موريتانيا والسودان .. علاقات قديمة متميزة .. و شارة على صدر التاريخ
إن التطور الكبير الذي تشهده العلاقات السودانية الموريتانية اليوم ، ليس وليد الصدفة بل و كما هو معروف يشهد عليه كبار السن الموريتانيين وحتى جيل الوسط وقليل من شباب الفيس والتويتر ، لهي الجذور العميقة والتاريخ التليد وهو نتيجة طبيعية لتشابك وشائج الأخوة والتقارب الذي نسجها التاريخ رغم أنف الجغرافيا ، و الأمثلة على ذلك كثيرة..
وأهمها المحبة الفطرية التي تكنها صدور السودانيين والموريتانيين لبعضهم البعض والتي من مظاهرها ماهو موجود في القلوب يسمح بمرور أي سوداني في طرقات موريتانيا بدون هوية ولان تقول انك ” سوداني ” فهذه هي الهوية وبطاقة المرور وجواز التعامل مع المجتمع الموريتاني الأصيل القادم من بادية الغرب الافريقي المحافظ والمحتفظ بعاداته التي يفتخر بها بعدد حبات رمال الصحراء الافريقية تشعر وانت سوداني و كانك ولدت في موريتانيا وليس السودان وهي كلمة السر السودانية في بلاد شنقيط – أي قادم من جمهورية السودان فلا تسمع بخلاف كلمة واحدة ( واخرت ) وما أعذبها من كلمة . والمعروف لتاريخ يعود لستينيات هذا القرن كما سمعت من احد العارفين الموريتانيين ان الحجيج الموريتانيين قديماً كانوا ياتون الى السودان عبوراً الى بلاد الحجاز ، فمنهم من يستقر به الحال ويتزاوج ونقل ثقافته الجميلة وفقه في مذهب الامام مالك ليكون رسول علم وتعلم في المجتمع السوداني فكان بنو شنقيط ، وكان شارع الشنقيطي بام درمان بولاية الخرطوم شاهد على ذلك التاريخ الناصح . هي علاقات بين البلدين ضاربة الجذور في تربة التاريخ قديمة قدم تلك القوافل العلمية في طريقها للركن الخامس من أركان الاسلام ، وهذا يعني بالضرورة أن هناك زخماً ورصيداً اجتماعياً كبيراً يحرس العلاقات بين البلدين بخلاف الرصيد الديني الذي خلفه ذلك الحجيج في ولايات السودان المختلفة والتي كانت تمثل بوابة مرور … كل هذا يعني أن هناك لغة للتاريخ وموروث للعلاقات تشكل أرضية صلبة نحو علاقات محبة ذات مذاق خاص وطابع استثنائي .
إن العلاقات الثنائية بين البلدين قد شهدت تطوراً ملحوظاً وتنامياً مضطرداً وبخاصة خلال السنوات القليلة التي خلت حيث شهدت تنسيقاً تاماً وانفتاحاً مقدراً وبوجود العديد من الشركات السودانية الناجحة التي تعمل في موريتانيا كشركة شنقتيل للاتصالات والساحل بانكرنق في نواذيبو و مشروع سكر موريتانيا المرتقب – صنو مصنع سكر كنانة العملاق بالسودان – ومدينة رباط البحر السياحية وشركة ” فُرَصْ ” ( بضم الفاء وفتح الراء ) للمقاولات العقارية وغيرها من الشواهد الأخرى التي تدلل على ذلكم التاريخ الناصع بين البلدين .
فكان لزاماً علينا نحن جيل الوسط ان نرعى هذه العلاقات وهذا الإرث ونطورها ونربط بين الجيلين وننقل تجربة كل بلد للآخر وكذلك في تراث البلدين بما يحفظ للاجيال القادمة ذلك الارث التاريخي الاجتماعي التليد ، فالتقارب السوداني الموريتاني واضح في الكثير من المناحي ، في الطرق الصوفية ، في الملحفة والثوب السوداني ، في الاخلاق والتعامل والكثير من العادات المشتركة ، في بعض من اللغة العامية المشتركة ، مما دعاني ان أفكر في فلم وثائقي مشترك بين السينمائين الموريتانيين والسودانيين يعكس هذا النسيج المشترك ويحفظ ذلك الارث التليد ، جاءتني هذه الفكرة وانأ ألبي دعوة كريمة لافتتاح اسبوع الفلم القصير بذلك الفضاء الجميل بنواكشوط وهذا المجهود الذي حوى عشرة سنوات من الصبر والابداع المتجرد فتحية لكل السينمائيين بل لكل عالم الصحافة والإعلام الذين يحملون رسالة السلطة الرابعة والتي تحتاج الى ميزان ذهب ، وميزان الذهب هو الرابط الأصيل لشعبي هذين البلدين .
وفي الفترة القادمة بإذن الله سيكون هناك معرض للمنتجات الصناعية السودانية يقيمه اتحاد أصحاب الصناعات السودانية مع برنامج مصاحب يعكس الثقافة والفن السوداني المشترك برعاية كريمة ومتابعة لصيقة من السفارة السودانية بنواكشوط والجالية السودانية بمورتانيا ، وذلك بغرض اختيار سلع معينة من خلال المعرض تتماشى مع احتياجات الانسان الموريتاني لتكون لها مصانع هنا في هذا البلد الطيب . هذه الفكرة جاءت من الجالية السودانية التي تمثل نخبة من الأعضاء المختارين بعناية إلهية – سبحان الله – ومتابعة لصيقة منهم تحت إشراف ورعاية كريمة من السفارة السودانية بنواكشوط ، وهذه دعوة لكل وسائل الاعلام والصحافة الموريتانية ان تتواصل مع القنصل العام بسفارة السودان حتى يكون هذا المقال واقعاً معاشاً ويكون المعرض وما سيصاحبه من برامج فنية وثقافية وشعرية هو نتاج لتلكم العلاقات والوشائج المتجزرة في اوردة التاريخ .
بقي أن استعرض بعض الامثال الشعبية السودانية التي تجسد فعليا التقارب والتشابك في الجذور الاجتماعية للسودانيين والموريتانين ، وهي بلا شك هي مشتركة مع بعض البلدان العربية وهذه بعض منها من باب تغذية تبادل الارث الاجتماعي والموروث الثقافي المشترك
الخيل تجقلب والشكر لي حماد – وهو انك تعمل عملاً ولكن يحسب لشخص آخر .
جارك القريب ولا ود امك البعيد – وهو انك تحتاج الى الجار القريب في الكثير من الاحيان اكثر من شقيقك الذي يبعد عنك .
لالوب بلدنا ولا تمر الناس – واللالوب نوع من الثمار المشتركة بين موريتانيا والسودان ( التوقاي ) وهو بالكرامة والمعزة ، أفضل من بلح الآخرين .
بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر – وهو ان تستقبل ضيفاً بالزاد القليل البسيط خيراً من الذبائح وانت غير راض عنه .
الجمرة بتحرق الواطيها – وهو ان الأمر دائما يهم صاحب المشكلة وهو الذي يكتوي بنارها و يدفع ثمنها .
مساك دربين ضهيب وصاحب بالين كضاب وركاب سرجين وقيع ـ وهو انك لابد من الا تشغل نفسك بإتجاهين في وقت واحد حتى لا يضيع الموضوعين وتضيع معهم بعدم استقرارك على خط واحد او رأي واحد وإنك لا تستطيع ان تركب حصانين في وقت واحد وانت مرتاح .
الماعندو قديم ماعندو جديد – وهو انه لابد ان يكون لك مرجعية وتاريخ وموروث حتى يكون لديك مستقبل وجديد .
النسا قديمو تاه – من نسى قديمه تاه – وتاه كلمة مشتركة – أي راح .
قلِ العروض جفا – الكرم هو تقديم عرض الضيافة وبخلاف ذلك انك مجافي وقلبك حجر .
الواضح مافاضح – وهو انه ليس هناك أفضل من الوضوح .
فى الوش حبايب وفى القفا دبايب – وهو صاحب الوجهين والعياذ بالله .
القلم مابزيل بلم – العلم والرقي فيه لا يزيد الشخص الناقص في كرمه وشهامته ومروءته شيئاً إن لم يكون يتسلح بذلك قبل .
والامثال السودانية كثيرة ولكن هذا قيض من فيض ، فتحية لهذه السفينة المبحرة الى عالم الريادة وتحية لكل الشعوب العربية والاسلامية التي تمثل صمام امان في رياح الزمن بل لكل دولة لها رسالة سامية نحو الآخرين ، سنستمسك بهذه العرىولن نعود خطوة الى الوراء حتى يلج الجمل في سم الخياط .
المستشار الثقافي والاعلامي بسفارة السودان بنواكشوط
القنصل هاشم سعيد