الواقع بين الاعتبار النظري و الغياب العملي / الولي ولد سيدي هيبه
السياسي هو الشخص الذي يشارك في التأثير على الجمهور من خلال التأثير على صنع القرار السياسي أو الشخص الذي يؤثر على الطريقة التي تحكم المجتمع من خلال فهم السلطة السياسية وديناميات الجماعة. تعريف “المثقف هو الإنسان الذي يدافع عن قيم ثابتة بأشكال متحولة :
ثابتة لأنها تدافع عن حق الإنسان في وجود كريم، ومتحولة بسبب تجدد القيود التي تدمر معنى الحق والإنسان معاً”. فيصل درَّاج. نظريا، عقول الغالبية العظمى من سياسيينا و مثقفينا يقظة أبدا تتحسس بقوة استثنائية مواطن كل المنافع الضيقة و ما يتاح من قابلية تحقيق المطامح الفردية، فلا تفوت أية فرصة للوصول إليها مهما كان بعدها في الحيزين الزماني و المكاني؛ نظريا، تتمتع هذه الفئة الكبيرة بقرون استشعارية قوية تحدد لها بدقة و بسرعة فائقة مكامن الخطر المحدق المتربص بمصالحها الفردية و الجماعية الضيقة فتطلق العنان لمخزون ممارساتها الفردية الجريئة و الجماعية الضيقة لتطلق العنان لانفعالاتها النفسية و لتتدفق في أوردتها سمومها الدفاعية؛ نظريا، تدعي في نرجسية أن أفرادها هم دون سواهم أهل “معرفة” دينية وعلمية دنيوية محيطة و أصحاب أدب طافح بأجل لغة و أدقها وصفا للأحاسيس و أعلاها ضبطا للسلوك الآدمي الأمثل؛ نظريا، تؤيد أن الذين حملهم و يفعل ذكاؤهم الحاد إلى النبوغ و الظهور في كل الأمصار التي يؤمونها أو يتخذونها موطنا و يتصدرون في حقول العلم و المعرفة التي تحتضنها في دوائرها كل الترتيبات الأولى و يحملون أكبر درجات المسابقات و أكثر الشهادات علامات و أعلاها في سلم التقويم؛ نظريا، يتغنون بأنهم حماة الوحدة الوطنية بما تحمله صدورهم من إيمان و قدرة على توزيع العدالة و نشر المحبة و كسر الحواجز النفسية بين أفراد المجتمع بكل مكوناته و رأب أي صدع و تحقيق اللحمة؛ نظريا، هم الموهوبون و المفوهون المالكون زمام الخطابة و سحر البيان و قوة المنطق و رجحان العقل؛ نظريا، هم الأقدر و الأجدر بتوزيع خيرات البلد و تسيير خيراته و ضمان بناء صرحه؛ نظريا، هم قادة أمة أوجدهم الله لتكون مختلفة على أيديهم عن غيرها من أمم الأرض و أنهم خصوها وحدها و أضفوا عليها بكل ما تقدم من جميل صفاتهم قشيب حلل المعاني و الرفعة؛ نظريا لديهم أحزاب و نقابات و مجتمع مدني تلبي كلها الحاجات السياسية و النضالية و الحقوقية و تدفع البلد بألمعيتها و جهودها و عطائها إلى الدولة المكتملة الأركان الموجهة الخطى باتجاه الكمال الجمهوري الذي يحفظ العدل و الحرية بميزان القانون و في ظل الدستور و أنهم بحكم كل ذلك هم من يصدق فيهم أنهم الاشخاص الذين يشاركون في التأثير على الجمهور من خلال التأثير على صنع القرار السياسي و يؤثرون على الطريقة التي تحكم المجتمع من خلال فهمهم السلطة السياسية وديناميات الجماعة. و لكنهم في واقع الأمر لا يزلون الغالبية العظمى فقط، الذين تسكنهم إلى حد الانفصام الـ”أنا” المتضخمة؛ تلك التي لا تترك للنقد الذاتي البناء أي حيز و لا تقدر مقتضيات الحياة من حولهم؛ و تسكنهم في الشعور و اللاشعور رواسب ماضي تاريخ البلد الذي لم يشهد يوما نسقا واحدا و لم يتجسد أبدا في وجه حضاري موحد قائم و ثابت حيث تقاسمت “تغييب” تلك الصفة الحضارية الجليلة – على العكس من ذلك – كل من البداوة و ترحالها و المدنية بضعف ملمحها المجسد في شدة انحسارها بعمق الصحراء الموحشة الجرداء و اعتمادها في المدد الذهني و المعرفي و التنطيمي و المادي على حراك قوافل بطيئة محفوف بعوامل تشتيت الذهن و الافتقار إلى مقومات الحياة المادية… رواسب ماضي على الرغم من حسن بعض أوجهه، إلا أنها قد وطنت النفوس على قساوة طبيعتها و الخواء الحاصل من عزلتها فاكتسبت “حربائية ” التكيف و “مغالطة” عدائية المحيط و نواميس طبيعته. و يسكنهم حب الذات في انحسارية محيرة تجلت مطلقا في البحث المبكر- كالفهود التي لا تصطاد إلا منفردة و تبعد لأقل الأسباب كل ما يعترض سبيلها – عن كل سلاح أو وسيلة إلى ذلك باتخاذ مسلك فريد هو أشبه ما يكون في تحجره بالعقائدية المسلكية الشاذة؛ كما يسكنهم سحر الحاضر المرصع بسهولة نيل خيرات البلد بأسلحة السطو و النهب و الاحتيال بتسخير وسائل الحداثة و تحريفها عن مقاصدها النبيلة على أوتار غنائيات الماضي في تغييب تام لإرادة الاستشراف و حماية البلد من السقوط في شراك الارتجال. هي إذا الصورة القاتمة التي يرفض الجمود على قشور اللعبة السياسية دون لبها الاعتراف بها واقعا مقيدا من جهة و استسلام الطبقة المثقفة لوضعيتها المريرة التي تحجب عن ناظريها آفاق الأمل و تسد أمامها مجاري روافد العطاء و تكمم أفواهها عن نقد الواقع بشتى أبعاده الاجتماعية و الثقافية و السياسية من جهة أخرى حتى تسهم و توجه و تشارك في العمل على رفع التحديات الجمة و دعم قواعد دولة القانون و الحكامة الرشيدة و بعث الروح الوطنية الفاترة و المشتتة بين غياب مفهوم الدولة في الأذهان و ضعف الحس الوطني الثاقب و إذ المثقف على لسان فيصل درَّاج “هو الإنسان الذي يدافع عن قيم ثابتة بأشكال متحولة : ثابتة لأنها تدافع عن حق الإنسان في وجود كريم، ومتحولة بسبب تجدد القيود التي تدمر معنى الحق والإنسان معاً”.