نحن وإسرائيل و الإتحاد الأفريقي/ باباه سيد عبد الله
من بواعث السعادة أن تحقق دبلوماسيتنا انتصارات فردية أو فى الإطارين الإقليمي والدولي، و أن تقوم قرائن وبينات على تلك الانتصارات، ولا ضير فى توظيفها سياسيا من طرف النظام الذي حققها أو ساهم فى تحقيقها، أيا كان مستوى تلك المساهمة.
ولا مراء فى أن وزير خارجيتنا، الدبلوماسي المتمرس أحمد ولد تكدي، يعرف كيف “يطرد” الاسرائيليين- بأسلوب دبلوماسي لبق- دون أن “يظهر” فى الصورة، ودون إحراج ” أصدقاء” الأمس، وربما أصدقاء اليوم والغد، فالدبلوماسية والعلاقات الدولية لا تعرف العداوات ولا الصداقات الأبدية، وإنما هي لعبة مصالح وتحالفات وتوازنات.
و لا شك أن رئاسة موريتانيا للاتحاد الأفريقي تتيح لها فرصة فريدة لتكون رأس الحربة فى التحرك الدبلوماسي لابطاء وتيرة الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا، وولوج منظمتها القارية كعضو مراقب.
إلا أن من المفيد استعراض ما حصل فى “مالابو” وتناقلته وكالات الأنباء وشهود العيان حول طرد وفد إسرائيلي من طرف الرئيس الموريتاني، الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي.
الحقيقة أن الوفد المكون من بعض أعضاء “مؤتمر المنظمات اليهودية” لم ينزل فجأة من السماء، فقد صال وجال فى أروقة قمة “مالابو”، و اجتمع مع كل من رئيسي غينيا الاستوائية وجنوب افريقيا ومساعدة وزير الخارجية الامريكية، ليندا توماس غرينفيلد، ومع من شاء الله من الوزراء والسفراء والشخصيات السامية المدعوة للقمة،
واستغل الوفد علاقات اسرائيل الدبوماسية والتجارية مع 39 دولة من دول الاتحاد الافريقي ليجس نبض بقية الدول حول فرص حضور القمة كمراقب.
ولم يفت على الدول العربية- الافريقية تحرك الوفد الاسرائيلي والتسهيلات التي حصل عليها من الدولة المضيفة – غينيا الاستوائية- ومن دول افريقية اخرى كان وزير الخارجية الاسرائيلي قد زارها قبل انعقاد القمة، ولا شك ان حضور الوفد الاسرائيلي تم بالتنسيق معها، اما بالقبول التام، او بعدم الاعتراض على الفكرة كمناورة.
لهذا، سارعت جامعة الدول العربية ، عبر ممثلها ، السفير سمير محسن،الى تقديم احتجاج الى وزير خارجية غينيا الاستوائية، اكدت فيه ” رفض المجموعة العربية لوجود إسرائيل كمراقب فى القمة الافريقية” ، واعتبرته “غير شرعى”.
كما بادر سفير الكويت فى أديس أبابا، راشد الهاجرى، الذى تترأس بلاده الدورة الحالية لقمة التعاون العربى- الأفريقى، الى التصريح بان “وجود وفد إسرائيلى فى هذه القمة، تصرف غير مقبول” وبان ” المجموعة العربية ستعيد النظر فى العلاقات مع غينيا الإستوائية”، كرد فعل على ” هذا النوع من الاستهتار”.
وقد اطلعت، لاحقا، على ما نشره موقع محسوب على اللوبي اليهودي فى امريكا من ان الرئيس الموريتاني هو من قرر”طرد” الوفد الاسرائيلي، بحكم رئاسته للقمة، واورد الموقع تفاصيل مهمة على لسان رجل الاعمال اليهودي “ياردانا عودافيا” احد المدعوين من طرف الرئيس الايكواتو- غيني:
(( لقد بدا كل شيء عندما اقترب منا مندوب مصر خلال مأدبة عشاء عشية انعقاد القمة ليسألنا:
ماذا تفعلون هنا؟ وأشار بإصبعه إلى رجال كانوا مميزين ب”الكيبا” اليهودية،
نحن يهود امريكيون ولسنا اسرائيليين، ونحن مدعوون لهذا الحدث،
وفى اليوم الموالي، هدد مندوبو الجامعة العربية بمقاطعة القمة اذا لم يتم اخراج الوفد الاسرائيلي من القاعة، فكررنا تأكيدنا أننا امريكيون ولسنا إسرائيليين، الا انهم رفضوا ان يفهموا ذلك)). انتهى كلام رجل الاعمال اليهودي المنسوب اليه فى موقع jssnews.
بالطبع، ما كان لموريتانيا ان تدافع عن اسرائيل فى قمة “مالابو”، وهي التي قيض الله لها هذا النصر الدبلوماسي على طبق من ذهب، الا انه فات على دبلوماسيتنا- وهي تقطف ثمرة دانية – ان تتملك الموضوع، حيث لم يصدر – لا عن رئيسها ولا عن وزير خارجيتها ولا عن سفيرها لدى الاتحاد الافريقي- اي تصريح رسمي بهذا الشأن، لا فى “مالابو” ولا فى انواكشوط، حسب علمي، والله تعالى اعلم.