المنتدى يكشف مراكز الفساد في نظام ولد عبد العزيز(نص الوثيقة)

alt نتذكر جميعا كيف برر الجنرال محمد ولد عبد العزيز انقلابه العسكري في أغشت 2008 بدعوى الانسداد السياسي في تلك الفترة نتيجة الرفض الحكومي لتنظيم دورة برلمانية. ونتذكر التزامه بعد استيلائه على السلطة بالعمل على إزالة أسباب هذا الانسداد عن طريق تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وتعزيز دور البرلمان، وتوسيع فضاء الحريات، وتجسيد الممارسات الديمقراطية السليمة في العمل السياسي، وتوطيد الوحدة الوطنية، وتحسين ظروف المواطنين المعيشية، ومحاربة الفقر والفساد.

إن هذا البرنامج، الذي كان في الحقيقة “استحواذا” على خطاب المعارضة التقليدية، قد ضلل في البداية جزءا من الرأي العام عندما قدم ولد عبد العزيز نفسه باعتباره المصلح المصمم على حل جميع مشاكل سوء التسيير التي عرقلت نمو الدولة الموريتانية منذ الاستقلال. غير أن حبل الكذب قصير. فسرعان ما ظهر أن الأمر مجرد دعايات وتضليل، وكانت ممارسات النظام اليومية تكذيبا صارخا لشعاراته الإصلاحية، ودليلا قاطعا على مستوى غير مسبوق من سوء التسيير.

لقد كانت السنوات الست التي قضاها ولد عبد العزيز في الحكم كفيلة بإظهار وجهه الحقيقي، والكشف عن طبيعة نظامه أمام الموريتانيين والمراقبين الموضوعيين الذين أصبحوا اليوم مجمعين على تحلي هذا النظام بثلاث سمات جوهرية تلخص طبيعته الاستبدادية:

– غياب كلي للضوابط الأخلاقية: فقد انغمس رئيس الجمهورية في سلسلة من الفضائح الشخصية العلنية الغريبة على قيم مجتمعنا وتقاليده الثقافية والسياسية. ويتعلق الأمر خصوصا بحادث إطلاق النار في 13 أكتوبر 2012 ، والتهم الخطيرة في ميادين المتاجرة بالمخدرات وتبييض الأموال (العفو الرئاسي عن مهرب مخدرات، العلاقات المؤكدة مع شخصيات معروفة بانغماسها في تجارة المخدرات، إطلاق سراح مهربي المخدرات الذين اعتقلوا في بلدة المزرب، قضية صناديق النقود المزورة التي اعترف بها الرئيس نفسه، إلخ. ..)، وهي التهم الموجهة إلى ولد عبد العزيز بصورة متكررة حتى أصبحت لصيقة به، مما كان ينبغي أن يثنيه عن أي تصدر لمقام الرئاسة،

– استبداد غير محدود وازدراء كلي للقانون: ويتجسد ذلك في تركيز السلط، وتحويل مؤسسات الجمهورية إلى هياكل فاقدة للمعنى، والاكتفاء بمهازل انتخابية متكررة، كانت آخرها مهزلة 21 يونيو التي قاطعها الشعب الموريتاني، استجابة لنداء من المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة،

– شراهة مرضية : فقد تعرض البلد لاستنزاف ممنهج من قبل ولد عبد العزيز استجابة لشهيته المفرطة للكسب لحسابه الخاص أو لحساب مجموعته الأسرية. لقد أدى هذا الشره وما صاحبه من رفض متعنت للإعلان عن ممتلكاته، حسب واجبه القانوني الصريح، أدى كل ذلك إلى القضاء النهائي على شعارات من قبيل “رئيس الفقراء” و “محاربة الفساد”.

وينوي المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة أن يعرض على الرأي العام الوطني حصيلة بأهم مظاهر الفساد المنظم على نطاق واسع وبشكل استثنائي من قبل النظام الحاكم، على مستوى بعض القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية، وذلك لإعطاء صورة عن الخسائر الفادحة والأضرار الجسيمة، التي تكبدتها المجموعة جراء سوء التسيير الذي ينتهجه ولد عبد العزيز عبر أساليب من الاختلاس والتبذير كلفت مبالغ يحتمل أن تكون في حدود عدة مئات من المليارات.

وسنبدأ اليوم هذه الحصيلة بالملفات المتعلقة بقطاعات المعادن، والطاقة والبترول، والتجهيز والنقل، والمالية ، والبنك المركزي، ومفوضية الأمن الغذائي، على أن نتناول بقية القطاعات لاحقا.

وكما يستطيع الرأي العام أن يفهم ببساطة، فإننا في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة لا نتوفر إلا على القليل من المعلومات الدقيقة حول تسيير البلد بسبب انعدام الشفافية الذي يطبع هذا التسيير.

وسنسعى في هذه المذكرة إلى إطلاع الرأي العام الوطني والدولي على جملة من ملفات الفساد الذي يرعاه ولد عبد العزيز في إطار عملية نهب غير مسبوقة لموارد البلد لحساب الرجل شخصيا، أو لحساب بطانته القريبة.

إننا نعتقد أن من حق الشعب الموريتاني أن يطالب بالشفافية الضرورية، ونطالب بإجراء تحريات مستقلة وعمليات تدقيق محايدة حتى يطلع الرأي العام على خلفيات هذه الملفات التي قد يعتبر الكثير منها بمثابة جرائم اقتصادية ومالية، سيخضع المتورطون فيها، يوما ما، لمساءلة المجموعة الوطنية.

اتساع نطاق الفساد في ظل ولد عبد العزيز

أولا: وزارة المعادن والبترول والطاقة

1. الشركة الوطنية للصناعة والمعادن “سنيم”

أصبحت الشركة الوطنية للصناعة والمعادن “سنيم” بمثابة الصندوق الأسود لعمليات التحايل التي دأب عليها هذا النظام منذ استحواذه على السلطة. وسوف نقدم هنا أمثلة تظهر حجم الفساد في هذه الشركة الوطنية التي تشكل رأس الحربة في الاقتصاد الوطني، مما جعل الأنظمة المتعاقبة تتجنب الإمعان في “تدجينها” اعتبارا لأهميتها الاستراتيجية.

فبدلا من اعتماد تسيير حذر للمؤسسة غداة استفادتها من ظرفية دولية ملائمة بصورة غير مسبوقة من حيث ارتفاع السعر واستمرار هذا الارتفاع (ارتفع سعر طن الحديد من 80 إلى 140 دولار طيلة الفترة من 2008 إلى 2013)، بدلا من الاستفادة من هذه الظرفية الخارجية الملائمة لتحسين مستوى الشركة لتكون على مستوى التنافس المحموم الذي يشهده القطاع وتحضيرها لمواجهة تقلبات الظرفية الدولية، بدلا من كل ذلك، فضل النظام أسلوب التسيير العشوائي الموجه لخدمة أغراضه الخصوصية الضيقة.

وبالرغم من مقتضيات الاتفاقية الموقعة مع ممولي مشروع القلابة 2 الجوهري بالنسبة لمستقبل البلاد، هذه الاتفاقية التي تتضمن شروطا احترازية فيما يتعلق بالتزامات سنيم المالية ومنهجية تسييرها، بالرغم من ذلك، واصلت الإدارة الحالية تبديد موارد الشركة فيما لا يخدم مصلحة البلاد ولا القطاع، دون تشاور مع الدائنين ولا مع المساهمين باستثناء الحكومة الموريتانية.

وسنحاول فيما يلى عرض نماذج من ملفات الفساد في هذه الشركة مع أنها لا تمثل إلا غيضا من فيض، تاركين للقارئ الكريم حرية التقدير بنفسه عن طريق المطالبة بفتح تحقيقات مستقلة لتسليط الضوء الكافي على هذه الملفات:

– تم تسخير شركة سنيم لأغراض سياسات النظام الشعبوية البعيدة عن تخصص الشركة، وخدمة للأغراض الخاصة للفئة المقربة من الرئيس، ومن أمثلة ذلك:

o شراء طائرات لصالح شركة للنقل الجوي بقيمة 50 مليون دولار ومواصلة دعمها بالسيولة، فيما لا علاقة له بمجال نشاط شركة سنيم ،

o اقتناء باصات للنقل الحضري لصالح شركة النقل العمومي في نواكشوط ،

o شراء كميات معتبرة من المواد الغذائية والأعلاف الحيوانية، وشاحنات النقل لصالح مفوضية الأمن الغذائي،

o إنشاء معامل لأعمدة الخرسانة بمبلغ 22 مليون أورو، وأنابيب خرسانية كذلك في ألاك،

o إنشاء بنيات لصالح الجيش في مناطق مختلفة من البلاد،

o إنشاء مؤسسات مشتركة مع مساهمين من أسرة الرئيس، بحيث تكون مساهمات هؤلاء المقربين الرمزية مجرد ذريعة لاستحواذهم على موارد شركة سنيم، مع تضليل الرأي العام وإيهامه أن هذه الشركات مؤسسات عمومية، والواقع أنها خصوصية، بل خصوصية جدا (ومن أمثلة ذلك شركة الشامي-ستيل التي أنشئت بغرض الاستحواذ على ثروة الخردة التي تملكها سنيم، شركة التأمين، مصانع ألاك، مصنع النترات مع الشركاء “المغاربة”، إلخ.)،

o اكتتاب أعضاء من أسرة الرئيس بصورة خارجة عن قواعد الاكتتاب في الشركة ، وإحلالهم محل الفنيين المهنيين في مواقع استراتيجية (الإدارة التجارية) ،

o إنشاء منظمة خيرية لخدمة سياسات النظام، عن طريق عمليات مشبوهة لا تخضع للضوابط،

o تمويل شركات خصوصية فاشلة بصورة خارجة تماما عن قواعد التسيير المهنية المعهودة (قرض بمبلغ 15 مليار أوقية لصالح الشركة المكلفة ببناء مطار نواكشوط) ،

o تمويل مستشفيات لا علاقة لها بنشاط الشركة،

o تمويل إنشاء طرق في نواكشوط و نواذيبو

o تمويل أشغال في الرئاسة وفي المنتجعات الخصوصية للرئيس،

o تبديد عشرات الملايين من الدولار لتمويل عمليات حفر منجمي أسندت عن طريق المحاباة لمقربين من الرئيس، وفي الغالب يتعلق الأمر بعمليات وهمية.

o تم انتهاك قواعد تسيير الشركة وحلت السلطة التقديرية محل القواعد والضوابط المعهودة،

– يشهد مشروع القلابة 2 تأخرا كبيرا نشأت عنه زيادة في التكلفة يقدرها بعض الخبراء بأكثر من 30 في المائة، ويعود ذلك بالأساس إلى المحاباة في إسناد الصفقات (ألغيت جميع الصفقات التي لم يحصل عليها أعضاء الحاشية المقربة، وتم استئناف المناقصات ليتم إسنادها إلى رجال الرئيس مع ملاحق ثمينة)، كما يعود ذلك أيضا إلى حالة الإحباط والاشمئزاز التي أصبحت متفشية لدى أطر الشركة وهم يشاهدون فساد التسيير (راجع الرسالة المفتوحة الموجهة من قبل أطر الشركة)،

وعلى العموم فإن سيطرة أسرة الرئيس على مقاليد شركة سنيم قد أصبحت معروفة لدى الجميع، ولا تشكل النماذج المذكورة أعلاه إلا أقل القليل من مظاهر التسيب والفساد في شركة سنيم،

إننا نلفت انتباه الرأي العام إلى احتمالتقلب أسعار الطلب الدولي على الحديد، وهو ما بدأت المؤشرات تشير إليه، حيث انخفض السعر بنسبة 30 في المائة مقارنة مع نهاية سنة 2013، مما قد يؤدي إلى إفلاس شركة سنيم إذا لم يتم إيقاف ممارسات الفساد المتفشية فيها، مع ما يمثله ذلك من مخاطر بالنسبة لاقتصاد البلاد عند ما نعلم أن سنيم هي المساهم الأول في منتوجنا الداخلي الخام.

إن من حقنا أن نشك في وجاهة النفقات التي يتم صرفها من حسابات سنيم، وحسابات “الشركات الفرعية” الخصوصية الملحقة بها. ولكن إذا كانت الحكومة مقتنعة بأهمية هذه النفقات فينبغي أن يتم ذلك من موارد خزينة الدولة، لاسيما بعد الحديث المتكرر عن الفائض الهائل في الخزينة الذي يتجاوز مائة مليار من الأوقية وفائض العملة الصعبة الذي يصل إلى مليار دولار. والحقيقة أن التفسير الوحيد لهذه النفقات هو التحلل من الضوابط وانعدام الشفافية في تسيير سنيم مما جعلها وكرا لهذا النوع من الفساد الذي يراد له أن يتم بعيدا عن الأضواء.

2. شركتا “تازيازت” و “مناجم النحاس في موريتانيا (م.س.م)”

كان من اللازم أن تتم مراجعة الشروط التعاقدية مع هاتين الشركتين اللتين تمثلان 40 في المائة من رقم أعمال القطاع المعدني، وذلك لضمان حصول المجموعة الوطنية على أكبر استفادة ممكنة، بعد أن اتضح أن المعادن موجودة فعلا، حسبما جرى به العمل في الدول المنجمية.

لكن الذي حصل بدلا من ذلك هو أن رجال ثقة وضعوا في الهيئات القيادية لهذه الشركات، ليضمنوا للوسط العائلي المقرب من الرئيس وشركائهم في الأعمال وضعية احتكار شبه مطلق على جميع الخدمات التي ينجزها الموريتانيون لحساب هذه الشركات، كما يضمن هؤلاء الرجال الثقات وصول الفوائد المتأتية من هذه النشاطات إلى حيث ينبغي أن تصل. ولضمان ذلك تم إنشاء شركات مملوكة للوسط العائلي المقرب من الرئيس.

وقد أدى جشع هذا الوسط إلى تحييد الإدارة التي فقدت أي سيطرة في ميدان تطبيق القانون على هذه الشركات التي أصبحت تفعل ما تشاء من تسريح مواطنينا في نفس الوقت الذي تكتتب فيه الأجانب، وتلويث بيئتنا، دون أن تحرك الإدارة ساكنا.

ومع ذلك تشير معلومات متواترة إلى امتعاض هذه الشركات من عمليات النصب والاحتيال التي تتعرض لها من قبل رجال النظام، مما جعلها تقلص استثماراتها يوما بعد يوم.

3. الرخص المنجمية

لقد شهد توزيع الرخص المنجمية في السنوات الست الأخيرة تطورا غير عادي. فمنذ أن اتضحت الطبيعة المنجمية للبلاد مع بداية استغلال الذهب في تازيازت، قام النظام بتوزيع الرخص المنجمية بوتيرة غير مسبوقة (راجع بيانات مجلس الوزراء). وقد وزعت هذه الرخص بشكل خاص على الوسط العائلي للرئيس. وسحبت رخص من مستثمرين أجانب لتمنح لبعض أفراد هذا الوسط بمفردهم أو بالشراكة مع أجانب (تماكوط، الكوارتز، الفوسفاط، إلخ.).

وقد أدى هذا الفساد الجلي إلى تراجع بعض الشركات التي كان من المقرر أن تكون قد بدأت مرحلة الاستغلال لو كانت الظروف طبيعية، كما أدى إلى تأجيل شركات أخرى لبرامجها التنقيبية، تحت تأثير هذا المناخ المنفر للأعمال.

4. التنقيب البترولي

منذ وصول ولد عبد العزيز إلى الحكم بادر إلى وضع مقاليد القطاع في يد الشركة البترولية “تولو” (Tullow) التي يديرها أحد أتباعه الأقربين، رغم أن هذه الشركة لا تملك إلا نسبة ضئيلة من بئر شنقيط. ومع ذلك فقد أعطيت هذه الشركة سيطرة تامة على ميادين التنقيب عن البترول الخام في البحر وإنتاجه وتسويقه. كما أعطيت هذه الشركة حق احتكار الحقول الغازية واستغلالها مع عقود لشراء منتوجها من قبل المحطات الكهربائية التابعة لشركة إنتاج الكهرباء من الغاز(SPEG) بأسعار مضاعفة مما يقلل من أهمية إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي بالنسبة للاقتصاد الوطني.

أما الشركة الرئيسية في القطاع، وهي شركة “بتروناس”، المستثمر الأكبر في مشروع شنتقيط، فقد تعرضت لمضايقات متكررة من السلطات وصلت إلى حد رفض تجديد رخصها مما اضطرها إلى التنازل عن مكانتها لصالح الشركة التي يسيطر عليها الوسط المقرب من الرئيس. وحسب بعض المصادر، فإن هذا المستثمر الرئيسي يزمع مغادرة البلاد نهائيا.

5. صفقات “صوملك”

على غرار القطاعات الأخرى لم تنج “صوملك” من نفوذ الوسط المقرب من الرئيس، حيث أصبح موردوها الرئيسيون من هذا الوسط. ويتذكر الجميع ما ثار من جدل حول صفقة محطة الـ 120 ميغاوات التي أسندت للمستثمر صاحب السعر الأعلى على حساب مستثمر مشهور اقترح سعرا أخفض. كما نتذكر الجدل حول صفقة الـ60 ميغاوات الممولة من البنك الإسلامي والتي أسندت إلى إحدى شركات الوسط الرئاسي العائلي. وليس سرا أن الشخص المقرب من الرئيس الذي حاز هذه الصفقة بالتراضي هو ممثل أحد كبار الممونين بالطاقة الشمسية، ولا يخفى أن أعمدة هذا الممون قد انتشرت في شوارع نواكشوط وعدد من المدن الداخلية، بحيث ازداد نصيب الطاقة الشمسية في انتاجنا الكهربائي بصورة متسارعة، وهو أمر جيد لو خلا من تطفيف سعر التكلفة وممارسة المحسوبية.

6. المحروقات السائلة المكررة

بادر رئيس الدولة فور وصوله للحكم إلى تأسيس شركته الخاصة بتسويق المحروقات، (ناسيونال بتروليوم، NP، وأصبح البعض يعتبر هذين الحرفين اختصارا لعبارة “رئيسنا”=”Notre Président”)، وذلك في ازدراء تام للقوانين والنظم المعمول بها التي تفرض حصول مثل هذه الشركات على جملة من الكفاءات الفنية والموارد المالية، وهو ما لم يكن في مقدور شركة أنشئت من العدم بين ليلة وضحاها. ومع ذلك فقد حصلت هذه الشركة فور إنشائها على احتكار تموين القطاع العام، كما أصبحت بقدرة قادر شريكا لجميع مموني السوق الموريتاني بالمحروقات المكررة.

ثانيا: وزارة التجهيز والنقل

1. مطار نواكشوط

يتفق أغلب الخبراء على اعتبار تشييد مطار جديد غير ضروري في هذه المرحلة من حجم حركة المسافرين. خصوصا وأن مدرج الطائرات والمنشآت التقنية الحالية تستجيب للمعايير الدولية المطلوبة. وبذلك يكون النقص الأساسي الذي سيمكن سده من استجابة المطار لجميع المعايير المطلوبة هو محطة الطيران التي يتعين توسيعها أو بناء محطة جديد.

وبغض النظر عن مدى ضرورة إنشاء هذا المطار من عدمها، فإن طبيعة هذه الصفقة تظهر الطبيعة التربحية لهذا النظام الذي لا يستحي من انتهاك كل القواعد من أجل تحصيل منافع مادية للرئيس وحاشيته. يتضمن الاتفاق إنشاء مطار بطاقة مليوني مسافر (لا يصل عدد المسافرين حاليا مائتي ألف مسافر، ولا تصل طاقة أكبر مطارات المنطقة في دكار وأبدجان إلى مليون مسافر) مع مدرجين(وتكون نسبة 60 في المائة من الكلفة للمدارج، ونسبة 40 في المائة للبناية)، في المقابل يحصل المتعهد على أربعة ملايين وخمسمائة وعشرة آلاف(4510000 ) متر مربع في أحياء تفرغ زينة والكصر، ومدة الإنجاز 24 شهرا.

لم تجر أي دراسة لتحديد كلفة بناء المطار أو معرفة قيمة الأراضي. وقدرت بعثة من البنك الدولي زارت البلد سنة 2012 قيمة الصفقة بمبلغ 200 إلى 300 مليون دولار، أي ما يساوي 80 مليار أوقية تقريبا. هي إذن صفقة تراض بمبلغ 160 مليار – أي ما يساوي ضعف مبلغ الاستثمار العمومي الممول بالموارد الذاتية للدولة في هذه السنة – وذلك خارج ميزانية الدولة، ودون استشارة البرلمان. والأخطر من ذلك أن الشركة التي أسندت إليها الصفقة ليس في رصيد تجربتها أنها سبق أن أنجزت كيلومترا واحدا من المدارج، بل إن الشركة المعنية إنما أنشئت بالمناسبة.

كان ينبغي أن يتم تسليم المطار في أكتوبر 2013. وقبل أشهر من تاريخ التسليم المقرر، اتضح للسلطات أن الشركة لا تملك الموارد المالية ولا الكفاءة الفنية لإنجاز المطار في الآجال المحددة. وبدلا من اتخاذ الإجراءات المقررة قانونيا فيما يتعلق بعقوبات تأخر الإنجاز ، كما ينص على ذلك قانون الصفقات، أوعزت السلطات إلى شركة سنيم وصندوق الإيداع والادخار بتقديم كل منهما لملغ خمسين مليون دولار على شكل “قرض” للشركة المخلة بالتزاماتها التعاقدية.

وفعلا فقد دفعت سنيم مبلغ الخمسين مليون دولار مباشرة. وأدت ضجة الاستنكار لهذا “القرض” من سنيم إلى تراجع صندوق الإيداع والادخار عن تقديم إسهامه، رسميا على الأقل. ويعتقد البعض أن صندوق الإيداع والادخار قد مرر ذلك عبر وسائل أقل علنية.

ويفسر البعض كرم الدولة الزائد في تعاملها مع الشركة المتعهدة بناء المطار، كما تجسد في الإيعاز لشركة سنيم و صندوق الإيداع والادخار بإقراضها مائة مليون بدل معاقبتها، يفسر ذلك بأن جزءا كبيرا من المساحات الممنوحة للشركة قد تم التنازل عنها في الحقيقة من قبل الشركة لصالح رئيس الدولة نفسه، حسب مصادر مقربة من الشركة. وبالرغم من استمرار التأخر لمدة سنة كاملة، فإن مستوى تنفيذ أشغال هذا المطار لم يتجاوز 50 في المائة.

2. قطاع الطرق

يشكل قطاع الطرق أسبقية للحكومة منذ سنوات عديدة. وقد شرع منذ سنة 2006 في تنفيذ مشرع يناهز 2000 كلم من الطرق. وتصل كلفة هذا المشروع إلى 2000 مليار أوقية، تم صرف ما يناهز 80 في المائة منها، في حين أن مستوى الإنجاز لم يصل إلى خمسين في المائة. وتعرف جميع الورشات حالات من التأخر في الإنجاز تصل في بعض الأحيان إلى ضعف المدد المقررة أصلا للإنجاز. ولا تنقص الأمثلة الملموسة على ذلك (كيفة-الطينطان، كيفة-كنكوصة، أطار-تجكجة، عويفية-كرمسين، تكند-المذرذرة، إلخ.). تشكل هذه التأخرات هدرا حقيقيا للمال العام نتيجة ما تسفر عنه من زيادة في التكاليف. ويقدر الخبراء أن تأخرا لمدة 12 شهرا بالنسبة لمشروع مدته 24 شهرا، يؤدي إلى زيادة التكلفة بنسبة 20 في المائة من الميزانية الأصلية.

لقد تفتقت عبقرية الرئيس عن وضع نظام يسمح له بالاستحواذ بصورة احتكارية على هذا القطاع عن طريق مؤسسات عمومية تصبح مجرد واجهة للرئيس ومقربيه. هذه المؤسسات الواجهة هي: الشركة الوطنية لصيانة الطرق(ENER)، والوكالة الفنية للأشغال والصيانة(ATTM)، والشركة الوطنية للاستصلاح والأشغال(SNAT)، والهندسة العسكرية. وتستفيد هذه المؤسسات من 80 في المائة من صفقات قطاع الطرق، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع المياه، بالنسبة لشركة(ATTM) خصوصا. لقد تمثلت عبقرية الرئيس في إسناد الصفقات إلى هذه المؤسسات “العمومية” التي تقوم بتحويل الصفقة برمتها إلى المقربين من الرئيس ضمن مقاولة فرعية، أو إنجاز العمل عن طريق كراء معدات وآلات شركات الرئيس ومقربيه (لم يعد سرا أن الرئيس هو أكبر مالك لآليات الأشغال العامة ومعدات الحفر المائي والمنجمي في البلد).

تتمثل هذه الطريقة في القيام بمقاولة فرعية بأثمان تكون مرتفعة أحيانا مقارنة بسعر الصفقة الفعلي والسماح للمقاول بالانسحاب من المقاولة بعد أن يكون قد دفع له مسبقا أكثر من خمسين في المائة من قيمة المقاولة دون أن يكون قد أنجز كبير شيء، وذلك عن طريق اتفاق لا يكون المقاول ملزما فيه بإرجاع المدفوعات التي سبق له استلامها، ليعاد المشروع إلى مسؤولية المؤسسة “العمومية “، وهو ما يترتب عنه بطء مخل وخسارة فادحة ستثقل حتما كاهل شركة سنيم والخرينة العامة.

ونعلم جميعا أن كل الطرق التي قامت بها شركةATTM من سنة 2010 حتى 2012 هي حاليا في صدد الترميم من طرف شركةENER ونأمل أن يكون هذا هو الترميم الصحيح.

بإمكانكم إذا أن تصوروا مستوى الفساد الذي ينخر هذا القطاع ، وحجم الخسارة بالنسبة للوطن، وبالمقابل حجم الاستفادة بالنسبة للرئيس ومحيطه المباشر.

3. شركة التنمية الموريتانية(Mauritanian Development Corporation MDC)

يتعلق الأمر بشركة وهمية يقتصر وجودها على الاسم الذي حصلت بواسطته على صفقة لتركيب الطائرات بنواكشوط تفوق قيمتها سبعة مليارات أوقية (23.650.000دولار) من دون أي احترام لأبسط إجراءات صرف المال العمومي(فمثلا لم يتم القيام بأية مناقصة). لقد تم دفع سلفة تتجاوز ملياري أوقية (7.095.000 دولار) لهذه الشركة الوهمية مع منحها قطعة أرضية تتكون من عدة هكتارات بمقربة من مطار انواكشوط الجديد. إن اختلاس المال العام الذي يشوب هذه الصفقة تصاحبه كذلك عملية زيادة فاحشة في الفوترة. واليوم، حيث لم يبق للموعد المحدد لتسليم هذه الطائرات، إلا خمسة أشهر، لا يوجد أي أثر لهذه الشركة في نواكشوط.

4. شركة النقل بنواكشوط

إن التجربة السيئة والحظ العاثر لشركةSTPN لم تمنع عزيز من إنشاء شركة للنقل العام بنواكشوط بدون دراسة مسبقة ـ.

و تم الحصول من جمهورية إيران وفي ظروف يطبعها الغموض التام على باصات لم تستطع إكمال عامين من الخدمة ليتم اقتناء باصات أخرى بتمويل من شركة سنيم، ولا ندري كم ستستمر الباصات الجديدة في الخدمة.

ولا نملك معلومات دقيقة حول معاملات هذه الشركة التي يطبعها على الأقل غياب الشفافية، مما يعطي قرائن قوية بوجود عمليات اختلاس وتلاعب.

.

5. برنامج “إسكان” (الشامي وإنبيكت لحواش)

في الوقت الذي تعجز فيه قطاعات حيوية كالصحة والتعليم عن مواجهة احتياجاتها الكثيرة، يتم تبذير عشرات المليارات لبناء وتجهيز مدن أشباح تسمى الشامي وانبيكة الاحواش. وفي غضون السنوات الثلاث الأخيرة ابتلعت مدن الأشباح هذه ما يناهز الثلاثين مليار أوقية. وبالنظر لعروض المناقصة الأخيرة لشركةSOMELEC يظهر أن كهربة مدينة الشامي وحدها ستكلف دافع الضرائب الموريتاني مبلغ ثلاثة مليارات أوقية.

ثالثا: وزارة المالية

1. الجمارك والضرائب

سعى الرئيس الحالي منذ استيلائه على السلطة سنة 2008 إلى وضع مصالح الجمارك والضرائب في خدمة محيطه الضيق، مدشنا بذلك وضعية احتكار فعلي لصالح شركات المقربين منه ، عن طريق ضريبة جمركية تفضيلية وذلك ما يجعل المنافسة مستحيلة. ولم تتم أية تسوية بالنسبة لمئات المليارات من الأوقية المتعلقة بمستودعات وهمية، مما تسبب للخزينة العامة في خسارة مبالغ ضخمة.

كما تميزت هذه الفترة بتفشي عمليات التصحيح الضريبي بصورة انتقائية ،

2. توزيع القطع الأرضية في نواكشوط ونواذيبو

إذا كان تصميم ولد عبد العزيز وحاشيته الضيقة على نهب البلاد والاستيلاء على ثرواتها أمرا واضحا للعيان على مستوى كل القطاعات الاقتصادية، فإن شراهتهم عندما يتعلق الأمر بالمجال العقاري تبدو استثنائية بقدر ما هي وقحة، ومن أمثلة ذلك:

– توزيع قطع أرضية، في المنطقة المحاذية لطريق نواذيبو، تصل مساحاتها إلى عشرات آلاف المترات المربعة ، بل ويصل بعضها إلى ملايين المترات المربعة، لصالح شركاء مخصوصين، وذلك تحت مسميات من قبيل “إقطاعات ريفية” أو مشاريع إنشاءات عقارية، والواقع أنها لم تكن موجهة إلا للمضاربة بهدف التربح السريع، والثراء بلا سبب،

– توزيع كل المنطقة الواقعة بين شاطئ الصيادين وميناء نواكشوط على الحاشية المقربة من الرئيس، بحيث تم اقتطاع مساحات من المجال الترابي للميناء، وهو مجال غير قابل للتصرف، بحكم القانون،

– توزيع آلاف القطع الأرضية المحاذية لشارع المقاومة على الوسط العائلي المقرب من الرئيس، بحجة إنشاء منطقة صناعية، والواقع أنها موجهة لبناء منتجعات، وإقامات ثانوية،

– توزيع أفضل القطع الأرضية المحاذية لشارع الصكوك على نفس الأشخاص المقربين،

– منح القطع الأرضية في “بلوكات” للرئيس نفسه والمقربين منه، مع اشتراط استثمارها في ظرف 24 شهرا، وقد انقضت خمس سنوات دون القيام بأي استثمار، ولم يتخذ أي إجراء في حق المستفيدين،

– اقتطاع جزء من أراضي الملعب الأولمبي ومدرسة الشرطة، ومنح هذه القطع لبعض المقربين لبناء محلات ومراكز تجارية. ولا شك أن بتر منشآت للرياضة الجماعية أو للحفاظ على الأمن العام لتحويل الجزء المقتطع منها إلى محلات منسوبة لأسماء مستعارة بينما الواقع أنها ملك عزيز وبطانته المقربة، لا شك أن مثل هذا الإجراء يعتبر جريمة لا مثيل لها، ولم تعرف لها سابقة في الكرة الأرضية. إن هذه العملية الغريبة تعبر كذلك عن انعدام أي رؤية استشرافية. فمن المعلوم أن هذه المرافق ستضيق بمستخدميها في السنوات المقبلة، وسيصبح من الضروري توسيعها لا تضييقها،

– بيع تجهيزات عمومية أخرى (مقر فرقة الموسيقى العسكرية في الحي ج، فندق مرحبا، إلخ.)،

3. مبلغ الخمسين مليون دولار المقدم من المملكة العربية السعودية

كانت السعودية قد قدمت لبلادنا مبلغ 50 مليون دولار لتعزيز قدرات القوات المسلحة، بناء على طلب السلطات آنذاك، بعد الهجمات الإرهابية خلال سنتي 2007 و 2008. وقد وجدت السلطات المنبثقة عن انقلاب 2008 هذا المبلغ في حسابات الخزينة العامة، فتصرفت فيه دون اعتبار للقواعد والترتيبات القانونية المرعية. ومنذ 2009 والمعارضة تطالب بتوضيح أوجه صرف هذه المبالغ التي لم يوقف لها على أثر. أما البرلمان، وهو السلطة الوحيدة المخولة بتقديم الإذن في صرف النفقات العمومية، فلم يصله أي خبر عن هذه المبالغ.

4. مبلغ الـ 200 مليون دولار المقدم في إطار صفقة السنوسي

ضمن عملية لا يمكن أن يقام بها إلا في دولة همجية، يبدو أن النظام الحالي قد عرض على المدير العام السابق لأمن القذافي الإقامة مع أسرته بأمان في موريتانيا، مقابل تعويض مالي، قبل أن يتم بيعه للسلطات الليبية الجديدة مقابل مبلغ 200 مليون دولار. وقد رفضت الحكومة الليبية تحويل المبلغ إلى حسابات خصوصية، وأودعته بدلا من ذلك في حسابات البنك المركزي الموريتاني. إنه في بلد مضياف مثل مورينانيا، يجب توضيح ملابسات هذه العملية، وتقديم الأشخاص الضالعين فيها إلى العدالة،

رابعا: البنك المركزي والنظام المصرفي

1. تراخيص المصارف الجديدة

شهدت السنوات الخمس الأخيرة إنشاء عشر مؤسسات مالية (6 بنوك و4 شركات إيجار مالي)، ويمثل هذا ضعف العدد الذي كان قائما سنة 2008. وقد أنشئت هذه المؤسسات من دون أي اعتبار للقوانين السارية. فبدون أي دراسة لحاجة السوق، وبدون أي اعتبار لمعايير الكفاءة وجاهزية الموارد المالية، ووزعت التراخيص على بعض شركاء الحاشية المقربة للرئيس ممن لا يمتلكون الكفاءة ولا الموارد، وذلك بهدف وحيد، ألا وهو إثراء المعنيين بسرعة فائقة بواسطة تخويلهم سلطة إنشاء النقود. وقد كان على البنك المركزي أن يخرق كل القواعد لضمان إنشاء هذه المؤسسات المالية. فتم تجاهل شرط الموارد الذاتية (ست مليارات أوقية)، بل حدث، في بعض الحالات، أن قدم البنك المركزي لبعض البنوك الجديدة الموارد الضرورية للتقدم بها باعتبارها الموارد الذاتية المطلوبة منها. وهكذا شاهد الجميع كيف أن أفراد هذه الفئة المحظوظة، وبقرار غير مبرر من البنك المركزي الذي خولهم سلطة إنشاء العملة، قد أصبحوا بين عشية وضحاها من مليارديرات البلد.

2. منح العملة الصعبة

بالرغم من أن الاحتياطي من العملة الصعبة يتجاوز المليار دولار، فإن البنك المركزي لا يمنح العملة الصعبة إلا لفئة محدودة من مجموعة المحظوظين من أفراد المحيط المباشر للرئيس. وهكذا وضع البنك المركزي وإدارة الجمارك نظام احتكار فعلي لهذه المجموعة الصغيرة، بواسطة منح العملة الصعبة بأسعار تنافسية والاستفادة من جباية جمركية تفضيلية، مع ما يترتب على ذلك بالنسة للفاعلين الاقتصاديين الآخرين وعموم المستهلكين الذين أصبحوا خاضعين لسوق احتكارية.

3. التلاعب بأسعار الصرف

تتداول معلومات متواترة عن عمليات تلاعب متكررة بأسعار الصرف من أجل الإمعان في خدمة مصالح الفئة القليلة المقربة. ويتم هذا التلاعب بصورة متقطعة بالتزامن مع أوقات إجراء التحويلات الخاصة ببعض الموردين المحظوظين. إن مثل هذه الجرائم يعتبر أخطر من كل الجرائم الاقتصادية الأخرى، بل ويتجاوز الفهم والتصور السليم. ويعتقد الكثيرون أن البنك المركزي قد أصبح اليوم صندوقا أسود تسود فيه ممارسات مافيوية تجاوزت في خطورتها كل الممارسات السابقة في أحلك العهود

رابعا: مفوضية الأمن الغذائي

تخضع مفوضية الأمن الغذائي لنفوذ ثلاثة من رجال الأعمال الأكثر قربا لرئيس الجمهورية. ويحتكر هؤلاء الثلاثة بصورة حصرية مبيعات المفوضية من المساعدات الغذائية (المساعدة الإيطالية، المساعدة اليابانية، إلخ.). كما يحتكر نفس الأشخاص بيع المواد التي تشتريها المفوضية لمحلات عملية “أمل”، بل إن الهدف الأساسي من هذه العملية، فيما يبدو، إنما هو العمل على مزيد إثراء هؤلاء التجار المقربين من النظام.

إن مختلف الملفات المشار إليها في هذه المذكرة لا تمثل إلا غيضا من فيض الفساد الممنهج في مؤسسات النظام الحالي، والموجه حصرا لصالح الحاشية المباشرة المحيطة بالرئيس. والواقع أننا لانستطيع الإحاطة بجوانب هذا الفساد المستشري في كل القطاعات الاقتصادية. وهكذا لم نتحدث عن قطاع الزراعة وصفقات الأسمدة فيه، أوصفقات السياج، أو القرض الزراعي، والتجهيزات التي اشترتها الشركة الوطنية للاستصلاح والأشغال(SNAT) بعشرات المليارات من الأوقية، والتي لم يسلم بعضها أبدا (لاحظ علاقة ذلك بالمشكل المطروح الآن بالنسبة لحصاد المحاصيل المزروعة خارج الموسم، إلخ. كما لم نتناول قطاع الصحة وأجهزة سكانير المستعملة التي لم تشتغل إلا لأسابيع رغم الضجة الإعلامية المشهورة التي صاحبتها، كما لم نتحدث عن قطاع الصيد، ولا عن قطاع الدفاع ، إلخ.

وسنقوم في مرحلة تالية باستعراض مجمل القطاعات الاقتصادية ليكون الشعب الموريتاني على علم أدق بعملية النهب المنظم لموارد البلاد من قبل النظام الحالي، مع محاولة إجراء تقديرات لحجم الخسائر الناتجة عن هذا التسيير المتذبذب الذي يتخذ أشكالا من أهمها الاختلاس والتبذير.

إن الهدف الآني الذي نتوخاه من هذه المذكرة يبدأ بلفت انتباه الموريتانيين إلى خطورة الوضع، ومعرفة حقيقة الشخص الذي يدير البلاد منذ ست سنوات، ويصر على الاستمرار في ممارسة سلطته علينا رغم أنوفنا من أجل مصالحه الشخصية الضيقة.

إننا نوجه نداء إلى كل المواطنين ليفتحوا عيونهم ليعاينوا حالة البلد. أما مؤيدو النظام فنذكرهم بأنه عندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن العليا، كما هو الحال اليوم، يصبح من التفاهة أن نتعلق بفتات المنافع أو مجرد الاطمئنان بالاصطفاف إلى جانب الطرف الذي قد نتوهم أنه الأقوى في لحظة معينة. فلم تعد القضية اليوم قضية الديمقراطية أو السلطة، وإنما أصبحت قضية بقاء الوطن. ذلك أن الممارسات التي رسخها هذا النظام قد تؤدي إلى انفجار الوضع الاجتماعي أو انهيار الدولة. فمن واجبنا اليوم أن نتجاوز خلافاتنا وأن نقول بلسان واحد أن هذا المسار الفاسد يجب أن يتوقف، ونعمل معا لوضع أسس المجتمع الديمقراطي القائم على الحرية، والعدالة الاجتماعية، والتنافس السليم، ضمن دولة القانون.

تتوجه هذه المذكرة كذلك إلى شركائنا الذين لهم مع بلدنا مصالح مشتركة، ويهمهم أمر أمنه واستقراره. فعلى هؤلاء الشركاء أن يكونوا على وعي تام بالطبيعة الحقيقية للنظام الذي يحكمنا، والنتائج المنتظرة لهذا النوع من أنماط الحكم. إنهم مدعوون لاكتشاف الوجه الحقيقي للشخص الذي يحكمنا، وأن يكفوا عن اعتباره شريكا جديرا بالثقة، وأن يعاملوه كما هو في واقع الأمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى