المثقف الموريتاني والقضية الصحراوية
تابعت كغيري من الصحراويين مقابلة على قناة الوطنية الموريتانية ، والتي تتناول موضوع اتفاقية السلام بين الصحراويين والموريتانيين والتي بفضلها انتهت الحرب بين الاشقاء البيظان ، والتي اشعل نظام ولد داداه رحمه الله فتيلها ، وأمد جسور الموت وادخل الاخوة في حرب ظالمة ندرك جيدا حجم الضغوط الفرنسية التي كان المرحوم ولد داداه يتعرض لها من طرف فرنسا ، لتورطه في النهاية لاعلان الحرب على الصحراويين وتقسيم أرضهم ظلما وعدوانا مع الاحتلال المغربي.
ولكن المهم في ردي هذا هو بعض الاخطاء حتى لانقول المغالطات التي وردت في تحليل من يقدم نفسه على انه على دراية بالتاريخ للنزاع في الصحراء الغربية واكاديمي متخصص، اذ ليس من المعقول أن تمرر على المشاهد دعاية ان الجزائر كانت على علم بتقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا ، حيث لا يمكن للجزائر التي ظلت منذ الستينات تدافع عن حق الصحراويين في تقرير مصيرهم لتقبل في النهاية ان يقسموا كقطيع من الغنم بطريقة مخزية و” افظاحة اكتبها مولانا على الاشقاء ” ، كما ان الجزائر لن تقبل بتقسيم الصحراء الغربية أذا مافسرنا الامر بكل الاحتمالات التي تدور في مخيلة البعض ممن يسوقون لمصطلح رغبة الجزائر في الريادة والتربع على اكبر خريطة في المغرب العربي.بل الذي حصل في 1972 ان الجزائر تركت الامر بين الدولتين ظنا منها انهما ستدافعان عن حق الصحراويين في تقرير مصيرهم ، ليجر الحسن الثاني بدهائه ولد داداه رحمه الله الى التقسيم لينصحه بومدين رحمه الله بمقولته الشهيرة ” قلتلو ماتخسرش اعليك ياولد دادا ” لكن حدث الذي حدث .
المغرب والجزائر المانيا وفرنسا : وفي نفس المقابلة يحاول المؤرخ عبد الودود ولد عبد الله ان يختصر النزاع الصحراوي على انه صراع زعامة بين الجزائر والمغرب، وانه بتصالح هاتين الدولتين سيحسم النزاع ضاربا مثالا بين مصالحة ديناور وديغول متناسيا انه لو لا تنازل المانيا عن الالزاس واللورين لصالح فرنسا لما تحققت مصالحة ، فالمغرب التوسعي والجزائر الثورية لن يتصالحا ليس ببسب القضية الصحراوية ولكن بسبب خلافات منذ عهد الامير عبد القادر وقضية تحويل طائرة الزعماء الجزائريين الخمسة وقضايا اخرى يجهلها الاستاذ المؤرخ وقراءتها قد تفيد في تصحيح معلوماته التاريخية .
حرج المثقف الموريتاني : لاينبغي للمثقف الموريتاني ان يبقى متحرجا في قول الحقيقة والاكتفاء بتلميحات ” البيظان ” والنظر للقضية على انها بين المغرب والجزائر واهمال تام لوجود الشعب الصحراوي ونضاله الطويل ضد الاستعمار ومطالبه المشروعة التي لن يقبل القفز عليها ، كما ان الحياد في هذا النزاع ليس مقبولا اذ ليس من المعقول ان يسرق لص ما خبز جارك وتمتنع عن الشهادة ضد اللص بحجة الحياد، فالحياد هو ان تقول الحقيقة ، لاشيء غير الحقيقة .
كما لايفوتني ان ارد على المحامي ولد أمين كي نوضح بعض الاشياء التي وردت في تحليلكم علنا ننتفع جميعا وتزول الغشاوة عن نظرة ضيقة تجاه الصحراويين ، مازال للاسف الشديد بعض الاشقاء في موريتانيا يفكر ويحلل بها ، ومنه نورد بعض الملاحظات :
الصحرايون لم يكونوا جزءا من أحد :
صحيح ان الشعبين الصحراوي والموريتاني يتقاسمان الكثير من الاشياء حتى يمكن القول انهما شعب في دولتين ، ولكن ليس من حق احد أن يستغل هذه الروابط ليلغي بها استقلالية الشعب الصحراوي عبر التاريخ ، والذي كان يعرف نظام ايت الاربعين عكس نظام الامارة في موريتانيا او الملكية في المغرب او الدايات في الجزائر ، ولا اخالك تجهل هذا التاريخ ، كما تدرك جيدا وانت المحامي ان محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري 16 اكتوبر 1975 قد نفت وجود روابط سيادة بين المغرب والصحراء الغربية من جهة وبين الصحراء الغربية والمجموع الموريتاني من جهة اخرى ، حجة كافية كي نرتفع عن عقلية ” لفريك ” التي يقتات عليها البعض اليوم ، فيبرر عمدا او جهلا بيعة بعض الشيوخ الصحراويين للنظام في موريتانيا ،على انها شهادة كافية لامتلاك شعب بأكمله ، عادة سيئة جبل عليها ايضا البعض في موريتانيا لبيعها للمغرب ظانين ان المتاجرة بالشعوب يمكن ان تكون سلعة رابحة وما ولد بابانة وولد عمير عنا ببعيد .
اتفاقية السلام مكسب للطرفين :
قلتم أن الاتفاقية لم تكن في صالح موريتانيا الشقيقة ، والحقيقة ان ايقاف الحرب بين الاشقاء هو نفسه مكسب عظيم ، او لم تطوي صفحة سوداء ؟ وسنوات غابت فيها الحكمة وارتفع دوي المدافع وأزيز الطائرات على اصوات ” اطلع ” و”الكيفان ” . الاتفاقية ايضا سلمت بموجبها مورياتانيا اقليم وادي الذهب للبوليساريو لتبريء ذمتها فتعطي الارض لاصحابها الشرعيين بغض النظر عما ال اليه الاقليم بعد ذلك بفعل الاحتلال المغربي وتوسعه عليه بحكم شهيته المفتوحة لالتهام لكل شيء ، ومعدته التي مازالت تفكر في موريتانيا واجزاء من الجزائر ومالي.
كما انك ايها المحامي ولد أمين غالطت المشاهد ونحسب ذلك عن حسن نية لاغير ، اذ تقول ان موريتانيا لم تسلم وادي الذهب للصحراويين في اتفاقية السلام ، اولم تسلمها للبوليساريو؟ اوليست البوليساريو ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الصحراوي ؟
ولد هيدالة بين الاصل والحكمة :
تابعتم ايها المحامي المحترم الحديث ان الرئيس الموريتاني الاسبق محمد خونا ولد هيدالة ،كان يشعر بتعاطف كبير تجاه الشعب الصحراوي ، فاوقف الحرب عن مورتانيا ليحقن دماء ابناء عمومته الصحراويين بل وسلم ” بير انزران ” مسقط رأسه لهم ، ان ماقام به ولد هيدالة حكمة عظيمة وشجاعة نادرة لايقوم بها الا من يكن الخير للشعبين الشقيقين ،كما ان بير انزران هي جزء من التراب الصحراوي ولايجوز لشخص ما يترأس دولة شقيقة أن يحتفظ “ببير انزران ” لنفسه أو لتلك الدولة، حتى وان كانت مسقط رأسه اوكانت لنظام سابق في دولته الشقيقة مطامع توسعية نتعفف جميعا عن الحديث عنها ، فالرئيس ولد هيدالة لايمكنكم كمثقفين ان تتهموه بالولاء لبلده الاصلي الصحراء الغربية رغم أن ” الاصل ماهو دراعة تنفسخ ” كما يقول البيظان ، بل رجل ” فكراش ” جنب الشعبين حربا ازهقت الكثير من الارواح ، وفي النهاية لا يمكن اعتباره سوى مواطنا موريتانيا خدم موريتانيا بكل شيء، وليس من اللباقة تصفيته سياسيا والقضاء على تاريخه بتهمة الصقها بها خصومه التاريخيين ، ونحن في الصحراء الغربية نفخر بأصوله الصحراوية، كما يحق لك انت ان تفخر بموريتانيين يتقلدون مناصبا في الدولة الصحراوية ، ونحن نعتبرهم مواطنين صحراويين ولم نمارس عليهم اي شكل من أشكال “عزلة البيظان ” ولم ننبش يوما في اصول من قدموا لنا اقصى مايملكون ، ولا زلنا ندين بالجميل لمن اختاروا منهم العودة لبلدهم الاصلي .
انه على بعض المثقفين الموريتانيين ، الذين لايزالون مقيدين بالمعتقد القديم تجاه الصحراء الغربية وشعبها ، ان يسارعواالى تصحيح بعض الاخطاء التي برمجوا عليها في لحظة غافلة من لحظات التاريخ ، الذي يدعي البعض امتلاك بعض فصوله ، وان نؤمن جميعا ان موريتانيا والصحراء الغربية كانتا ولاتزالان تشتركان في الكثير من نقاط التشابه ولكن ليس الى الحد الذي يدعي فيه البعض امتلاك الاخر .
محمود خطري حمدي
مواطن صحراوي