نعم، عاد ولد عبد العزيز لكن الحقيقة لم تعد / سيدي علي بلعمش
المجلس الدستوري الموريتاني هيئة سياسية بل من أسوأ الهيئات السياسية و أقلها أهلية و مهنية لارتباطه المخجل بالقرار الرئاسي؛ لم يفت قط بما يخالف إرادة الرئيس و لم يتدخل قط في أي شأن من صلب تخصصه من دون طلب من الرئيس و قد تمثلت كل عيوبه في القرار رقم 004/2009 بتاريخ 15 ابريل 2009 :
حيث رفض (المجلس الدستوري) في هذا القرار ذكر اسم الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله بتعمد، كرئيس شرعي للبلاد و تجاوز الدستور و القانون و جعل المجلس العسكري المنقلب على الشرعية و الخارج على الدولة والقانون المرجع الوحيد لحكمه القضائي .. لقد كان هذا القرار سابقة خطيرة في شذوذ “المجلس الدستوري” و جرأته على تجاوز النصوص الدستورية وكان مخجلا و مسيئا إلى الجمهورية و قوانينها باعتباره في مأمن من المحاسبة لتمنعه في أحضان الأقوياء، ليس إلا.. و حين يقول من يعتبره بعضكم رئيسا للجمهورية “ما الدستور إلا أشياء نحن من صنعها و بأيدينا أن نرميها و نستبدلها بما نريد في أي لحظة” أو ما هذا معناه، و هو الحامي الأول ـ في قسم تسلم مهامه ـ للقانون و الدستور و لا تفهمون أنكم تعيشون تحت “قيادة” تضع نفسها في حل من الدستور و القانون ؛ إما أن تكونوا خارجين على القانون مثلها و إما أن تكونوا مثلها تعتقدون أن جهلكم للقانون يعفيكم من المساءلة القانونية و “لا عذر لأحد في جهل القانون” و إن كانت العبارة ترجمة سيئة من القانون الفرنسي (Nul n’est censé ignorer la loi) التي تعني أن جهلنا للقانون لا يكفي لإعفائنا من عقوبته، و هو مبدأ قانوني يبدو أن المجلس اللا دستوري الموريتاني يميل إلى استبداله بمبدأ قانوني أكثر واقعية في فقه الضرورة : (Nul n’est censé juger son patron). و مع أن مسألة الشغور بطبيعتها متروكة لتقديرات الرئيس و رئيس الجمعية الوطنية و الوزير الأول إلا أن خلل النظام في موريتانيا و الصلاحيات غير القانونية التي يمنحها زعيم العصابة لنفسه و عدم أهلية بقية الجهات و ارتباطها المصيري بقرار “الرئيس” و كل عيوب غياب نظام فصل السلطات و مركزية القرار و ضعف الرأي العام و تبعية الإعلام و تمييع كل شيء، تجعلنا أمام لغز بلا حل ، أسوأ من يعطي رأيا فيه هو القانون ، تماما مثل ما حصل يوم 16 إبريل 2009 حين نشرت مبادرة الدفاع عن الدستور(مدد) رأيها الاحتجاجي على انتهاك الدستور و تجاوزات المجلس الدستوري. و قد ذكر المجلس الدستوري نفسه في الحيثية الرابعة من قراره (004/2009 بتاريخ 15 ابريل 2009) : “وحيث أن منصب رئيس الجمهورية لا يتحمل الفراغ ولو لحظة واحدة، لما يترتب على ذلك من المفاسد الكبيرة، مما يجعل الأمر ذا طابع استعجالي وملح”.، فيما لا نرى أي تحرك اليوم من رئيس الجمعية الوطنية و لا من الوزير الأول لإعطاء أي تفسير لغياب “الرئيس” المستوفي شروط الشغور و غير المبرر بسوى قدرة الأجهزة الموريتانية العابثة، على تجاوز القانون و احتقار الشعب و الدستور. حتى أن المشرع لم يعط رئيس الجمعية الوطنية و الوزير الأولسلطة تقديرية مطلقة في تقديم الطلب أو تركه لأن الحق عام لا يجوز التنازل عنه لاعتبارات خاصة.، كما جاء في استشارة ذ/ محمد سيدي ولد عبد الرحمن التي نشرت على المواقع في 18/10/2012 و التي يستند هذا المقال إليها كمرجعية .. و لا فرق بين عودة الرئيس اليوم و بقاؤه في فرنسا عدة أشهر أخرى، ما لم يقرر الامتثال للقانون؛ فلا مبرر منطقي لإخفاء حالته الصحية عن الشعب إلا أن يكون كشفها سيؤكد عجزه أو لأنه يحتقر الشعب و القانون و كلاهما جرم يفقده الأهلية القانونية. وقد كان الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران يلتزم ـ احتراما لقوانين بلده ـ بنشر كشوف فصلية عن حالته الصحية لطمأنة مواطنيه على قدرته على تحمل أعباء الحكم و حرصه على الالتزام بالقوانين التي يستمد منها صلاحياته، عكس القوانين عندنا التي تستمد صلاحيتها من رئيس عصابة، لا يستمد شرعية بقائه إلا من “بازيب” و قيادة الطيران العسكري و مواقع و روابط “هابا” المخجلة. لقد تحولت ” و لو لحظة واحدة” في بلدنا إلى أيام و أسابيع و أشهر و أعوام ، تغير فيها رئيس المجلس الوطني و الوزير الأول و رئيس حزب الحاكم و مات مدير كريديم و أصبح بيرام يتطلع إلى جائزة نوبل و ولدت “داعش” و منتدى المعارضة و ّشرطة مسقارو” و ما زال شغور منصب الرئاسة عندنا يبرر بصورة كاذبة على صفحة ولد عبد العزيز على الفيس بوك و ذهاب تكيبر إلى السعودية كأن الشغور عند أجهزتنا المختصة لا يتم إلا بالموت، خلافا لما جاء في المادتين (40 و 41) من الدستور الموريتاني. و لا شك أنه من المضحك أن ينص دستورنا المغلوب على أمره و المتجاوز في كل تفاصيله على أنه من واجب المجلس الدستوري ـ حين يتلقى طلبا من رئيس المجلس الوطني أو الوزير الأول ـ و هو شرط إعجازي بكل تأكيد ـ “النظر، من منطلق كونه هيئة حكم عليا، فيما إذا كان شغور منصب الرئاسة قائما، وللمجلس أن يعاين المنصب، وأن يطلب من الأطباء الذين عاينوا الرئيس رفع شهادات طبية عن حالته، تحدد فترة عجزه المؤقت عن العمل(ITT) وللمجلس أن ينتدب أطباء محايدين لمعاينة الرئيس المريض في مشفاه وإصدار شهادات طبية عن وضعيته الصحية، وما إذا كان للحادث تأثير محتمل على قدراته وقيامه بمسؤولياته مع عدم إغفال ما إذا كانت العودة السريعة لمسؤوليات الحكم ضارة بصحة الرئيس نفسه” .. “أن يتحرى عن المصالح العامة المعطلة ومدى استعجالها وله أن يستجوب أعوان الرئيس المباشرين حول الملفات العالقة لأخذ صورة عن دواعي الاستعجال مع تقدير أن أغلب أمور الحكم لا تحتمل التراخي وإنما تتطلب التصرف في الوقت المناسب” .. و حتى لو حصل كل هذا بمعجزة حقيقية ، فمن سيحدد للمجلس الدستوري “أعوان الرئيس المباشرين” ؟ و بأي صفة قاونية ـ إذا ألهم الحق أو سأل العارفين عن حقيقة ما يجري ـ سيسأل بهاي ولد غدة و أحمد باب ولد اعزيزي و ولد احريطاني و قائد “بازيب” و بنات الشيخاني اللتين تدفعان “ثمن الولاء الصادق”، خيرة و “توتو التي سيشهد لها التاريخ أنها أول من أطلق القاطرة الفعلية لعملية إشراك الشباب في الحكم”؟؟؟ نحن نعيش سخرية قدر حقيقية لا أحد يقدر بشاعتها و تشعبها و اتساع رقعتها و خجل تفاصيلها.. نحن بحاجة إلى اختراع مفردات جديدة للتعبير عن مأساتنا.. نحن بحاجة إلى من يفهم ما تعجز كل التعابير عن نقله .. ما تعجز كل اللوحات عن تجسيده .. بحاجة إلى ثورة على القاموس .. إلى الارتطام بجدار غادة السمان: “من يضربني على رأسي بعصا الهذيان كي يومض برق الحقيقة في عيني” لمصلحة من، أن نسكت عن هذا الهذيان المقزز ؟ لمصلحة من، أن نترك عصابة بدائية لا تؤمن بقانون و لا أخلاق و لا قيم، تدمر بلدنا و تحتقر شعبنا؟ لمصلحة من، أن يصبح الحلاق رئيس أكبر رابطة صحافة في البلد .. و سائق الشاحنة رئيس دولة .. و نادل المقهى رئيس مجلس الشيوخ .. و المبلد المغرور صاحب أهم افتتاحية في البلد؟ لمصلح من، أن ندمر موريتانيا و نحولها إلى أضحوكة أمام العالم؟
ما يحدث في موريتانيا اليوم لا يمكن لأي كائن على وجه الأرض غيرنا أن يصدقه ..
ـ حين تضيق الأرض بولد عبد العزيز و تقول السفارة الأمريكية إنها مرت على عدة مكاتب تصويت و كان الإقبال فيها شبه منعدم، يوزع ولد عبد العزيز مائة ألف أوقية على أئمة المساجد ؟ هؤلاء هم حماة الدين و أصحاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فما حكم من يصلي بمن يستهين بأمانته و خلافته في الأرض إلى هذا الحد؟ ـ حين يقترب موسم الانتخابات و تنزل المعارضة إلى الأحياء الشعبية لتوعية الناس، تقوم أجهزة ولد عبد العزيز بتوزيع “ياي بوي” على الأحياء الشعبية : أي احتقار هذا للمواطن؟ .. تمعنوا جيدا في من هذه نظرته للشعب و هذه آليته للحكم، لتدركوا كم يحتقركم و يستخف بعقولكم..؟ ـ حين يختفي “الرئيس” و تتضارب الأنباء حول حالته الصحية تختفي الوكالة الموريتانية للأنباء؟ لقد خاننا القدر فحبذا لو اختفت تلك الدودة الزائدة إلى الأبد.. ـ بعد يومها التاسع و بعد تكسير عظام زوجاتهم على أيادي الأجهزة الأمنية في أزويرات ، يقوم حزب الحاكم بإيفاد وفد إلى مسيرة عمال الحراسة المحتجين على شركة (MSB)، بعد وصولهم “يقرف” ليذرف أمامهم دموع التماسيح، مدعيا تبني قضيتهم بتوجيهات من القائد العظيم، كأنه يخفى على أحد اليوم في البلد أن ثمة من يستطيع استباحة رواتب العمال غير مقرب من ولد عبد العزيز، طليق اليد ؟ و يكفي المعارضة انتصارا أن يحل ولد محم قضيتكم حتى لا توظفها المعارضة لصالحها، لكننا في انتظار النتائج و إن كنا متأكدين مما سيحدث بالضبط : ستقوم المافيا بوسائلها المعروفة، بالانفراد ببعضكم بعد زصزلهم نزاكشوط، لإقناع الآخرين بوعود كاذبة و العودة من حيث أتيتم، لتطلقوا صراخكم بعد فترة وجيزة من دون التفكير في مسيرة عبثية أخرى؛ لأن العصابة ترفض أن تُعودَ العمال على تلبية مطالبهم و ترفض أن تكون الاحتجاجات المنظمة وسيلة لاسترجاع الحقوق .. و إذا حصل غير هذا ، احسبونا إلى الأبد من أكذب الكاذبين.. ـ تتبجح زبانية ولد عبد العزيز بأنه يعطي قدرا غير مسبوق من الحرية .. و رغم أننا نعذرهم في فهم الحرية و نعذرهم أكثر في عدم فهم أن ولد عبد العزيز لو كان الأمر بيده لصار يبيع الأوكسيجين للناس، إلا أننا نسألهم ، ماذا يستطيع ولد عبد العزيز أن يفعل ـ في مجال محاربة الحرية ـ أكثر من تجويع كل المناهضين لاستباحته لهذا الوطن البائس، من مواقع و أحزاب و منظمات غير حكومية ؟؟ لقد أفسد ولد عبد العزيز الصحافة و أفسد الحرية و أتخم الساحة بعقول بائدة، تحولت في غفلة من الجميع إلى رموز إعلامية، تتكلم في الإذاعات و القنوات الفضائية و تكتب في المواقع حتى صدقت أنها أصبحت صحافة و أن ما تكتبه و تقوله، مما يعتبر إساءات إلى الصحافة أكثر من أي شيء أخر ، آراء جديرة بالاحترام ؛ لا أحد يسيء إلى الحرية أكثر ممن يعتقد أنه يمكن أن يعطيها و لا أحد أجهل بمعانيها أكثر ممن يعتقد أن هناك من يستطيع أن يمنعها .. أعتقد شخصيا و سترونها حتما قريبا بإذن الله، أن ولد عبد العزيز سيصلح موريتانيا لتصبح من أهم الدول التي لا يستطيع أي مسؤول أن يفكر في تجاوز القانون فيها و لا يستطيع أي تاجر التحايل على الناس و لا يستطيع أي جهاز حكومي التنازل عن مثقال من مسؤولياته: لقد بطشت عصابة عزيز و طرابلسية تكيبر في كل شيء حتى أصبحنا نعيش في غابة حقيقية و سيكون على من سيأتون بعدهم أن يعاقبوا كل من عبثوا بكل شيء و في كل مجال و سيكون قطعا على رأسهم الوزير الأول السابق و الحالي و رئيس الجمعية السابق و الحالي بسبب التنازل عن مسؤولياتهم في ما يخص عجز الرئيس الذي ستثبت الأيام القليلة القادمة أنه اكتمل الشروط القانونية منذ 13 أكتوبر …