ليلة القدر….عرض رمضاني خالص
سبحان الله، من يعدنا ببعض منافع هذه الدنيا الزائلة الزائفة، المرتبطة بمختلف المنغصات والمكدرات لنعيمها، المحدود العابر، نفرح ونطير رغبة في تحقق ما وعدنا، على وجه اليقين على العاجل..
وسبحان الله لعله عند بعضنا نقصا في اليقين على الآجل، أليس ذلك مؤشر ضعف إيمان وتصديق لما عند الله، أم أنها الغريزة الإنسانية البريئة، مفتونة على وجه الصنعة بالموجود العاجل، ولا تكاد تتوجه للآجل الكثير عند الخالق إلا مستمسكة بعروة الإيمان، عبر تربية النفس عن طريق الذكر والتأمل والعمل الصالح المتنوع الألوان والأنواع، الجالب لليقين على الآجل، المهدد بالوسواس والمبعدات المختلفة عن صفاء اليقين، إلا من تغمده برحمته من المؤمنين “إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئكهم الصادقون”. لو كان اليقين بهذا المستوى لرأيت الطوابير على المساجد والإنفاق والذكر والتهجد وكف اللسان عن الأذى، وغير ذلك من أبواب الجنة ورضوان الله، وتزكية النفس طريقا موصلا-على وجه اليقين- إلى ذلك المقصد الرباني الثر السميق الحلو المشوق: “مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمرلذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم“. وقال الله تعالى: “سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ”. ينبغي أن نجتهد على أنفسنا قدر المستطاع، حتى نحسن ما بقي من الصيام والقيام، وحتى نعوض ما سلف، أو ما بدر من الأخطاء والتقصير، فمن شهد شهادة الزور في رمضان أو أدمن على النميمة، فلا حاجة لله في صيامه وقيامه، كما ورد في الحديث النبوي، ومن… ومن ، من الأعمال السيئة المحبطة لأجر وثواب الصيام والقيام، فيتحول الأمر إلى مجرد تعب بالقيام أو جوع وعطش بعد الصيام المرهق أحيانا. إننا بحاجة لانتهاز ما بقي، وأن نشدد الحراسة على ألسنتنا وسائر جوارحنا، عسى أن تكون العشر الأواخر هذه، وليلة القدر المخفية فيها، حكمة من الله، فرصة للترقيع المبارك، لما قد يقع عندنا من التقصير والعمل المخل، بالجو الرمضاني الحقيقي النموذجي، المفترض، والمبين تبيانا في الكتاب والسنة وشروح العلماء، عبر الأثير والحبر، وأيضا عبر كتابات بعض الإعلاميين المستنيرين. لقد بدأ الشارع الرمضاني عندنا يتحسن، رغم ما لوحظ من استهتار مستمر بالشارع نهارا وليلا، في بعض المدن والقرى، وخصوصا في نواذيبو ونواكشوط، فمازال يلاحظ تدخين الرجال والنساء أحيانا، والإفطار علنا –استفزازا- للجو الرمضاني، الذي ينبغي أن يصونه الجميع، وتطغى فيه حالة الإمساك نهارا، ولو عند المعذورين، الذين ينبغي أن يتواروا بفطرهم المشروع، دون أن يمس ذلك من حرمات شهر الصيام والقيام. فالجو المطلوب شرعا نهارا، الإمساك وهجر الجدل العقيم والأخلاق المخلة، وليلا القيام والتهجد وكذلك الاعتكاف ليلا ونهارا بالنسبة للعشر الأواخر للقادرين عليه. نسبة النجاح في هذا التوجه، كانت محدودة بصراحة، فمازال جمع كثير من الناس لا يصوم، ويفطر علنا، وإن صام البعض صام بالنوم والكسل نهارا، والإسراف في الأكل ليلا بعد الإفطار، مع سمر وسهر زائد، يؤثر على مناشط النهار الرمضاني، ويصل إلى المحرمات أحيانا، والحمد لله لم تسجل حالة قتل في هذا الشهر الكريم، عكس ما حصل في رمضان 2012 وبالذات يوم 17 أغسطس 2012، بحي كارفور، تلك الحادثةالمزلزلة بسبب مشاكل العيد ومبالغاته عند البعض، وإن نسب ذلك لحالة نفسية جنونية غريبة إلى حد الغموض حتى اليوم. إن لله سبحانه وتعالى أعطانا هذا العرض الرمضاني الخاص المبهر. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ ، ثناطَاهِرٌ، حَدَّثَنِيأَبِي، عَنْإِبْرَاهِيمَ، قَالَ : وَحَدَّثَنِيالْحَجَّاجُ، عَنْقَتَادَةَ، عَنْخِلاسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْأَبِي رَافِعٍ،عَنْأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” . وهي في العشر الأواخر يقينا من كل رمضان، والأوتار بصورة خاصة.
فيما يلي أقوال العلماء في محلّ ليلة القدر :
القول الأوّل: الصّحيح المشهور لدى جمهور الفقهاء , وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة , والأوزاعي وأبو ثورٍ : أنّها في العشر الأواخر من رمضان لكثرة الأحاديث الّتي وردت في التماسها في العشر الأواخر من رمضان , وتؤكّد أنّها في الأوتار ومنحصرة فيها .
والأشهر والأظهر عند المالكيّة أنّها ليلة السّابع والعشرين .
وبهذا يقول الحنابلة , فقد صرّح البهوتي بأنّ أرجاها ليلة سبعٍ وعشرين نصاً .
القول الثّاني: قال ابن عابدين : ليلة القدر دائرة مع رمضان , بمعنى أنّها توجد كلّما وجد , فهي مختصّة به عند الإمام وصاحبيه , لكنّها عندهما في ليلةٍ معيّنةٍ منه , وعنده لا تتعيّن .
وقال الطّحطاوي : ذهب الأكثر إلى أنّ ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين , وهو قول ابن عبّاسٍ وجماعةٍ من الصّحابة رضي الله عنهم , ونسبه العيني في شرح البخاريّ إلى الصّاحبين. وفيها يفرق كل أمر حكيم، مما فسره العلماء بأن أقدار كل سنة تنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، بما فيها أقدار الخليقة لسنة واحدة، في كل ليلة قدر من كل رمضان، من كل سنة، وفيها أنزل القرآن في الأزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا مجملا، ونزل على قلبه صلى الله عليه وسلم على يد جبريل صاحب الوحي والأمر العظيم، أقرب الملائكة المقربين إلى الله جل شأنه، وأحد الملائكة الذين يبقون بعد النفخة الأولى في الصور، حيث لا يبقى وقتها قبل أن يموتوا بعد ذلك عند النفخة الثانية في الصور، على يد إسرافيل، إلا جبريل، ميكائيل، إسرافيل، عزرائيل، وحملة العرش، والله أعلم. وقد نزل فعلا منجما مجزءا على قلبه صلى الله عليه وسلم، من لدن ربه عن طريق جبريل حامل الوحي من الله جل شأنه، من عرشه حيث يستوى “الرحمن على العرش استوى”، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، إلى أرض الحجاز في المدينة و مكة، فما عرف وحي نزل عليه صلى الله عليه وسلم في غير هذين الموقعين، وما خرج صلى الله عليه وسلم من أرض الحجاز بعد بعثته، إلا ليلة الإسراء والمعراج، ليلة “أسري به وعرج على البراق يسوقه جبريل عليه السلام، وعدت الطائف من الحجاز طبعا وهي قريبة منها 80 كلم من مكة المكرمة أو ما يقارب ذلك أو يزيد عليه بقليل، وهي التي خرج إليها يوما بعد بعثته داعيا قومها إلى الإسلام، فآذوه سفهاءها، بأمر من ملأها المستكبر المتصلب وقتها، وأدموا عقبيه الكريمتين صلى الله عليه وسلم، وما استجاب صلى الله عليه وسلم لعرض ملك الجبال أن يطيق الأخشبين على قومه، لإيذائهم له وصدودهم المستمر المتواصل إلى ما شاء الله، حين أراد الله لهم الهداية، فتحققت على أرض الواقع، وما تشاءون إلا أن يشاء الله. سبحان الله، هذه الليلة تصبح الشمس فيها منكسرة الشعاع، وكأنك يمكن أن تنظر فيها أعيانا نهارا، دون أن يصدك الصدود العادي القوي المؤلم للعين ضوءها، فهي صباحا بعد ليلة القدر كأنها بيضاء، وفيها يتوقف الحمير والكلاب عن النهيق والنباح. مما صح من الأثر. وهي تفصيلا، أرجاء في الأوتار المصادفة للجمعة، حتى من ليلة سبع وعشرين عند بعضهم، فمثلا عندما يصادف الوتر ليلة الجمعة، فذلك أرجى على تأويل البعض وترجيحه. وفيها يكثر نزول الملائكة فتضج السماء بجو نوراني، إن لم يكن ماديا واضحا، قد ينكشف للبعض، فهي على وجه اليقين ليلة نزول الوحي القرآني مجملا في ليلة سابقة من أزل الله وتوقيته المخفي عن أغلب خلق الله، وفي كل مناسبة منها تتنزل أيضا الملائكة بكثرة، ومن بينهم جبريل: “تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم”، و للعلماء في هذا الكلام تفسير وتفصيل، يفضل الرجوع فيه للتفاسير، الأنسب للشرح، خلاف هذا المقام الموجز السريع. وفيها كما قلت سابقا، تنزل أقدار السنة القادمة. اللهم اجعلها بداية خير لنا خير عميم في الدنيا والآخرة وعتق من النار، وإلهام وإرشاد تام إلى طريق الهداية الكاملة، مع النصر للغزاويين وسائر المجاهدين في كل مكان وزمان، واجعلنا منهم، وتقبلنا عندك شهداء صديقين صالحين، إن شاء الله. إنها مناسبة للدعاء والاستزادة من الخير بجميع صنوفه، ولعلها مخفية، كما قلت آنفا لتمام الإجتهاد، وفي ذلك مصلحة للمسلمين الصائمين وغير الصائمين، حتى يستزيدوا من الخير من شتى مغارفه ومنابعه!. قال تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر”سورة القدر من كتاب الله عز وجل المنزل المحفوظ: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”. فالقرآن بهذا البيان الموجز العظيم، في سورة القدر والمنزلة العظيمة عند الله، يؤكد نزول القرآن في هذه الليلة، وذلك إشارة لما سبق، من نزوله مجملا في هذه الليلة في ليلة من ليالي رمضان سابق، فلا نزول للوحي مجملا إلا مرة واحدة على الأرجح، ولا نزول له مجزءا إلا مرة واحدة (مقطعا مجزءا على قلبه صلى الله عليه وسلم)، ولا قرآن آخر، إلا ما قد نزل عليه صلى الله عليه وسلم، ومحفوظا من بعده إلى يوم القيامة، وفي آخر الزمان، حيث لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس، وما بقي منه في صدور الرجال في ذلك الزمان، يرفع من صدورهم رفعا، ربما عقابا لكثرة انتشار الخبث وقتها، فهي لا تقوم-أي القيامة- ولا أي أحد على وجه الكوكب الأرضي يقول أحد… أحد، فيرفع القرآن ويختفي التوحيد، ويتمحض المسرح حينا محدودا لأهل الشر، وتطوف النساء عاريات، من أهل كذا، مما ذكر في بعض الأحاديث، من اسم قبيلة عربية بذاتها، وهن عاريات تهتز أجسامهن فسقا وانحرافا حول الكعبة، ويتزايد الخنا ويقل الخير فيأذن الله للحدث الأكبر، أن يقع فيقع، “إِذَا وَقَعَتِالْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا”. وينفجر نظام الكون ويزول وتتزلزل الأرض زلزلة عظيمة، لم يقع مثلها من قبل البتة (إِذَا زُلْزِلَتِالْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَابِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُأَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍخَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” وعودا على بدء نعود لسورة القدر: “وليلة القدر خير من ألف شهر” أي ما يوافق83 سنة واشهر، وهذا أمر رباني في غاية العطاء والكرم والسخاء، جل شأنه، فبعبادة ليلة واحدة يبلغ الإنسان المسلم الصائم القائم، مبلغ الكهولة في التقوى والقبول عند الله!. سبحان الله وبحمده، سبحانه الله العظيم. اللهم آمنا بك ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبينا ورسولا. “تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر”. جبريل على رأس الموكب الرباني الرمضاني، كل ليلة قدر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتتمحض الأرض للشر في آخر آخر الزمان، أما ما قبلها فهو مناسبة لتنزل الملائكة ليلة القدر العظيمة، من كل أمر سلام، وقيل هي مناسبة لنزول أقدار السنة كلها إلى السماء الدنيا، حيث تحدد أقدار السنة القادمة ابتداء من هذه الليلة العظيمة، ليلة القدر، مع السلام والبركة لمن أراد الله له ذلك من المقبولين المنعمين بالعتق والمغفرة، والرزق المبارك، وما شاء الله من العمر، ولعل التقوى فرصة للإنسان ليبارك الله له في رزقه ويزيده من العمر والرزق أيضا، قال تعالى: “ومن يتق الله يجعل له من أمر يسرا”, وقال جل شأنه: “ومن يتق الله يجعل له مخرجاويرزقه من حيث لا يحتسب”. وقال تعالى: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض”. فما بالك إن كان هذا التقوى ضمن أجواء المدرسة الرمضانية، فما فتحت أبوابها، إلا لترسيخ تقوى المتقين، ولتصدر متقين جددا، يتقنون دربه الصعب المراس الحلو العاقبة والخاتمة. اللهم ارزقنا حسن الخاتمة يا رب، والأمور بخواتمها كما يقال، ولعلنا سنبقى كل سنة نتذوق مرة بعد مرة إن شاء الله، آلاء وخيرات هذا الشهر الكريم المبارك، حتى نقول ليت السنة كلها رمضان. فهو خير زائر يزور، واشق ذهابه من قدومه، لأن زوال هذا الجو الرمضاني، ولو مؤقتا إلى حين رجوعه إن شاء الله، مسألة صعبة على النفس المؤمنة، والعاشق أبدا في ترقب وخوف، ألا يلقي حبيبه وعشيقه في المناسبة القادمة، وهو ينتظر لقاء الحبيب مرة ثانية، لأنه وحده ذاق السعادة باللقاء والوصال. فليت السنة كلها رمضان، ما أكثر رزقك وأبركه، وأول الرزق الحقيقي، إهتداء القلب إلي وصالك والغرف من حياضك ونبعك الرمضاني المنهل، العذب السلس الفياض الغامر بالحب والتسامح والإنفاق، وعطاء الابتسامات والنظرات الهادئة الرحيمة. إن رمضان خير الشهور عند الله، فهو شهر القرآن والصيام والعتق من النار، ولائحة الناجحين لا يعلمها إلا الله، ويوم العرض الأكبر ينادي على الصائمين، فلا يدخل من باب الريان إلا هم، ثم يغلق، إكراما وتخصيصا لصبرهم. وهي حتى مطلع الفجر ليلة كاملة من التواصل والوصال، الدعاء المستجاب تحليق الأرواح، وتعب الأبدان في الله ولله، والدموع تسيل وتترى وتنهمر ندما على الذنوب، ورجاء لا ينقطع في الله،، والأجساد تهتز والجلود تقشعر، والقرآن يتلى وكأنه نزل للتو، يا سبحان الله. يقول سبحانه وتعالى: “تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإن شئتم فأقرؤوا “فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوايَعْمَلُونَ” انتهى الاستشهاد. تستمر هذه الليلة إلى وقت طلوع الشمس أو على الأصح وقت الفجر، فبضدها تتميز الأشياء، قياس مع وجود الفارق. الكفار والفسقة يرقصون، يشربون…..، فيطربون، وأما نحن معشر سدنة الخير إن شاء الله، من عامة المسلمين وخاصتهم، فطربنا بالذكر وقراءة القرآن وإدماننا عليه، وليس على ما سواه، حتى إذا ما حاولنا الخروج خطأ إلى جو لم نألفه سرعان ما رجعنا إلى ما ألفنا، لأنه إذا كان الآخرون قد أدمنوا على الشر، فالتصقوا به، وصعب انفكاكهم عنه، فكذلك الحال والعكس صحيح بالنسبة للمسلمين وخاصة أهل التقوى بوجه خاص، فلله وخاصته المثل الأعلى، يدمن الذاكرون والمنفقون بالأسحار، ومن تذوق صلاة الفجر وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا، فلا يستطيعون الإبتعاد كثيرا، إلا لماما، خطأ ونسيانا وغفلة عابرة، تصقلها التوبة عن اللمم مرة بعد مرة، والعصمة للأنبياء والمرسلين وحدهم، ومن دون معرضون للخطإ بمختلف مراتبه، قال تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولميصروا على ما فعلوا وهم يعلمون“, والله يغفر ما دون الشرك والكفر لمن يشاء، وقال تعالى: “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء”. أجل، قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن كثرة وتكاثر شرائع الإسلام عليه، أي مختلف صنوف التكليف والطاعات الواجبة والمطلوبة تطوعا. عما ماذا يفعل وبأيها ينشغل من فنون الطاعة والخير ومجالاته المتنوعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله”، وذكر الله بالمعنى الظاهر منه، حسب الحديث الآنف صنوف الذكر المعهودة، وأزكاها عند الله الباقيات الصالحة “المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا“، وقيل الباقيات الصالحات، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر حسب الحديث، وقيل منها لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي الحديث الصحيح أن لا حول ولا قوة إلا بالله، كنز من كنوز الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم لإحدى أمهات المؤمنين، مقابل كل ما فعلت من تسبيح طويل تعدينه (سبحان الله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ولكن قراءة القرآن ذكر، بشهادة القرآن نفسه “وإنه لذكر لك ولقومك”. والذكر هنا ذكران، ذكر الله، وسمعة ذكر، ما قرئ القرآن باللسان العربي المبين، الذي نزل به الروح الأمين، ففي ذلك رفعة للعربية وأهلها على سائر الأقوام، ما تمسكوا بهذا الطريق وحده، وعضوا على الحق بالنواجذ، عضا قويا واستمساكا قويا شديدا بعروة الله الوثقى. وحتى التأمل ذكر، ولعل نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح!. والله يهدي البعض إلى أن يكون كلامه ذكر وفعله طاعة وصمته عن اللغو جزء من السمت القرآني المطلوب، متأسيا في ذلك برسول صلى الله عليه وسلم، الذي لما سألت عائشة عن خلقه صلى الله عليه وسلم، قالت كان خلقه القرآن، واستشهدت بمطلع سورة المؤمنون: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْخَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْلِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْأَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْلِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىصَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”. إنها ليلة مفعمة بالذكر والعبادة والطرب الإسلامي الروحاني الرفيع “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”. فلنجتهد على أن تكون ذكرا خالصا، وقياما خالصا لوجه الله أيضا، وتهيئا للفطر بزكاة الفطر المطهرة للبدن، يدفعها الإنسان عن نفسه أو عن من هو مكلف به، وعيد سعيد وبعيد عن التبذير، أو البخل بما في اليد عن العيال المحتاجين، من أصحاب الحق الثابت مثل الزوجة والوالدين والأبناء الصغار والبنات غير المحصنات ولو كبرن، وغير ذلك من أهل الرحم، فالرحم معلقة بالعرش، تصرخ وتشكو، متعلقة بأستار العرش، وصل الله من وصلني وقطع الله من قطعني، فلا تقطعوا أرحامكم طيلة السنة، فأولى رمضان وليلة القدر بصورة خاصة. “هي حتى مطلع الفجر”، ما أجمله من فجر بعد كل هذا الرجاء والطرب الروحي والوصال الرباني، إن الله يحب عباده الذاكرين المستغفرين المنفقين المتبتلين بعبادته الخالصة لوجهه وحده، غير المغشوشة، وما أكثر الغش في أيامنا هذه لمختلف صنوف العبادة، وخاصة الإنفاق، فالله أغنى الشركاء عن الشرك. فاخلصوا التوجه والتعبد لله وحده، وإلا فمالنا إلا التعب والإدعاء الزائف والرياء لا قدر الله. بئس الشريك في العمل الفخر والرياء. ولنتذكر مصير أصحاب الرياء في بعض الأعمال مثالا، مما ذكر بعضه في حديثه صلى الله عليه وسلم، الذي ذكر أمر المنفق الكريم السخي في الدنيا، وهو يقصد غير وجه الله، فيقال له فعلت هذا الإنفاق فعلا لكن ليقال سخي جواد في الدنيا وقد قيل، فما لك هنا من نصيب، والآخر قارئ عليم بأمر الله، يقال له قرأت ليقال عالم خبير بالقرآن، ولم تقصد وجه الله، فمالك من الله من عاصم إذهب إلى النار، والثالث يموت شجاعة، ليقال شجاع وليس بغرض الدفاع عن حرمات الله وعباده وقصد رضوان الله وحده. فالخلاص رأس مال الأعمال الصالحة كلها، المرجوة القبول عند الله في رمضان وغير رمضان، وفي ليلة القدر وما سواها. ومن بعد الإجتهاد في العمل وقبله، فبفضلك اللهم لا بعملي وقد قيل من دعاء الصالحين، اللهم اجعلنا من الذين يعلمون فيعملون ويعملون فيخلصون، ويخلصون فيقبلون اللهم آمين، واجتهدوا دائما على الحق في رمضان وفي غير رمضان، واستغلوا الوقت والنفس بالمفيد الخالص لوجه الله، فالنفس كما يقول أهل تزكية النفوس، إن لم تشغلها بالحق، شغلتك بالباطل. وكل ليلة قدر وكل رمضان وكل سنة وأنتم بخير، ولا تنسوا غزة في دعائكم، فهي كليمة جريحة تدمي اللهم كن في عونها وعون المجاهدين وغيرهم، من ذراري المسلمين في كل مكان، المستضعفين من الرجال والنساء والولدان. وأقول ختاما، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وما من صواب فمن الله، وما من خطإ فمني. بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”-