كارثة بيئية في صحراء موريتانيا
يدور الشك في موريتانيا حول تسبب بعض مواقع تخزين مبيدات مكافحة الجراد والأوبئة، في انتشار العمى بين سكان قرى الريف، ونفوق المواشي. وبينما ترفض السلطات الموريتانية الاعتراف بتأثير هذه السموم، يؤكد باحثون خطورة الوضع، ويدعون الحكومة إلى التحرك لإنقاذ أهل الريف.
معاناة لتفتار
يعاني نحو نصف سكان قرية دالي كمبة، في جنوب شرق موريتانيا، من مرض العمى الوراثي، منذ عقود. وفيما لم تتمكن السلطات من معرفة السبب، هنالك مؤشرات على ان سموم نفايات، ومواد سامة هي السبب. وتبقى قرية لتفتار، وسط موريتانيا، من بين أكثر القرى معاناة من المبيدات الحشرية. فهناك عمدت منظمة “الاكلالاف لمكافحة الجراد الصحراوي” إلى تخزين مبيدات سامة في صحرائها. ومن بين المبيدات أنواع من فصيلة دييلدرين، التي تنتمي إلى مركبات الكلور العضوية، الأكثر فعالية ضد الجراد الصحراوي، والأكثر خطورة على البيئة أيضاً.
وفي هذا الإطار، يقول عالي ولد حمادي، وهو أحد سكان القرية، إنّ “معاناة سكان لتفتار الناجمة عن السموم التي خلفتها شركة متخصصة في مكافحة الجراد منذ عشرات السنين، لا يمكن ان يتصورها إلا من يعيش في القرية”. ويتابع أنّ “نسبة الاصابة بالعمى والسرطان وأمراض الجلد والغدة الدرقية مرتفعة مقارنة بوسط بيئي آخر في البلاد”. ويعطي مثالاً حديثاً عن “رجل خمسيني فقد بصره، الشهر الماضي، كما أصيبت سيدتان بالسرطان دون سابق انذار”. ويروي ولد حمادي كيف بدأت مأساة القرية بالقول: “ما زلت أتذكر، كيف كنا نلهو، ونحن أطفال، قرب البراميل التي دفنتها شركة المبيدات في باطن رمال القرية. كان الجميع يحذرنا من الاقتراب منها واللعب حولها، لكن الفضول كان يدفعنا لتجاوز السياج واللعب بالبراميل، برائحتها الحادة، التي اكتشفنا لاحقاً أنّها سم الدييلدرين المحظور دولياً”.
كما يؤكد ولد حمادي، أنّ والده مات، بعد معاناته من فقدان البصر، والوهن الشديد، دون سابق انذار. كما يشير إلى أنّ متوسط عمر سكان القرية منخفض، ومياه الشرب ملوثة وتسبب حالات إسهال، وأمراضاً جلدية بخاصة بين النساء والأطفال.
كارثة حقيقية
ومع تصنيف منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) قرية لتفتار كأحد المواقع القديمة لتخزين المبيدات العالية السمية، يحذر باحثون من خطورة استمرار التجاهل الحكومي للموقع. ويقول الباحث محمد المصطفى ولد إبراهيم إنّ موقع تخزين المواد الكيميائية السامة في قرية لتفتار يرجع إلى ما قبل أربعين سنة، ولا يمكن التخلص منه إلاّ بقدرات مالية وتقنية كبيرة.
ويشدد على أنّ الدراسات، التي أجرتها جامعات هولندية وبلجيكية، تنذر بكارثة حقيقية. ويشير إلى أنّ الموقع يحتوي على نفايات سامة، من قبيل الدييلدرين، بالإضافة إلى مواد كيميائية فتاكة. وعن تلك الدراسات، يقول: “أجرى مخبر كرا دبليو البلجيكي أبحاثاً على عينة قدرها 100 مللتر من الماء من بئر قريب من موقع النفايات، أكدت أن نسبة تلوث المياه بالألدرين وصل إلى 0.074 ميكروغرام/كغ، فيما بلغ التلوث بالدييلدرين في ذات العينة 0.04 ميكروغرام/كلغ”. ويتابع أنّ “الأبحاث اكدت كذلك وجود تركيز للدييلدرين أعلى من 2 ميكروغرام، في كل كيلوغرام من التربة، إذ وصل معدل تركيزه في 17 عينة من أصل عشرين تم اختيارها، من مناطق مختلفة من القرية إلى 4.25 ميكروغرام/ كغ، وهي نسبة مرتفعة جداً وكافية لتحدث أضراراً جسيمة على السكان”.
كما يشير الباحث إلى الدراسة التي أجراها فريق هولندي بالتعاون مع الحكومة الموريتانية قبل ثلاث سنوات، والتي أكدت أنّ مخزون المبيدات أدى إلى نسبة تلوث مرتفعة في القرية. كما أجرى فريق هولندي آخر، من جامعة فاغينيغن، بحثاً، أكد وجود تلوث كبير بمادتي الألدرين والدييلدرين.
ويطالب الباحث السلطات بحماية سكان القرى الملوثة من الموت البطيء بالسموم الخبيثة، التي لوثت الهواء والتربة والمياه الجوفية. كما يدعو الى إبعاد السكان عن المواقع الملوثة، ومعالجة المواقع، وارسال بعثات ميدانية استقصائية بشكل فوري.
في المقابل، تتهم الحكومة الحالية الحكومات السابقة، باستعمال مبيدات خطيرة تتميز بثباتها وعدم قابليتها للتحلل، حتى بعد فترات زمنية طويلة. وتقول ان أكثر المبيدات المستخدمة في مكافحة الجراد، هي من فصيلة مركبات الفوسفور التي تتميز بسرعة التحلل، وعدم الثبات، ما يجعلها أكثر أمنا على الإنسان ومحيطه البيئي.
إعداد خديجة الطيب لموقع العربي الجديد