هل يفلت الثالوث من الاستهداف؟
السجن والتغريم والتهجير من بين أسلحة الإبتزاز الفتاكة التي تستعملها الأنظمة المستبدة المستحوذة، على الحكم والمال العموميين من غير اختيار شفاف.
أجل، تستخدمها مثل هذه الأنظمة قديما وحديثا ضد شعوبها، وخاصة النخب المثقفة والمالكة لبعض المال، عسى أن تروضها وتخضعها ترهيبا لا ترغيبا.
وفي هذا السبيل سار “اصنادره” عندنا منذ 1978 وإلى اليوم، فسجنوا وقتلوا بسر وجهر، ولعل صاحب “آكرا” الذي كان يحمل صناديق الدولار المزور، قتل عمدا خوفا من أن يبوح يوما بسره، فستتحرك أمريكا وقتها لا تلوي على شيء، ضد عزيز وغزواني، خصوصا حين يسقط النظام الثنائي، الذي قال تحت ضغط الفرح والخوف في مهرجان “ملح” بأنه كان بين اثنين فحسب يوم دبر انقلاب 3 أغسطس، طبعا هو وصاحبه الصامت غزواني.
صاحب “آكرا” كان الضحية في ضواحي ودان –حسب بعض الروايات- التي يستهزئ بها البعض، وسنسرد لاحقا تفاصيل قصته، لتصبح الكثير من العمليات عبر تاريخ اصنادره، مشكوك فيها وفي الهدف منها، ليتضح أن ما خفي كان أعظم، ولن ينكشف بسهولة إلا أمام الرحمان، وليس بينهم وبينه ترجمان، سبحان من بين ضحايا أيضا التصفية الأكثر غرابة، موضوع عبد الله ولد عبيد 1960 بلكصر في عهد المدني المسالم المقرب من النصارى الصليبيين الفرنسيين المختار ولد داداه، فهل تمت تصفيته ضد نظام المخطار أم من أجله أم لحسابات أخرى؟؟.
وقصة ولد انجيان 2003 فهل قتله معاوية أم صالح ولد حننه، أم قتل خطأ، أم سوى ذلك من الصيغ المجهولة حتى الآن على الأقل لدى الرأي العام المحلي.
وولد بوسيف في الثمانينات في دكار في عمق المحيط الأطلسي ما حقيقة قصته؟، هل كانت مجرد زوبعة وأجواء وطقس طبيعي، أم “مناخ” من شكل آخر؟، حيث ينتاب بعض البشر صراعه المزمن والطبيعي هو الآخر عند البعض لا يلوي على شيء، فيقتل ويفعل ما قدر الله له أن يكون، ثم يندم بعد ذلك حسب حظ المغفرة والتوبة إلى الله، ومن يقدم على مثل هذه الموبيقات، فكأنما أقدم عليها ناسيا قوله تعالى: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”. أما أسلوب السجن وحدث ولا حرج، فلنحذر جميعا، لأنهم يحسبون فقط بالمصلحة السياسية والمادية، ولا يتورعون غالبا إلا عن ما لا يعنيهم، أي بلغة أخرى لا يضر مصالحهم الخاصة. أجل المشرق، “اصنارده” هناك على أرض الكنانة والشام على سبيل المثال لا الحصر، يقتلون على طريقتهم الفجة وغير الفجة أحيانا، وأما البيظان، فحكامهم يقتلون ويسجنون ويغرمون ظلما وعدوانا الصحافة والتجار وغيرهم، ولكن على طريقة البيظان الخبيثة، مع الكتمان والتظاهر بالبراءة، وقد لا ينكشفون تماما، إلا يوم القيامة، يوم العرض الأكبر، ” وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً “. ومن خبث العنصر البيظاني وعمقه ان اغتيالات الصهاينة والبيروتيين المارونيين أو من حزب الله تكتشف عادة إلا لماما في حيز زمني ضيق، أو على الأقل جل معالمها، أما عمليات “البيظان” التصفوية فغالبا ما تدفن مع المدبرين سرا، لا يظهر إلا يوم القيامة.
وعود على بدء، أقول بعد الخلو من المدخل الطويل نسبيا هذه المرة لحساسية الموضوع، لأن العرب يقولون “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”، في يوم من أواخر دجمبر2009 أدخل الثالوث إشريف ولد عبد الله، عبدو محم ومحمد ولد نويكظ السجن ضمن خطة تصعيد رهيبة ضد القطاع الخاص القديم، لإفساح المجال لقطاعهم الخاص الحديث، وهم هنا ترجع إلى انقلابيي 3 اغسطس2005.
تعلمون أن هؤلاء التجار أفلتوا من التصفية التامة أيام ولد داداه-رغم بعض المعوقات والمتابعات الأمنية والسياسية- وكانوا وقتها، أي رموز تجار موريتانيا الأوائل شبابا مع جماعات متفرقة من مختلف المشارب في “بير ام اكرين” و”ازويرات” و”روصو”، قبل القدوم إلى نواكشوط لاحقا للإستقرار فيه تأسيسا للقطاع الخاص الموريتاني. إلا أن فرصة معاوية مكنتهم بالطرق الشرعية وغير الشرعية أحيانا ربما، من الظهور المادي الملفت للإنتباه، على الأقل بالنسبة لهذه الأرض الصحراوية الجدباء، بلاد شنقيط، فاستيقظ هاجس الحسد والتحامل عند كثيرين، وكان من بينهم اعل الذي رافق معاوية قرابة واحد وعشرين سنة من الحكم، وبوعماتو الذي صنعه صناعة مزورة سريعة معاوية وشقيقه أحمد لمصالحه ومصالحهم، وسط جو لا يخلو من السطحية والانفتاح الزائد من قبلهم، مع استغلاله لفعل ما لا يستحبون فعله مباشرة، والشناعة في هذا الباب سواء ومكشوفة طبعا.
وعزيز الصهر الحارس، فدبر الثلاثي بوعماتو واعل وعزيز خطته قبل ذهاب اعل عن دفة الحكم، وعزيز تولى التنفيذ الدقيق، ومازال ناجحا في هذا السياق المتواصل رغم مبادرة “أمل” السخيفة، التي دعمت ترشحه دعما كبيرا ماديا وسياسيا إبان الإنتخابات المنصرمة 21 يونيو2014.
وعزيز لن ترده المليارات عن تصفية الثالوث عبدو محم الذي انتهى اقتصاديا لوحده تحت ضغط سوء التسيير والانفتاح الزائد، واشريف ومحمد ولد نويكظ ما بقي عندهم في طريقه للهدم العزيزي، رغم ما أنفقوا من مليارات في حملة 2014 التافهة.
باختصار لن يتوقف استهداف الثالوث عبدو محم، محمد ولد نويكظ واشريف ولد عبد الله، والاثنين الأخير بوجه خاص، لأنه بقي في يديهما القليل، مما كانا ينفقان على نفسيهما وأهلهما وأهل موريتانيا أجمعين -دون تمييز تقريبا على إدعاء البعض- بين الأبيض والأسمر والأسود على السواء، ولابد من إخلاء السبيل، من طرف نظام عزيز للمافيا المالية الخاصة به، وبالدرجة الأولى في ميدان هذا المال، لأنه عصب الحياة، وخصوصا الحكم.
ولا ينبغي تركه بأيدي من عارضوا -على رأي عزيز المكشوف- ودعموا يوما أحمد ولد داداه ومسعود، وحركوا الساحة بجد في سنوات الانتخابات2007 و2009، ومن غيرهم يجرؤ على ذلك؟؟.
بوعماتو متردد في هذا الصدد، بالمقارنة معهم حين يعزمون، وجل ما أنفق 2009 من مال القذافي، الذي حول إلى نظام عزيز، عن طريق مصرف تبييض الأموال، البنك العام لموريتانياGBM.
وأما ما فعلوا هم أيام 2007 وخصوصا 2009، حين كان إجماعهم ضد عزيز، كان من “حر” مالهم، بغض النظر عن مصدر هذا المال، فاليوم يجمعه التجار، وخصوصا الكبار، للأسف البالغ من حله وحرامه غالبا. اللهم سلم…سلم. لا حول ولا قوة إلا بالله.
وإن تصوروا أن مبادرة تافهة مع خمس مليارات أوقية بين المبادرة وإدارة حملة المرشح عزيز الانقلابي المزور وبعض العطايا للحزب الحاكم الآفل النجم، تكفي لصد عزيز عن استهدافهم فقد حسبوا بالمقلوب، لكنها قوته عليهم، ولقد أحسن عبد القدوس ولد اعبيدن –على رأي البعض أيضا- حين خرج وفضل التهجير أو الهجرة الاختيارية، عند الذين لا يعرفون أن عبد القدوس كان مهددا بالتصفية بطريقة ما لو عاد إلى موريتانيا -حسب ما أوصل بعض الكادحين وغيرهم من المصدقين عند حزب UNAD الجديد التجربة والنشأة-.
وأحسن شقيقه الأكبر مسير سوجوكو وغيرها، حين فضل أن يحسب معهم فقط، “ألزمتموني بدفع900 مليون ضرائب2012، على سوجوكو وحدها، ناقشهم، حتى وصلت إلى 600 مليون أوقية وسددت على ثلاث دفعات، والشريك مع لابوري، ذكاء وحكمة، حتى يشتركا في الضرر والربح، إن وجد، لأن الاستثمار في موريتانيا مغامرة وخسارة معروفة مسبقا، بالنسبة لأصحاب اللب والفهم، ولتنتظروا جميعا بعد أسابيع، خصوصا عند انتهاء رمضان أو قبله ربما، حجم الضرائب الجديدة على جماعة “اسماسيد” بوجه خاص.
إن استهدافهم سيستمر، وإذا منحوا مشاريع ستعوق مثل “بومي” التي سحبت من أهل اعبيدن، أو على الأصح سيدي أحمد وإخوانه، من أبناء المغربية فحسب دون محمد ولد اسماعيل لأمه بنت سيدي بابه شقيقة أحمد ولد سيدي بابه، تناقضا وصراعات داخلية وخارجية، كل هذا بسبب المال، فأصبروا معشر الفقراء ولا تظنوا أن ما فاتكم جنة أو رغد عيش على الأقل، وإنما جحيم أحيانا “كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى “.
ويبقى أحسن حال المعارضين من رجال الأعمال، وأقل اضطرابا على الأقل، من الناحية النفسية وهذا هو الأهم، لأنه يمثل مقياس ومعيار الإطمئنان، وهذا الأفضل في حساب العقلاء وهو ما يفهم من الوحي المنزل من فوق سبعة أرقع، فالسعادة بذكر الله “ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ“.
وأما المال مع السجن والمتابعة والتغريم والاستعباد والاحتقار والاستفزاز والابتزاز مثل ما يحصل مع البعض، فلا خير فيه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها”.
إن عزيز مصر على البقاء في الحكم، وإن بقي حيا وأفلت من هزات الحكم المختلفة، بالتصفية أو الانقلاب أو الثورة الشعبية أو غيرها، فسيستمر في التصفية والتلاعب بأهل موريتانيا، إلا من عارضوا منهم بشراسة على نهج الكلب، الذي إن نبحك فوقفت استهدفك وإن تجاهلت نباحه خاف منك وتراجع.
كلاب العرب الحاكمة في بلاد السيبة هذه وغيرها، لا يصلح لهم إلا الفدائي المغامر، لأن الجو جو حرب فحسب، لم يفهمه الكثيرون بدقة، فإما أن أنتصر عليك و أبقي، أو تتغلب وتسومني سوء العذاب، ونحن جميعا أهل موريتانيا بطرق مختلفة إلا من رحم ربك في دائرة الاستهداف، وموريتانيا سجن كبير مثل الإمارات التي سلمتني ظلما وعدوانا ومثلت أول حالة تسليم صحفي من دولة عربية إلى أخرى.
ومثلها كل بقاع الأعراب تقريبا.
فأتركهم يحسبون في الفراغ مشاريعهم المنتظرة وتخفيض ضرائبهم المؤلمة لمؤسساتهم الكثيرة الوهمية أحيانا ويبيعون أهل أطار في سوق النخاسة واللواط السياسي إبان الحملة الماضية تحت شعار “مبادرة أمل الداعمة للمرشح محمد ولد عبد العزيز”، ويقولون سلمنا، لقد دخل دار اشريف ولد عبد الله ويحسبون الأمر مثل يوم فتح، “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن”، العكس صحيح، حرفا بحرف وذراعا بذراع وشبرا بشبر، حتى لو دخلتم الكعبة، لطاردكم عزيز، وليس على نهج مطاردة ابن أسماء بنت أبي بكر الصديق عبد الله ابن الزبير، ليسلبكم كل أموالكم، الحلال والحرام على السواء، ويعلقكم ليس على الكعبة، فأنتم حاشا لستم عبد الله ابن الزبير الشهيد، وإنما سيعلقكم على قصركم الرمادي المغتصب أو أحقر من ذلك، ففروا إلى الله بالابتعاد من عزيز الانقلابي الخطير المخطط، وأخرجوا بقية أموالكم إلى ساحة الاستثمار في الخارج.
فالهجرة واجبة على المتضرر، ضررا بالغا في دينه أو نفسه أو إحدى الكليات الخمس، المعروفة في مقاصد الشرع الإسلامي، وإن شئتم إقرؤوا تفصيل ذلك في علم الأصول، وأريحوا أنفسكم من هذا التصفيق، وبقية المال أتركوه في ذمة المعارضة الراديكالية وأهل موريتانيا الأحرار، فسيدافعون عنه لكم، وقد يأخذون منه النزر القليل، لتمويل الثورة المرتقبة قريبا، إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز، يا أنصار وضحايا عزيز على السواء.
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”