المساجد /أبو العباس ابراهام
جامع ابن عبّاس هو أحبُّ المعمار الديني في هذا البلد بالنسبة لي. بسيط، جليل، جميل. وقد أحسنت الدولة الموريتانية (باستثناء محاولة فاشلة للجنرال عزيز) في عدم استبداله بالجامعين “الأجنبيين” بالعاصمة، الأكثر تعقيداً وبذخاً: السعودي أو المغربي.
أولاً جامع ابن عبّاس جامع بسيط بلا تكلّف. وهذا يمكّنه من أن يخلو من المن والأذى. ثانياً، مساحته الترابية الواسعة، التي تُقام فيها صلوات الأعياد، تستجيب لامتياز الإسلام (الذي تريد الطفرة المساجدية أن تُصادره) وهو أن الأرض جُعلت مسجداً للرسول عليه السلام. إنه يسمحُ للمصلين بأن يتحولوا من رهبة القصر إلى زهدية الأرض.
وبطبيعة الحال فإن هذه الخصائص تبقى ضعيفة الأثر في غياب إمام زاهد وخاشع ومتجافٍ عن السلطة وذا صوتٍ متبتلٍ وخاشع. وهذه صفاتٌ لا بدّ اليوم من شدّ الرحال إلى علماء الداخل المتحصنين في شعاب الجبال، هرباً من الدنيا، لرؤيتها. وبعبارة أخرى فإن الوجودية الإسلامية اليوم هي وجودية سلمان الفارسي، الباحث عن قيادة دينية غير متاجرة بالدين.
على كلّ حال فإن وضعية المساجد في هذا البلد هي في غاية الانحطاط والتدهور. ولا يميّز العابد اليوم بين مصلى ومسجد أو بين جامع ودار صلاة. بل وإن مدراء المساجد لا يميزون بين هذا إذ يعطون عناوين الجوامع للمصليات المتواضعة. وتقريباً لا يوجد احترام للجانب الجمالي من المسجد، حيثُ معظم المساجد هي عبارة عن كردوس مربع على جانبه مستطيل إسمنتي متعجرف، مرشوش بالرمل الطيني، له أذنين حديدين هما عبارة عن بوقي آذان. ومن الواضح أن بعض المساجد بُنيّ بأقل من نصف ميزانيته. بل وإن دخول بعض غلاة المحتالين في طفرة بناء المساجد يفترض التفاتاً على التمويل المساجدي (الخليجي غالباً).
وعندما يحلّ وقت الأذان فإن هذه المساجد تطفق تؤذن بشكل عشوائي ولا يخضع لأي ترشيد في التوقيت، فتبدو المصليات الكثيرة كأنها في حرب ضد بعضها. وتمتد الصراعات حتى داخل هذه المساجد حيثُ تسود صراعات سياسية وشعوبية وشخصية كثيرة على إمامة المسجد. وهنالك عشرات المتفقهين الصغار ممن تقطّعت بهم الأسباب في قطاع العبادة ومن المتدرجين في الخطابة التلقائية الذين يستغلون وجود جمهور المصلين للتنافس على مخاطبته قبيل وبعيد الصلاة (أحياناً قبل حتى أن يُسلّم الإمام تسليمته الثانية).
ولا يبدو أن المصلين متضايقين من هذه العجرفة؛ بل وإن معظم المصلين يقوم بممارسات لا تقلّ في عدم الخشوع، إذ يضع أحذيته، وغالباً سرواله، على أثاث الصلاة. ويبدأ في هرش جوانبي بطنه وجذب المصلين قربه إليه. و لا يُعادل حرصه على تهذيب الصفوف إلا عدم تهذيبه. وما إن تشرع الصلاة حتى يبدأ ضجيج من العطاس والكح ورنين الهواتف. وطبعاً لا يُساهم هذا في جوٍ متبتل، خصوصاً أن الإمام المقرئ لا يُساعد، فهو- مثله مثل الخديم ولد السمان أو ولد شبرنو أو حتى الإمام المعتمد لدى الدولة- لم يتكوّن في علم تهذيب القلوب.
تدوينة على صفحة الكاتب الشخصية