كاتب يتحدث عن اتصال هاتفي من ولد عبد العزيز يهدد فيه بسبب خبر نشر عنه
في عام 1947 أمر الملك محمد الخامس ابنته، لالة عيشة، أن تخلع حجابها لكي تكون قدوة للحداثة المغربية. وكانت هذه نسخة المغرب من هدى شعراوي. وأصبحت المغربيات سافرات.
وفشل مرشد الإخوان المسلمين بمصر في الخمسينيات في منع ابنته من السفور. وما نريد أن نقوله هو أن أبناء السلاطين هم قدوة، وخصوصاً في القضايا الإرشادية والاعتبارية والشكلية. وحتى موريتانيا، التي لم تعرف في الأربعينيات والخمسينيات غير الإذاعة المغربية، اُلهِمت بِلالة عيشة، ليس في السفور طبعاً، ولكن في التسمية.
والجنرال عزيز هو أول من أدخل أولاده السياسة، فجلبهم في المؤتمرات والمهرجانات الصحفية؛ وأصبحوا وسطاء بينه وبين الدولة عندما أُصيب بطلق ناري؛ وزارهم أعيان الدولة وضُباطها كلما أصيبوا بخدش؛ وألغى العملية القانونية لمتابعة ابنه بعد إصابته لصديقته بالرصاص؛ وصارت أعراس أبنائِه أهم أحداث المجتمع؛ وقدّم ابنته الصغيرة في مهرجان ملعب ملّح على أنها وُلدت في “عصر بلا فساد”. وهذه كذبة طبعاً. ولكن رجل الشارع لا يرى أبناء السلاطين كرموز، بل كقصص.
ويُصبح الأبناء قصصاً خصوصاً عندما لا يكونون إلهاماً. وأنا في مكان عرفتُ منه معظم أبناء رؤساء موريتانيا. وقد عايشنا في حينا الصغير لعِبَ أحمد ولد الطائع في الملاعب المتواضعة، وخصوصاً أيام كان هنالك ملعب “مينيستر”. وكنا نتفرج؛ وكان الشباب يستابقون إلى عرقلة ابن الرئيس. وكان لاعباً جيّداً، بالمناسبة. وعلى بُعد أمتار من منزلنا كان هنالك منزل هيدالة. ورغم كل ما يُقال عن جبروت أبنائه إلا أنهم كانوا قدوة في التهذيب والحياء وخفض الوجه والتبسم في وجه الناس. ولم تكن تأخذ “بزرة” الحمية إلا في رهط من رفاق السوء. أما سيدِ فكان حكيماً وعاقلاً وأديباً. وآخر مرة تكلمتُ معه فيها كانت في الرباط في 2009، وهو سجين في الرباط. ولكن هاتفه سمح له بمحادثات طويلة معي؛ ولم يفقد أدبه ولا ذكاءه منذ أفقت عليه في حينا.
وليس صحيحاً أن هيدالة لم يبذل جهداً في لجم أبنائه؛ فقد كان رأس وفود الاعتذار في معظم القضايا الكبيرة التي توّرط فيها أبناؤه. وعندما عاد للسياسة فإنه منع عرساً باذخاً لأحد أبنائه وحرصَ على زفاف متواضع، بعكس رئيسٍ لاحقٍ لموريتانيا أُقيم عرس خماروية وقطر الندى لابنه. ورئيس الجمهورية هذا الذي يُحاضر ضد البذخ والصناديق السوداء وميزانيات التسيير لا يهتم بهذا الموضوع بالذات في قضاياه العامة من مؤتمراته وتنصيباته وقضاياه الخاصة من أعراس وعُطل ذويه وحمولاتهم وشحوناتهم.
وكنا نستفز بمزاحنا السمج ابنة الرئيس اعلي ولد محمد فال أيام المرحلة الانتقالية، دون أن نفلح في استدرار أكثر من البسمة منها.
وفي 2009 التقيتُ وعايشتُ لأيامٍ أبناء وبنت الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله. وواضحٌ أن الرجل بذل جُهداً في تربيتهم وكفاءَتهم (والأخيرة تندر في أبناء الرؤساء). وكانت هنالك شكاوي من تدخل ابنة الرئيس في بعض القضايا العامة. وأنا كُنتُ رفيق مؤسسات إعلامية هي من صنع النقمة الشعبية ضد آل الرئيس. ولكن ابنته كانت خبيرة علاقات عامة وكانت مهنية مُحترِفة.
وبعض أبناء الرؤساء ليس محترفاً إلا في إطلاق الرصاص. ونقصد بالمحترف أحمد ولد الطايع، العسكري بالتدريب والتدّرج، ولا نقصد الهواة. فهؤلاء ليسوا محترفين- وهذه محمدة- حتى في إطلاق الرصاص أو تفاديه. ثم إن نفوذ أبناء الرئيس وزوجته ليس قصة من الماضي. ومن لا يعرفُ اليوم متوسطي الصفقات الكبرى في الطاقة ومتوسطي التعيينات؟ إنهم أبناء وزوجات.
وفي 2009 تلقيتُ اتصالاً من بدر ولد عبد العزيز. وكان، كما نُقلَ، قد تساقى العُقار فهدم بسيارته حائط قصر المؤتمرات في الغسق فأرسلت السلطات العليا كتيبة عسكرية فبنت الحائط قبل الصباح غير أن موقع “تقدمي” سبق بنشر الخبر بالصور قبل الصباح فكاد بدر يُجّن غضباً.
واتصل بي يُريد حذف الخبر، وكنتُ حينها شريكاً في بعضِ التحرير. وكان- للأمانة- مهذباً غالب الوقت إلى أن قنط من قدرتي على مساعدته في مسح الخبر فطفق يُهدّدُ. وقد بدا لي أنه يحتاج وقتاً للتدريب والتهذيب. ولستُ أدري هل استنفد ذلك أم لا. ولكن ما أعرفه هو أن التأدب لا يُستكمل. والتأدب هو التعليم وإظهاره في العقل وفي التصرف. أي أنه أخلاق وعلم. وهذا ليس بسيطاً. وعصرنا يُعلّمنا أن بعض الورعين غير مؤدب، فكيف بمن هو دونهم في الورع؟!.
العنوان الأصلي:
نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك