حول فصل التجاني ولد دهاه من الميناء
نشرت صحيفة تقدمي خبرا ذا علاقة بالنشاط التجاري لإبن الرئيس الموريتاني احمدّ، كانت قد استقته من مصادرها في وحدة الجمارك بروصو، و أمعنت فيه قبل نشره تدقيقا وتحريّا، فما كان من الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلا أن أصدر أوامره لمدير ميناء نواكشوط عن طريق مستشاره احميده بأن يفصل من العمل شابا، لا ذنب له سوى أخوة المدير الناشر لصحيفة تقدمي
. الخبر ضايق الرئيس الموريتاني، كما يبدو، فأقسم، حسب ما أكدته مصادر قريبة منه، أن يدفع تقدمي ومديره ثمن التجرؤ على اقتحام أَجَمته، ومربض ليوثه الذين يتعلمون مهنة افتراس الوطن. إن هذه القصة تعبر في شكلها و فحواها عن استهتار هذه الشرذمة التي تحكم البلاد بمواطنيه، و اعتبارهم الدولة مجرد مزرعة شخصية، يسخّرون أبنائها لفِلاحتها، ثم يحصدون غلتها. شاب موريتاني، نشأ يتيما، ثم تغرّب سنوات ليتلقى تعليمه خارج البلاد.. كانت أمه تبيت على الطوى من أجل أن توفر له ما يسد به خَلة الاغتراب، وحين عاد إلى وطنه، وحصل على وظيفة، خطا بها قيدَ رمح على درب الحياة الطويل.. ثم بنى عشا يأويه و زوجته، و “أفراخا زُغبَ الحواصل” يربّون أملا بإنجابهم.. و في رفة جفن تنهار أحلامه، التي دهدهته أكفها منذ سنوات الاغتراب.. لا لجرم اقترفه، أو خطأ ارتكبه، و إنما لأن أخاه الصحفي نشر خبرا لم يرُق لابن “صاحب الفخامة”. كأنهما ليسا مُواطِنِين متكافئين، حتى يعصف بمستقبل أحدهما، و بأحلامه.. لأن من يمت له بآصرة أخوة، عكّر مزاج الآخر بنشره خبرا عن نشاطاته المشبوهة.. تتم التضحية بالتجاني نكاية بأخيه الذي عكّر مزاج أحمدُّ.. وكان الله خلق ابن الرئيس من عجينة مسك وعنبر، وسوّى التجاني من حمإِ مسنون.. كأن المواطنة تتفاوت بين أبناء هذه البلاد، فابن الرئيس مواطن وافرُ الحقوق، (حتى أن من حقوقه أن تستلب له حقوق الآخرين). و لا مبرر لذلك الامتياز سوى أن والد التجاني لقي الله وهو لم يظلم بشرا، ولا غمطه حقا، ولا نهب من مال المسلمين، و لا ثلم من حقوقهم.. أما أحمد فابن جنرال انقلابي، مستبد، نهب البلاد، وسلب العباد، و لم يخش لقاء ربه يوم الميعاد. لهذا كان جديرا بالتجاني أن يُوطَأ بمناسم صلف الجنرال وعنجهيته، حتى تهلل أسارير أحمدُّ. القصة تحكي عمق مأساة هذا الوطن الذي يتحكم فيه الطغاة.. عمق مأساة المواطن، الذي يمكن أن تُصلم أذناه إذا لم يعجب شكل وجهه أبناء الجنرال. لقد أفرغ “عُدي” حشو مسدسه في صدر فتاة، فقتل في قرارة نفسها كل “رجاء”.. أما المهذب “قصي” فقد علموه أن يذبح ضحيته بمدية باردة.! اللهم عليك بالظالم.. اللهم إنا مغلوبون فانتصر..!
حنفي ولد دهاه
نقلا عن تقدمي