صراعات غير محتملة/أبو العباس ابراهام
النقاشات العامة الأقل احتمالية تجري بكلّ سلاسة وطبيعية في هذا البلد: حزب سياسي ضد مطعم؛ منظمة خيرية ضد مكتبة؛ جامعة ضد مدوّن،؛ موقعٌ إلكتروني ضد حلاّق؛ نقابة عمال ضد فريق كرة قدم؛ وزير الخارجية ضد راقصة؛ مدير ديوان ضد لاعب شطرنج؛ مدير البلاغات الشعبية ضد جزار.
وفي الحياة الغابوية، الأكثر احتراماً طبعاً، تستحيل صراعات البابون مع الجاموس أو الببر مع اليعسوب أو الدب القطبي مع الفار الصحراوي، المكتشف منذ أسابيع. وى يعلم آكل النمل بوجود عصفور النحل الطّنان. ويمكن القول بكّل أمان أن الذئب الألاسكي لم يحلم (مع أنه ينام بعينين، وليس بعين واحدة، كما تفعل ذئابنا العربية) بمواجهة ضد الشمبانزي.
وحتى في الغابات التي لا تحكمها الملكيات الأسدية وتسود فيها انقلابات السعالي والنمور، فإن التخصّص يبقى محترماً.
ويجب أن نعترف أن جغرافية البلد والنظام المروري فيه يسبّب مشاكل لا يتوّقعها الرصد الجوي. ويومياً يتشانق مدير الأمن مع مدير التأمين الصحي أو مع مدير المطعم الجامعي على حق الأسبقية. وهذه نقاشات تاريخية في البلد و لاتتعلق فقط بمرور السيارات. فأصلها التاريخي يعود إلى الاحترابات على حق ورد الماء، حيث من المألوف “خطية فم الحاسي”. وعلى مستوى الراجلين لا يمكن إغفال صراعات المؤذن مع بائع الفول المقلي أو تصافع المتسول السوري مع المتسول الموريتاني الأصيل أو اللحّام مع بواب التلفزيون الوطني أو الإسكافي مع مدير الصفقات العمومية.
ويجب أن نعترف أن الفيسبوك لم يُساهم في حلّ خلافاتنا. وربما يتعلّق الأمر بمؤامرة غربية لإبطال نهضتنا المجيدة. وأصبح بديهيا أن يتعلّق السياسي بتلابيب المدون أو تنظم مليشيا قبلية هجمة على مدون استُخدِم حسابه قرصنةً لا قصداً. والفقيه ( يا عيني على الفقيه!) لقد تحوّلت حربه من حرب الواقع المنحرف إلى محاربة الواقع الافتراضي. لقد انتقل من محاربة الواقع إلى محاربة الخيال.
ويجب أن لا ننسى العناية الإلهية. فبالنسبة للعبد الفقير لم يلّمح إلى شخص خارج الفيسبوك إلا وقيّض الله له فيسبوكياً يعتقد أنه يُلمّح إليه. وهو لا يفعل هذا مبتسماً. وقد أدرك مقاتل صاحب التفسير أن البلاء مؤكل باعتقاد التعالي أو الإحاطة. أما أنا “فلا أعود لنعيمان أبداً”.
والحمد لله رب العالمين.
——————
من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك