حديث فى الإنقلابات/ السفير باباه سيدي عبد الله
يصنف أستاذ العلوم السياسية،مصطفى بن شنان،الإنقلابات إلى خمسة أنواع:
1- الإنقلاب الكومبرادوري. وكلمة (كومبرادور) فى البرتغالية تعني (المشتري)، وقد أطلقت فى الأصل على الوسيط الصيني الذي يسهل الصفقات المالية والتجارية بين بلاده والأوروبيين، خاصة فى تجارة الشاي والحرير والقطن.
2- الإنقلاب التقليدي المحافظ،
3- الإنقلاب الطبقي، أي الناجم عن تفاقم صراع الطبقات،
4- الإنقلاب الثوري،
5- الإنقلاب الإنسدادي ،أي الناتج عن انسداد فى الإنتقال السياسي.
و يتسق هذا التصنيف مع نماذج السيطرة على الحكم التي عرفتها المجتمعات الإنسانية، والتي لا عبرة فى تغيُّر أسماءها من مفكر إلى آخر. و بإخضاع أبرز الإنقلابات العسكرية الموريتانية لهذه التطبيقات،يمكن تصنيفها على النحو التالي:
1- انقلاب 10 يوليو 1978 : كان انقلابا من النمط (التقليدي المحافظ)،وإن كان قادته قد تأثروا بنموذجيْ الضباط الأحرار فى مصر وليبيا،دون أن تكون لهم رؤية سياسية تتجاوز ما بعد إنهاء حرب الصحراء.
2- انقلاب 12 دجمبر 1984 :ارتكز على نموذج (التحكم والتحييد) الذي يعمل خلف الكواليس معتمدا على جماعات ضغط عشائرية واقتصادية تضمن استدامته وتأقلمه مع الظروف الطارئة.
3-انقلاب 3 أغسطس 2005: اعتمد نموذج (الوسيط الليبرالي)، فحدد سقفا زمنيا لفترة حكمه، وسلم السلطة إلى المدنيين، وأجَّل طموحات قائده الذي ترك القصر الرئاسي وعينه عليه.
4- انقلاب 6 أغسطس 2008: قام على نموذج (الحاكم التدخلي) الذي لا ثقة له فى المدنيين، ويعتقد أن المقاربة العسكرية فى الحكم والتسيير مضمونة النتائج، لأن “القائد دوما على صواب”، وكل قبول منه للحوار هو إهانة لنفسه ” الأبية”!!!!! بَيْدَ أنَّ أهم ما يجمع الأنظمة الإنقلابية الموريتانية هو التناقض الذي يقع فيه قادتها عند ممارستهم للحكم.
فالسمة الغالبة هي تحكُّمُ القائد الإنقلابي فى رقاب العباد وخيرات البلاد، وصرفُه جُلَّ اهتمامه إلى رعاية مصالحه الخاصة، و مصالح العشيرة والحاشية،و تفوقُه على “النظام البائد” فى التودد للقبيلة والإعتماد عليها، وفى تهميش الشباب، وفى تفصيل ديمقراطية شكلية على مقاسه، و فى التلاعب بإرادة وعقول الجماهير.
ودرجات الوقوع فى هذا التناقض متفاوتة لدى انقلابيي موريتانيا بتفاوت مستوياتهم فى الحصافة والقدرة على المناورة الظرفية مع المحيط القبلي و مع الحاشية.
فمنهم من نجح فى صرف النظر عن شخصه إلى حاشيته، و حمَّلها أوزار نظامه، ومنهم من جمع كل شيء فى يديه، فتحمل أوزاره وأوزار عشيرته و نظامه.
و ككل دول العالم الثالث، عانت موريتانيا من تبعات ازدواجية المعايير لدى الغرب الذي يمنح الأنظمة الإنقلابية السابحة فى مجراته صكوك الصلاحية الديمقراطية.
أوَ أليس الغرب من أفتى بالتكفير عن الإنقلاب العسكري بالإستقالة من الجيش؟ وكأن الإستقالة تجُبُّ ما قبلها من وأد أحلام الشعوب فى ديمقراطية حقيقية تعضِّدها تنمية مستدامة لا تتحقق إلا فى ظل الإستقرار!!!!!
فعندما يستقيل القائد الإنقلابي من الجيش، يصبح “مدنيا” بالقوة، إلا أنه يظل “عسكريا” بالفعل، ويطول مخاض التحول فى ذهنيته وسلوكه،حتى يزيحه قائد عسكري آخر ،بعملية قيصرية، فنكتشف أن المُزاح، الذي كنا نعتبره قائدا ملهما وفذا، إنما كان مجرد رقم استدلالي عابر.