مهرجان “الكيطنة”..الحصيلة المثيرة
مثل مهرجان “الكيطنة” فرصة لاكتشاف الكثير، وربما لانكشاف الكثير، لكن الحصيلة لم تكتب حتى الآن لضخامة الحدث وضبابية الرؤية وشح المعلومات، وبصراحة من الصعب الحكم على المهرجان ببساطة بالنجاح أو الفشل، لأن الهدف المعلن خدمة النخلة أو الواحة وترسيخ الثقافة الواحاتية..
وما تعلق بها أمر في غاية الصعوبة ولا يكفيه عام، أولى ثلاثة أيام، غطى عليها الفلكلور وضجيج الأبواق البشرية والفنية وصهيل سيارات اليابان على وجه الخصوص ما شاء الله مع صعوبة الجو المناخي الضاغط على الأعصاب والنفوس البشرية المتأثرة به إلى حد بعيد، مما ولد رغم فوائد “الكيطنة”، التي لا تنفصل غالبا عن الحر والصيف، طقسا طبيعيا وإعلاميا صعبا بامتياز، وسط النفور عموما من الصحافة، ومطاردة “البشمركة” لكل من يلبس ثوبا جديدا، أم أحرى إن امتطى سيارة فارهة.
وبقيت الأقلام الجادة على قارعة الحدث الكبير، الذي أهمل تسويقه الإعلامي بصورة علمية صادقة، لا إفراط فيها ولا تفريط، قد تصلح كليا أو جزئيا للتدوين التاريخي المقبول، إن لم يكن النوعي.
لاحظ كبيرا للأسماء فيما سأكتب الآن، لأن رياح “الكبلة” ليست مشابهة لفحيح جبال “آدرار” ومسقط رأسي أطار، المسور المحاط بالجبال من كل جهة، فالأولى تفرض الأدب أحيانا، رغم الملاحظة والرأي الحر المباشر، على وجه الإقناع أو الرجحان، لتكون الكتابة أقرب للتحليل والسرد الموضوعي، بعيدا عن جو المعركة المباشر، فقد تلقيت صفعات لا تليق بي من قبل أقرب الناس إلي ولا صلة لها بما يشغل الناس، وإنما فيها نقص من ملح احترام، لا أقبله خصوصا في حضرة الضيوف، ولن أفصل. فالمعني القاطن بنواذيبو يعرف نفسه، رغم “سترته” أحيانا، خصوصا لدى “البرانيين”، لكن لم يستقبل الوفد الصحفي المرافق بصورة سليمة، فالصحافة ليست سواء، وإن غلب الطابع “البشمركي” فدفع غيرهم الثمن تلقائيا، حتى داخل منزل قريبه وألصق الناس به، فأصبح التحامل على مهنتنا وممتهنيها ممكنا، دون ردة فعل عقابية متوازنة، الشيء الذي حصل فعلا في حي “كويكه”، وأقول للمعني ورب الكعبة لو زدت، لدفعت الثمن، أكثر مما حصل مع بوعماتو، من جهة “التزب” والقلم، أي بالجنان والريشة، ضمن ازدواجية الأسلحة الفتاكة، الدعاء والقلم الجريئ، المدافع عن الحرمات العامة والخاصة، وأولها حرمات الله، وإن لكل بيت رب سيحميه إن شاء الله.
هذا المهرجان أو على الأصح الحدث التاريخي، بغض النظر عن طبيعة الحصيلة، مثل حدثا خاصا فعلا، من جهة عدد المتوافدين على المدينة وحجم الحضور البشري، أيامه على وجه الخصوص 9،8،7 أغشت 2014، فلم أشهد في حياتي منذ عرفت أطار وقد ولدت فيه وترعرعت إقبالا بشريا مماثلا لما رأيت أيام المهرجان المنصرم.
فقد غصت المدينة بالضيوف ومرتادين جددا للكيطنة، ربما لم يروا أطار منذ أن ولدوا ووجدوا على ظهر هذه الأرض المضطربة، محل الاختبار والامتحان الرباني المتنوع، وكان من بينهم زميلي الشهم الخلوق، المدير الناشر ورئيس تحرير موقع “28 نوفمبر” مولاي ولد ابحيده، المعروف بـ”بيرام الصحافة” حيث يصر على الدفاع عن موضوع اكتتاب الزملاء الصحفيين وعدم استغلالهم من قبل من يوظفهم، رغم الفارق بينه وبين بيرام، الجريئ على موضوع الكتب المثير وغيره للأسف البالغ، إلا أن صاحبنا ابحيده يصر على الدفاع عن الحق المهني لزملائه، العاملين في الحقل، وليس أولئك المتطفلين عليه، وابحيده لم يدفع “صفرو” الأطاري المعروف، ونقول له عفو “صفرو” مقابل الصبر على بقية لوازم الضيافة المفقودة أحيانا، لأننا سكنا “اتويفند” في منزل مقبول، وليس فندقا أو شقق مفروشة، لمجيئنا في وقت متأخر، لكن الزميل ارتاح لـ”ترجيت” التي زارها أيضا هو والزميل عزيز ولد الصوفي “الكبلوي” الذكي الواسع الصدر لأول مرة، وكان مقيلنا بها رفقة الزميل عبد الله ولد الفتح مدير موقع “الزمان”، فرصة للاستراحة -نسبيا- من جو المهرجان الحار الصعب بصراحة، رغم “احمار” عبد الله العراقي المضحك جدا، خصوصا لدى والي الولاية، فلم يتمالك نفسه عندما وصل “احمار” با ممادو آلاسان، “يا أيها الناس اسمعوا وعوا”، فانفرج الوالي ضحكا، كاد أن يقتله، لولا أن نسبة الوقت الممنوح “لحمار” -بفتح الحاء- “عبد الله الشاب العراقي”، المقيم منذ زمن طويل في موريتانيا، فأصبح أكثر معرفة بالحسانية ودروبها المرحة من أهلها الأصليين.
وباختصار أقول، إن المهرجان فشل في أوجه معروفة، من ضمنها التعامل مع الجانب الإعلامي بعيدا عن الخصوصية التي حدثت فعلا، لكت اعتبارا لعامل الزمالة المشتركة، رغم حصولنا على معلومات أكثر، تدل على تدخل البعض في موضوع “تاجه” أي التمر المتواضع، للحصول على بعض المخصصات البعيدة عن القطاع الإعلامي. فكان الأجدر بالمعني ترك المهنة والتحول للعمل بأحد مصانع التمور الفاشلة، التي تمول باستمرار وتدشن دون جدوى، وهذه المرة أنبه الزميل إلى أنها ربما تمول بوسائل معتبرة، تغني عن الدخول في موضوع “تاجه” يساوي معالجة نوعيات الرطب المتواضعة لأغراض تجارية وعلاجية بعد التنظيف والتعليب. وهذا باب قد يكون أكثر مردودية من “الربط” على منصة المهرجان الفلكلوري المريح، عند من يحسن الربط والتجرء على ميدان “تاج” -بفتح الجيم-.
فعلا جاء اثنين من صندوق الأمم المتحدة للتنمية “ابنيد” إلى أطار للنظر في أوجه التمويل خصوصا لمصنع تمور، سبق أن فتحه ابن عم الرئيسة الحالية تكيبر بنت أحمد، وتحت تأثير الجاه وليس نجاح هذا المشروع المتعثر، أعيد التدشين واستدعى الصندوق الأوروبي للتنمية لحضور المهرجان، عسى أن ينفذ وعده بتمويل مصنع صهر عزيز سيد ولد أحمد، صديق وابن عم والد تكيبر ماء العينين ولد النور ولد احمد، و”انصاره” لا يهمهم إلا المصالح، وإن شاء مصنع سيدي تعثر كعادته، وإن شاء نجح هذه المرة رغم أهمية التمويل وخطورته في حالة الفشل، لأن ذلك يعني تحول التمويل إلى رشوة فحسب، وعطاء لمن هو غير محتاج، رغم رجائي لنجاح مصنع سيد المصنوع طبعا ومزاجا، العقيد الجمركي السابق، والمدير العام للجمارك، أيام ولد هيداله، إلا أنني لا أتوقع ذلك إطلاقا، لمعرفتي بالمسير، فهو مستقيم، لكنه صعب المعايشة، والتنمية والأمور الجماعية، لابد لها من روحها، وهي أولا وأخيرا سعة الصدر، والصبر على الناس ومطالبهم المشروعة وغير المشروعة أحيانا، وفي هذا المقام أقول للعمدة ونائبه في أطار، اصبروا، لا يمكن أن تتولوا أمرنا، وتفشلوا في بعض الأوجه، وتنجحوا في بعض الأوجه المهمة، مثل الضيافة، ولو نسبيا، ثم لا تتركونا نتنفس، ونحن “زامكون” مثل سائر المواطنين الأطاريين وأهل النخيل منهم على وجه الخصوص، وكما قال أحد الخلفاء الراشدين، “لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها”.
كما جاء أربعة من السفارة الأمريكية، وشاركوا في جو “الكيطنة”!.
وحضر أوروبيين إثنين على الأقل إن لم يكونوا أكثر من خلية الأمر بالصرف في وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية، فتوقيع الوزير سيدي ولد التاه سيادي، لكن مع دور مهم لخلية الأمر بالصرف، وقد تكون استشارتها في بعض المشاريع هي الحاسمة، هذه أيضا حضر منها ممثلون في أطار، وخوسيه السفير الفرنسي ورئيس مندوبية الاتحاد الأوروبي غاب جسمه فحسب، لكن حضورهم كان مكثفا، وهذا ما لم يفهمه المشرفون، فركزوا على الإكرام والتدشينات وأوراق مقترحات المشاريع، أو بداياتها، لكنهم نسوا أن الأوروبيين يهمهم أحيانا، ولو تحت الضغط الغربي، ذي الطبيعة الديمقراطية الممجدة للإعلام محليا غالبا ودوليا أحيانا، ما يكتب عن المهرجان، وما سيكتب محل تأثير في حساب المتابعين، والممولين بوجه خاص.
وإن لم يكن ذلك التأثر بالإعلام باستمرار أو بالدرجة الأولى، فهو أحيانا على الأقل.
وقد تطورت الإعلام في البلد، على الأقل، بشهادات “مراسلون بلا حدود” المنظمة الشهيرة ذات المقر في باريس والممثلة في مختلف أنحاء العالم. ولا أعني موقع “مراسلون” الموالي لولد محم، الذي اشرف على صاحبه الزميل سيدي محمد ولد بلعمش على موقع المهرجان في الانترنت، ونشر لي موضوعا للنخيل، لأنه قليل الدسم، كثير التركيز على الثقافة الواحاتية، محدود الجزء السياسي الهام طبعا، فقرروا نشره “النخيل بين الإهمال والاستغلال”.
أقول “مراسلون بلا حدود” في فرنسا، شهادتها بأن الإعلام المستقل الموريتاني يحتل الدرجة الأولى عربيا، زادت الإعلام المحلي وزادت رصيد النظام محل الجدل في الميدان الإعلامي، لأن صاحب المقال الحالي في موقع “مراسلون” محلي، مازال مغرما ظلما عدوانا ب300 مليون أوقية، فهل تصدق شهادة مراسلون بلا حدود “مع استمرار هذه الغرامة الخيالية الظالمة”.
لكن بصراحة حرية الإعلام، أهم مكسب عند النظام الحالي، رغم حرمان الصحافة المهنية الجادة، لصالح صحافة “الربط” و”أطبل” و”تاجه” في عين أهل الطايع، والتفاصيل عند العمدة الحالي، لجارتنا بلدية بين أهل الطايع، إسألوه عندما قدما معا هو وزميلنا، كم قبضا من أجل “تاجه” وليس الصحافة، فقد كشف عن عمدة العين و”تاجته”، فما دخل الزميل، أم هو “ربط” بين المنصة و”تاج”؟!.
كما أعيد فتح مصنع تمور لدى رجل الأعمال المقرب من نائب العمدة محمد بويه ولد اباب، حيث أغلق هذا المصنع الذي كان قائما، منذ أواخر أيام حكم ولد الطايع، منذ سنة 2004، فعاجله عزيز النافذ وقتها سنة 2005 بعد الانقلاب على الرئيس معاوية، وعندما زار ولد عبد العزيز دار أبي سفيان الكريم، الذي يكره الذكر السيئ ويعشق الذكر الحسن الطيب، مهما كلف ذلك، إشريف ولد عبد الله، فتسنى لولد اباب، من خلال نفوذ –ربما- خاله ولد جيلي، وقريبه أمم ولد اعل الشيخ ولد أمم أرشده الله للطريق الأقوم، فأعيد فتح مصنع محمد بويه ولد اباب، وتعهد الممولون الأوروبيون وخصوصا على مستوى الصندوق الأوروبي للتنمية، بالنظر بسرعة في أوجه تمويل مهم، للمصنع ذي الصلة الوثيقة، بالتمور طبعا، واستغلال بعض ثمارها، لبعض الأوجه الغذائية المفيدة جدا، ولكن أهل اعبيدن لولا التدخل الإيجابي الحازم لأحمد ولد مريد لدى وزير التنمية الريفية، لما تمت زيارة ضريح الإمام الحضرامي الشهيد، محل التجاذب بين أسرة أهل اعبيدن صاحبة الحق التاريخي، وعينيه وبعض ذويه وبعض الزملاء الإعلاميين الموالين له، المنشئين لجمعية باسم الإمام الحضرامي فظن الوزير، أن منزل عينيه بأزوكي وما جاوره من حجارة، فيها القديم والحديث، على خبر بعض العارفين المحليين هو ضريح الإمام الشهيد المتوفى حوالي 450هـ، والمكتشف عن طريق رؤيا رآها الراحل رحمه الله عبد الفتاح ولد الطيب ولد الشيخ أحمد الملقب “بوتاج” ولد عبد الرحمن ولد القلاوي ولد بوعبد لاوي ولد أحمد ولد شمس الدين ولد شريف بوبزول، الشريف الإدريسي المنسوب لأحد أبناء فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدانا وأرشدنا للإقتداء بنهجه الرباني العاصم، -إن شاء الله- من الزيغ والضلال وسخط الرحمان وعقابه. اللهم آمين.
أقول هذا الموضوع أثر أيضا على المهرجان، بصورة لا يدركها إلا القلائل، وهو موضوع محل إجماع وتوافق تاريخيا بين أهل الطيب، وخصوصا أولاد عبد الفتاح، الملقب “اعبيدن” وأبناء الطايع، وخصوصا لبشير ومريد ولبشير كلهم من أبناء الطايع، فما فعل أحمد ولد مريد جزء متوارث مصون ملهم ربانيا من الله، إن شاء الله، فوقع في نفسه الغضب و”اتحمجي” ونبه الوزير بحزم وحكمة، وقبل الوزير اللبق، وصحح المسار وأرجع الله الوفد الوزاري لضريح الشهيد الإمام، أحد قضاة الدولة المرابطية، وقادتها في القرن الخامس الهجري، في بلاد شنقيط، وخصوصا في موطن “أزوكي” التاريخي الشهير المبارك.
ومهما علت أصوات الخلاف الرمزي، فأهله بعضهم من بعض، وقادرون يوما ما، بحكمة وروية وإنصاف على تجاوز المشاداة الحالية العقيمة، بإذن الله.
أما الجانب الذي نجح فيه المهرجان، فهو الضيافة مع بعض الأذى ضد الصحفيين المهنيين ربما، أما “البشمركة” فقد أكرموا عن قصد –ربما-، لإجهاض المشروع الإعلامي الوطني وتمييعه.
وأما الصحافة التي لم تقدم على منزل إلا مدعوة وبإصرار، فقد دفعت الثمن نسبيا، رغم أنه كان الأجدر بنائب العمدة رئيس اللجنة المشرفة على المهرجان، أن يتذكر، أن من يعلم ليس كمن لا يعلم، فأهلا بالصحافة جميعا “صالحة” و”اخاسره”، لكن الصالحة، ببعض المهنية وبعض الجدية، أولى بالعناية من غيرها، والبند الصحفي التسويقي، بصدق وأمانة، أهم من كل تدشين، وأهم من مشروع “تاج” المنتظر في عين “أهل الطايع”. وعلى العموم نجح العمدة ونائبه، وكذلك أهل نويكظ وسيدي ولد الطايع ومحمد الأمين ولد الشيكر -مستضيف بعض الزملاء الصحفيين- وغيرهم من جميع المهتمين بالضيافة من قريب أو بعيد، في إثبات قصة الكرم الآدراري العريق، وكسكس و”أكسور ودان” وأنواع التمور الجيدة، وكانت “سالمدينة” الشنقيطية حاضرة ومعلبة، وصالحة للهدية والبيع على السواء، كما عرف سوق أطار زحاما، أنعش السوق أياما على الأقل، ثم يعود الفقراء في أطار العريق لحالتهم ومعاناتهم،بعد أهل “الربط” و”اطبل” و”لحمار” و”تاجه” وغيره من فلكلور “الكيطنة” المفيد، إن تم دون ظلم أو مديح زائد لبعض وافدي القرن العشرين الأخيار الصالحين الفضلاء، على حساب مؤسسي أطار وحماته على الترتيب، من “اسماسيد” و”إديشلي” و”اجعفريه” وغيرهم، من الأطاريين جميعا الكرماء الشرفاء الحكماء. وما أصبرهم على الحر.
