فارس هذا الزمان
سأختار شعبي ** سأختار أفراد شعبى، ** سأختاركم واحدا واحدا من سلالة ** أمى ومن مذهبى، **
سأختاركم كى تكونوا جديرين بى ** إذن أوقفوا الآن تصفيقكم كى تكونوا ** جديرين بى وبحبى.
تذكرت قصيدة محمود درويش وأنا أراقب نخبتنا في الأعوام الفارطة ،انحطاط وتخبط علي كل الجبهات ،فكأنما اختار الجنرال معارضيه واحدا واحدا !وكأنما اختار نجوم الصحافة فردا فردا! ماذا حل بهذا البلد؟ أية لعنة أصابته؟ هل هذا كل ما يمكن أن يقدمه؟ دوما نفس الوجوه؟ نفس الأفكار؟ وإذا تبدلت الوجوه لأسباب قاهرة تستبدل بوجوه لها نفس السحنة ونفس الأفكار؟
كأننا في مسرحية هزلية منذ أعوام ، يختفي الزعيم الذي خرب البلد ليخرج علينا حارسه الذي كان يسْتَقوي به علينا يدعوا إلي الإصلاح ويدّعِي محاربة الفساد أيحسبنا بلا ذاكرة ؟ومن خلف الستار يطل علينا مدير أمن البائد في هيئة حمامة سلام همها حفظ البلد ووحدته ومصالحه ،الصيف ضيعت اللبن! وفي مشهد موال نشاهد ممثلا ثانويا شاهدناه في دور آخر وزيرا للصحة يهجو هذا ويعرض بهذا ليخرج علينا في هذا المشهد الجديد دون أن يبدل ملابسه ولا مكياجه ليهجم علي ولي نعمته السابق ويصفه بأقذع الأوصاف وشنيع الألفاظ متناسيا مثلنا الشعبي (فُمْ أَشْكَرْ مَا إِعَيَبْ)، هل ما زلتم تتابعون معي أم أصابكم الضجر والملل مثلي ؟
أم تُهْتٌمْ كما تهت في سلسلة الأحداث المتناقضة ولكن المسرحية لا تنتهي هنا نحن مجبرون علي المتابعة؟
مشهد آخر زعيم حزب سياسي قضي عمره في النضال من أجل الديمقراطية وضد حكم العسكر يؤيد انقلاب مدير الأمن ومن بعده انقلاب الحارس علي رئيس منتخب ليعود بعد ذالك ليدعوا للديمقراطية ويهتف ضد حكم العسكر دون أن يغير ماكياجه ولا ملابسه.
في فصل ثانوي نشاهد أحزابا كانت تحارب التطبيع مع إسرائيل وحاربت العقيد وحكمه من أجل قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني تشارك في حكومة مطبعة مع الكيان وتملك سفارة في تل أبيب؛ في فصل آخر نشاهد عقيدا سيئ الذكر يؤم كافة الممثلين في الملعب الأولومبي ويسخر من الديمقراطية ومن البلد في قصر المؤتمرات ليبايعه بعضهم بعد ذلك علي المشرط والمخرط ولا يحركون ساكنا وهو يجرجر في طرقات مدينة سرت؟
وتتوالي الأحداث وتتداخل وتتناقض و تتوالي الفصول لنري رئيس برلمان يقف بقوة في وجه انقلاب الجنرال وفي فصل موال يهتف بالمجد لنفس الجنرال؛
عسكر وعسكر سابقون ينادون في مهرجان للمعارضة بسقوط حكم العسكر؛
حزب سياسي ينطح في مشهد لينصح في فصل ويشارك في آخر ليعود للنطح؛
حقوقي ومعارض عنيد للنظام قبع في سجنه ردحا ،وقذفه بأقذع الأوصاف يشارك في حملة انتخابية محسومة النتائج أصلا قاطعها من والي ومن أيد في السابق ومن نطح ومن نصح ،لتدفع مستحقات حملته من طرف أقارب منافسه؛
ليفتح الستار علي الجنرال المفدي في مأموريته الجديدة واعدا بتجديد الطبقة السياسية وضخ دماء شابة فيها ليفاجئ جمهور المسرح برئيس وزراء جاوز التقاعد بسنتين؛ حزب تقدمي يٌرْمَي بتحكم القبيلة فيه؛
فقهاء يشتغلون بالربا؛
عنصريون يرمون عنصريين آخرين بالعنصرية؛ شباب يصفقون لمن وأد أحلامهم؛
مجتمع مدني بدل أن يحارب الفساد هو وكر له؛
أطباء بلا رحمة همهم فقط الربح السريع؛
هل فهمتم شيئا من هذه المسرحية السيئة الإخراج ؟ صراحة شخصيا لم أفهم شيئا!
لقد اختارنا الجنرال واحدا واحدا!
لكن تبقي هذه المسرحية قمة في الإبداع فهي تثير الضحك والبكاء والرثاء في آن واحد لتبقي قمة في الإبداع!
عاش الكاتب و المخرج و البطل بكل اختصار! عاش الجنرال فهو فارس هذا الزمان الوحيد!
“فليس سوى أن تريد
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد وسواك.. المسوخ! “.