سبات الواقع… ويقظة المكابرة
هبوا املؤوا كأس المنى قبل أن تملأ كأس العمر كف القدر / عمر الخيام
صحيح أن برج الشعر لدينا صرح شامخ يطل بطوله من فوق السحاب على كل الأوطان العربية. و صحيح أن خيام “موزوننا” وافرة الظلال تحف أركانها كل علامات بداوتنا و تصدح من تحت ركائزها حناجر الشعراء والمنشدين على أوتار آلات موسقانا العتيقة.
صحيح أن مدننا العريقة نفضت بعض غبار النسيان و أصبحت في “سنة محمودة” كل عام مسرحا و ملتقى يعج بحركة الزائرين و الرسميين و الركع السجود للفن و الشعر و الاستجمام البدني و السياحة البصرية الترفيهية.
صحيح أن المهرجانات الفلكلورية تضاعفت أعدادها و أخذت في فوضوية عارمة و مفلسة ألوان كل القرى و المدن في تنافس لا يبدع و لا يوفر مردودا و لا يترك للمكتبة التراثية و الذاكرة التاريخية أي مكسب و إنها حالة فريدة من الحراك الأعشى التي تميع أكثر مما هو واقع ذاكرة الوطن المصابة بفقدان الذاكرة.
صحيح أن أغنياءنا يجوبون كل بلدان العالم السياحية و يرفلون في حرير فنادقها و ينعمون بأجوائها اللطيفة ومناخها المنعش و يصرفون أمولا يعرفون أنهم سيستردونها من خزائن الدولة المسخرة لهم بفعل العقلية التي جاءت من أعماق جاهلية البلد و هزمت كل زوابع التحول التي عصفت وتعصف بشدة في كل بلدان العالم و تؤثر في عقليات كل شعوبها .
و صحيح أنه لا أحبال صوتية لفقرائنا لأنها و منذ الاستقلال ملك الأحزاب السخيفة و المنظمات الحقوقية الانتهازية و النقابات الغوغائية كما هو صحيح أنهم فريسة ضعف الحراك في معترك الحياة و تبني الفقر منهجا فلسفيا و تصوفا عقائديا تصديقا حرفيا و تطبيقا للحديث الاسرائيلي السيئ “المؤمن مقمل” . صحيح أن نخبنا التي تحمل من علامات المعرفة تلالا و جبالا ما زالت تمارس و – ليس عنه تحيد -:
· الزندقة الفكرية في إفساد مرضي للمعطى الفكري الذي كان من المفروض أن يكون قائما بناء على موروث الأجداد و شهادات الجامعات و المعاهد العالمية التي تخرجت فيها،
· و البغاء الحربائي في حانات السياسة الفاجرة رغبة صاغرة في خمرة كأس مترعة من السلطة المادية ثم لا تترك أثرا محمودا يسهم في ترتيب أية أوراق تشترك في بناء صرح الدولة و إنشاد تنمية فاعلة قوامها العدل و الوحدة.
صحيح أنه و من بعد أربعة و خمسين سنة في حضن الاستقلال لا توجد في عاصمة البلد:
· مصارف لائقة لدفع و معالجة مياه المطر و فضلات الحضارة المدنية،
· و لا أنفاق تنظم و تقنن حركة المرور المتزايدة في فوضوية عارمة و لا كباري معلقة تحدد الاتجاهات فتخلق الانسيابية المعينة على تنظيم و صرف حركة الاقتصاد و التنمية في الاتجاه الإيجابي.
صحيح أنه لا بنية اقتصادية البتة و لو على شكل الصناعة التحويلية الأولية توفر العملة الصعبة و تخلق يدا عاملة وطنية و توجد طبقة وسطى متوازنة و تؤشر باستقلالية في الانتاج المحلي الذي يحمل ختم الوطن و يضاهي بها المستورد.
فمتى الصحوة إذا من سبات الغفلة المقيد و متى مراجعة الذات و جلدها للخروج الشجاع من عباءة المكابرة المبتذلة و قتل آمال الأجيال الحالية و المقبلة؟
و متى أخيرا نتتقي من الشعر أحكمه و أحثه على العمل و البناء؟
الولي ولد سيدي هيبه