دبلوماسي فرنسي: ولد هيداله شعر بالندم بعد اتفاق “السلام” مع البوليساريو
في يوم 5 أغسطس 1979، وقع المقدم أحمد سالم ولد سيدي، عن الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبشير مصطفى السيد، عن “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، في الجزائر العاصمة، اتفاقية للسلام.
ولم يعلن عن تفاصيل مضمون هذه الاتفاقية بشكل واضح، حيث لا تنص بشكل صريح على التنازل عن تيرس الغربية التي تحتفظ موريتانيا بالمسؤولية عنها وبإدارتها خلال ستة أشهر أخرى، لكنها تشير إلى صيغة تقضي بأن يتم التنازل عبر انتقال مسؤولية الإقليم إلى الأمم المتحدة.
وكان إلى جانب نائب رئيس اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، خلال المفاوضات، المقدم أحمدو ولد عبد الله، قائد أركان الجيش الوطني. وقد صرح هذا الأخير يوم 8 أغسطس بأن “وجود موريتانيا كدولة حرة ومستقلة، يبقى مهددا إذا لم تخرج من تلك الحرب المرفوضة شعبيا”. وهو ما سبق للمقدم محمد محمود ولد الحسين، وزير الإعلام، أن ذهب إليه حين قال يوم 2 أغسطس 1979: “لو تم استشارة الشعب الموريتاني، لما قبل أبدا تقديم كل هذه التضحيات من أجل قطعة من الرمال لم يسبق له أن طالب بها”.
في الواقع، أقرت اللجنة العسكرية اتفاقية الجزائر، مدعومة في ذلك بملتمس تأييد وقع عليه أربعمائة إطار، أعلنوا تبنيهم لما جاء في الاتفاقية.
وكان أحمدو ولد عبد الله، وزير الخارجية حينها، قد سلم رسالة من رئيس الوزراء، المقدم محمد خونا ولد هيداله، إلى الرئيس الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان، وتباحث مع نظيره الفرنسي، جان فرانسوا بونسيه، في باريس يوم 3 من نفس الشهر. لكن، في يوم 3، ذكر الملك الحسن الثاني، في لقاء ديني داخل مسجد المشوار، بالاتفاقية المغربية الموريتانية في مجال الحدود بتاريخ 14 إبريل 1976، وتلك المتعلقة بالتضامن العسكري بتاريخ 13 مايو 1977.
وشكل ذلك محور مباحثات الرباط بين الملك المغربي ورئيس الوزراء الموريتاني: “يلتزم المغرب وموريتانيا بعدم القيام بأي شيء يمكن أن يضر بأمن البلدين”.. لكن الواقع أكثر تعقيدا من ذلك بكثير!
أولا، بالنسبة لنوايا الحكام العسكريين الذين لم يتخذوا من إنهاء الحرب في الصحراء مبررا رئيسيا للإطاحة بالرئيس المختار ولد داداه. بطبيعة الحال هم ارتاحوا لموقف الانتظار، عن حسن نية، الذي اتخذته جبهة البوليساريو وأعلنت عنه يوم الانقلاب (10 يوليو 1978)، لكن المصطفى ولد محمد السالك أقال –في غضون ثلاثة أشهر على الانقلاب- من كانوا يسعون لـ”تصفية الولاية الـ13″ ضمن نظامه.
وفور توليه القيادة، أشار أحمد ولد بوسيف إلى أن مسألة الصحراء الموريتانية ومسألة الحرب لا يمكن حلهما إلا بشكل جماعي. لكن خليفته في رئاسة الوزراء، محمد خونا ولد هيداله، الذي لم يصبح رئيسا للجنة العسكرية إلا إثر اجتماع مطول دام من 4 إلى 10 يناير 1980، وجد نفسه في دوامة متسارعة من التصعيد بخصوص مسألة الصحراء، كما بالنسبة لكل الفترة التي قضاها كـ”رجل قوي”.
فما إن شكل حكومته يوم 3 يونيو 1979، غداة الانتهاء من مراسم جنازة أحمد ولد بوسيف، في نفس الوقت الذي حل فيه المقدم محمد محمود ولد لولي محل المصطفى ولد محمد السالك “رئيسا للدولة” حتى تقرب من الصحراويون، في الواقع تم ذلك بواسطة أحمد بابا ولد أحمد مسكه. وجرت لقاءات مباشرة أو عبر وسطاء بين الموريتانيين وجبهة البوليساريو. لكن موقف نواكشوط المتردد، تم تأويله في تيندوف بطريقة جعلت الجبهة تنهي (من جانب واحد) وقف إطلاق النار الذي كانت أعلنته – أيضا- من جانب واحد، قبل 12 شهرا بالضبط: شنت البوليساريو هجوما على حامية “تشله” وأسرت عددا من الجنود الموريتانيين.. وتغير رهان المفاوضات من بحث مسألة الدخول في النقاش المباشر إلى موضوع الأسرى.
وفي قمة منظمة الوحدة الإفريقية المنعقدة في منروفيا، والتي كانت مسألة الصحراء النقطة الرئيسية في جدول أعمالها، دخلت الجزائر على الخط بينما فضل أحمد بابا الاختفاء، ليعود إلى نواكشوط في العام الموالي، مقتنعا بأنه سيعين رئيسا للوزراء في لعبة تخطاه فيها سيد احمد ابنيجاره. وهكذا تم الاتفاق على موعد الجزائر في قمة منروفيا بطريقة غامضة للغاية. كذلك لم يكن لقاء الرباط، بعد خمسة أيام من توقيع اتفاقية السلام مفيدا بالدرجة التي حاول البيان الصادر في أعقابه تصويرها. فقد شنت وحدة من مقاتلي جبهة البوليساريو مكونة – حسب الصحراويين – من 300 رجل، هجوما على بير انزران، قرب الحدود الموريتانية. وعلى الفور سيطر المغرب على المنطقة الخاضعة لموريتانيا واحتل مدينة الداخله بالقوة. وعبثا، طالب حكام موريتانيا العسكريون – مساء نفس اليوم – بانسحاب المغرب من تيرس الغربية واعتقدوا أنهم يردون عبر مطالبة المغرب سحب قواته المتواجدة في مناطق في موريتانيا نفسها.
في 14 أغسطس 1979، تم الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر، وفي اليوم الموالي انسحبت موريتانيا من المنطقة التي كان قد منحها إياها اتفاق مدريد الثلاثي أربع سنوات تقريبا قبل ذلك. وادعت أنها إنما فعلت ذلك احتجاجا على اعتداء المغرب على إدارتها المؤقتة في الداخله. لم يجد رئيس الوزراء الموريتاني، في مواجهة الهجوم العسكري المغربي، سندا في قوات بلاده المسلحة للصمود، ولم يهتد لطريقة يواجه بها الدعاية المغربية، فاكتفى بالاحتجاج.
بيد أن الأمر الأساسي بالنسبة له ـ ولمستقبل الدبلوماسية الموريتانية ـ هو أن يصرح بأنه لم يعد بإمكانه “تنفيذ التزاماته المتعلقة بذلك الإقليم”. وقد أحسنت جبهة البوليساريو لعبتها من خلال انتقاد الخمول الموريتاني أمام اختلال المغرب لكامل المستعمرة الاسبانية السابقة، حيث أصدرت بيانا بتاريخ 16 أغسطس تقول فيه “إن موريتانيا، بفعل التسرع الذي تبديه، إنما تقوم بعمل يتسم بالغموض”، بينما تحدث الملك الحسن الثاني عن “التخبط السياسي لحكام نواكشوط”.
نهايات متعددة… كلها مؤسفة
كان على موريتانيا ـ أولا ـ أن تشرح لمختلف شركائها أنها ليست “دولة منقادة”.. فقد أعلنت تنديدها بالاتفاقيات الدفاعية مع المغرب وشهدت نواكشوط مظاهرات احتجاجية ضد “الأطماع التوسعية” للرباط، خاصة وأن القوات الملكية المغربية (1000 جندي) المنسحبة من الأراضي الموريتانية بقيت متمركزة في بير أم اكرين، إلى أن يتم إخلاء بلدة لكويره. وتم طرح الموضوع على الأمم المتحدة، ليتقرر الانسحاب المغربي من بير أم اكرين على أن تقبل نواكشوط، من حيث المبدأ، الانسحاب من البلدة (لكويره) المشكلة لضاحية عاصمة موريتانيا الاقتصادية، فور عودة السلام إلى الصحراء الغربية. وأخيرا، انسحب المغرب من بير أم اكرين يوم 26 ديسمبر 1979، لكن السنوات الموالية اتسمت بتهديد دائم تمثل في تلويح المغرب بممارسة حق المطاردة داخل الأراضي الموريتانية، التي يعتبر أن البوليساريو تتحرك فيها، بل وتتخذ قواعد في مناطق منها.
وقد شعر كل من رئيس الوزراء وموقع اتفاقية الجزائر بالندم على ما فعلاه، واعتبرا أنهما قد خدعا من طرف كل أطراف النزاع، من مغاربة وجزائريين وصحراويين.. وأصبح محمد خونا ولد هيدالة ضمن أقلية داخل اللجنة العسكرية، سواء حين أثير اقتراح العقيد القذافي يومي 20 و21 إبريل 1981، بشأن محاولة إقامة اتحاد مع الجمهورية العربية الصحراوية، يعقبه “ميثاق ثوري” بين ليبيا و الجزائر وتلك الجمهورية وموريتانيا؛ أم يوم 27 فبراير 1984 عندما أعلن اعتراف موريتانيا بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وكان على رأس الأغلبية المناوئة للتقارب مع جبهة البوليساريو، الرجل الذي سيطيح به في وقت لاحق من نفس العام: معاوية ولد سيدي أحمد الطايع. أما أحمد سالم ولد سيدي، المستقيل من اللجنة العسكرية، فكان ـ إلى جانب زميله المتألق، محمد ولد اباه ولد عبد القادر- أقل صبرا وأكثر سرعة في التحرك.. وهكذا فشلت محاولة 16 مارس 1981 في الإطاحة بولد هيداله الذي أعلن نظامه الحاكم أنها من تدبير المغرب وأقدم على إعدام قائديها المقدامين (ولد سيدي وولد عبد القادر) رميا بالرصاص، و بطريقة بشعة.
لقد تم توقيع اتفاقية الجزائر مع ممثل جمهورية، تحظى بمقعد في الاتحاد الإفريقي، لكن ليس لها أي وجود فعلي على الأرض.. فكان ذلك الاتفاق يرمي إلى منحها ذلك الوجود.
برتراند فيسار دفولولت (المعروف ب”ولد كيجه)
دبلوماسي فرنسي متقاعد
ترجمة “أقلام”