد لا تقدم أحيانا اسرائيل والموساد، إلا بتنسيق مع بلهاء الغرب من أمثال الأمريكان والفرنسيين، وقد لا تكون هناك أحيانا ضرورة تكشف الخطة الموسادية أمام الحليف الأمريكي أو الفرنسي، الأبله فعلا بالمقارنة مع العقل الصهيوني، الذي دوخ العالم بأسره، قديما وحديثا.
خيوط وخيوط وخيوط، وهذا التسريب، قد يكون جزءا من الخطة، ولم أكتب شيئا عبثا، فأنا أدرك أن الإسلاميين بحاجة لمغامرة في هذا الوقت، ولو بالروح، فإن سلمت فلله الحمد وله الحمد في كل حال، أو تكون تحريكا في الاتجاه الإيجابي أو دعما لنجاح المشروع الإسلامي المسالم، حتى مع الأعداء اليهود والصليبيين، ولا مصلحة عند البعض في كتمان هذه الرواية.
إن قصة عزيز ورصاصة يوم السبت مساء 13 أكتوبر2012 وقصة تمزيق المصحف في حي المشروع بتيارت في العاصمة نواكشوط كلها خطط موسادية، الموريتانيون دولة وشعبا مستهدفون بسبب موقعهم الجغرافي الحساس بين غرب افريقيا المهمة عند اللوبي الصهيوني الدولي وشماله المسكون بجاليات يهودية مهمة رغم قلة عددها في المغرب العربي، والمغرب خصوصا.
فالسيسي أمه يهودية من أصل مغربي، وهو الآن يشتري غاز مصر من اسرائيل، بعدما باعه مبارك بثمن بخس، واليوم يلعب سيسي موريتانيا عزيز، دورا غامضا، رغم تظاهره بقطع العلاقة مع الصهاينة، فإن كان صادقا فقد غنم، وبشرط الإخلاص لله، وربما يكون هذا سبب خلاصه مع دعاء العميل المغربي-على رأي البعض-، صهره ماء العينين ولد أحمد الرجل الصالح ولو ظاهريا.
وإن لم يكن صادقا ومجرد محترف-أي عزيز- ويتظاهر فقط –تبعا لحسابات محددة-بطرد سفير الكيان الصهيوني، فقد غامر في ميدان صعب المراس، مع الله وعباده، وأعداء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، اليهود والصهاينة بوجه خاص، الذين أعيوا الأنبياء والمرسلين، وما كثر ذكرهم في القرآن، في حالات متعددة كثيرة، إلا بسبب “كثرة” أخبارهم، قتلا وعنادا وتحريضا، فليحذر “رئيسنا” من الموساد وأجوائها، وطبعا ولد بوعماتو أحد أكبر عناصر المافيا الموريتانية، ولا أعرف رتبته في الموساد، أما انتماؤه لها فلا شك فيه –حسب إدعاء البعض- ولولا انتماؤه لها، لما انفتح عليه العرش المغربي، العميق الصلة بالأخطبوط الصهيوني الدولي، ومجرد منفذ، مقابل قضية الصحراء وتأجيل مستمر للحسم لصالح الصحراويين المغبونين على رأي البعض، ومقابل ربما بقاءه في دفة الحكم، فهو نظام تقليدي مفلس، أكل خيرات الأحرار في المغرب والصحراء الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) وأبناؤها متسولون لعطف الجزائر في عمق تندوف عند حاضرة “لحماده”، وهو يستغل النحاس والسمك والفوسفات، ويحلم بالمزيد من عمليات الاستغلال لخيرات الصحراويين، ولولا الحماية الصهيونية الأمريكية-الفرنسية، لذهب من أول يوم أو على الأقل بمناسبة الربيع العربي الذي هز أركانه بقوة، دون أن يفلح في إسقاط الصنم المزمن، الذي يعبده تقريبا بعض الموريتانيين الرجعيين المسترزقين.
وإلى حلقة أخرى مع واقعة 13 أكتوبر2012>
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”