ولد محمد فال بين حدة الموقف و الإفراط اللفظي / الولي ولد سيدي هيبه
إذا كان الرئيس السابق اعل ولد محمد فال يتمتع برمزية و اعتبار أعطاهما إياه حكمه البلاد في أعقاب فترة طبعها اضطراب شديد انتهى يومها بمحاولة انقلابية – سالت على إثرها الدماء و انفل عقد أمن الأمة أياما توالت صعابا و كأنها الموت الزآم، و لولا عناية الله و ما قدرت للشعب الموريتاني.
من بعد فطري عن العنف لكانت العواقب على نحو كارثي – فإن ما هو متماد فيه من سلبية المواقف الشخصية تجاه النظام القائم و رأسه تحديدا و من إصرار ظاهر قارب الإدمان على التحريض اللفظي الجارف و المحمل على متن بيانات لا يجف حبرها و لا تلين أو تتبدل مصطلحاتها العاصفة أحيانا و الجارحة تارة أخرى. و هي الحالة التي بات معها الأمر شبيها بضرب من “الإفراط الفظي” المبتذل أو “عقدة تكرار” مرضية في حلقة مفرغة. و السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان من تلقاء نفسه هو فقط كيف يمكن لأحد آباء الأمة أن يقبل بالوصول إلى مثل هذا الموقف الذي يبدو من حدة ملامحه حاملا لعلامات التطرف في دائرة حراك سياسي عام أطرافه كثر و توجهاته متشعبة. و هو الموقف الذي لا يكاد يخفي حتى نزعة “الفردية” فيه أو يكتم الأنفاس عن رائحة الانتقامية المنبعثة منه. و ليس اعل ولد محمد فال كأي معارض سواه. كلا فهو الرجل الأول الذي قدر له أن قاد البلاد بعد الانقلاب على الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، إلى مرحلة نقل معها الدولة إلى الحكم المدني في بادرة نادرة في العالمين العربي و القاري و سلم السلطة بكامل إرادته للرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله؟ هو الأمر الذي من المفروض أن يجعله على درجة من السمو يظل فيها فوق الصراعات السياسية العقيمة التي لا يرى أصحابها أبعد من الرغبة في السلطة فقط لذات السلطة و التسلط على المال العام و رقاب المواطنين. ومهما يكن للرئيس اعل ولد محمد فال، الذي نجح في تسليم الحكم للمدنيين ببادرة استثنائية إلى الحكم المدني في ظل الديمقراطية، من الحق المطلق في التمتع بحرية الرأي السياسي وكامل الاهتمام بشؤون بلده، فإنه مرغم أكثر من غيره إلى التحلي بالموضوعية والاتصاف بخصائص و علامات السياسي الناضج و المخضرم المحنك الذي يميز بين المواقف السليمة التي تترك في الشأن و البعد السياسين من حوله أثرا محمودا وتشكل من لدنه مرجعا قويا يكتسي صبغة الجوهرية في حقل السياسة الإيجابية؛ تلك التي تخدم الوحدة الوطنية و تحرص على أمن البلد و السكينة العامة و دوام الاستقرار من جهة وتدعو في خضم ذلك إلى التناوب الذي يحمل طابع التجديد و يدعم عرى وحدة مكونات البلد و يرسي دعائم الحفاظ على لحمة أهله في ظل تنمية عارمة و شاملة تستغني على مر الزمن عن الأفراد في المفهوم الضيق وتعتمد الفكر السياسي الانسيابي الذي يسجل العمل على الوحدة واللحمة والتنمية والأمن في دائرة “الحكامة الرشيدة” و “دولة القانون” من جهة أخرى. كما أنه من الجدير بهذا الرجل الذي كان حكمه ذات يوم 3 اغسطس 2005 “نداء” لتغيير واقع مزري و انتشال البلاد من دائرة الفوضى إلى فضاء الاستقرار والديمقراطية، أن لا ينكر على مرحلة جدت بعد ذلك و قد شهدت البلاد خلال تداعياتها منعرج ضعف كادت تبتلعها أرضية مستنقع غوغائيته السياسية التي شرعت رياحها بالعصف بأركان الدولة، صحة حراك 6 اغسطس 2007 الذي أطفأ جذوة الحريق الذي شب بعد أزمة برلمانية خانقة و أوقف الطوفان الذي بدأ يجرف من تلقائها مقومات البلد، ليسجل بعد ذلك قيام مرحلة جديدة رجعت معها المياه إلى مجاريها و قادت إلى اصطفاف البلد من جديد إلى جادة تقويم الشأن و السعي إلى تطويق أزماته ذات الأوجه المتعددة. ولقد كان لترتيب شؤون الجيش إذ ذاك والإصلاح من شأنه بتسليحه كما يليق ورعاية جنوده بما يرفع معنوياتهم الدفاعية والقتالية دور في تأمين الحدود و إبعاد شبح الإرهاب الذي كشر عن أنيابه و في تطويق بؤر الانقلابات الأمنية الداخلية التي شهدت مضاعفة غير مسبوقة في تاريخ البلد. وإنه الجيش أيضا الذي قال عنه اعل ولد محمد فال – الذي قاده ذات يوم وتزعم به البلد قبل أن يسلم بملء إرادته حكمه للمدنيين – الذي قال بشأنه بأنه يعمل كالمليشيات في وصف غير لائق لما يسببه من خدش للحياء الوطني وجرح لمفهوم الدولة، وانتقاص لدوره الموحد و ضمانه أمن واستقرار وقوة ورفعة الوطن. وتشهد الحرب على الإرهاب التي انتصر فيها الجيش انتصارا شهد به البعيد قبل القريب أن الإصلاحات التي طالته هي بمثابة انجاز تاريخي لا تجوز المكابرة بشأنه ولا المغالطة بنبل مهمته العظيمة، ويبقى دون ذلك الكثير للخوض فيه وتحديد المواقف منه وتمرير القراءات، وتحرير الإعلانات والبيانات السياسية وان كان لا بد في واقع الأمر أن يتم كل ذلك تماشيا مع ما تفرضه السياسة العقلانية من موضوعية و ما تتطلبه من بعد عن السلبية والسلاطة المبتذلة و عقد التكرار. و إذ المعارضة حق تكفله الديمقراطية و تحميه دولة القانون فأقله أن يكون الوعي بها و العمل بمقتضاها على قدر ما تكفله ذات القيم من وجوب احترام الطرف الآخر و تقدير مهمته التي من أولى مزاياها توفير الحصانة و ضمان حرية الرأي في جائرة العمل السياسي الذي من المفروض أن يكون بناء في دائرة منهجيته الموحدة و المتسامية عن الخشونة و كل منطق يرنو إلى العنف بشقيه اللفظي و المادي.