أين هو “العملاق الذي يتحدى الزمن “؟

بدءا لابد من القول بأننا أمام قصة في غاية الغرابة والإثارة ، بطل هذه القصة عملاق من نوع خاص، إنه عملاق يتحدى الزمن، ويتحدى القانون، ويتحدى المنطق، تماما كالعملاقة الذين يمكن أن تقرؤوا عنهم في قصص وروايات الخيال العلمي..

الفرق بين عملاقنا الذي ستتحدث عنه هذه القصة، وعمالقة قصص وأفلام الخيال العلمي، هو أن عملاقنا ليس مجرد عملاق خيالي، وإنما هو عملاق حقيقي، أو هكذا كان يفترض به أن يكون، ولكن ورغم ذلك ، ورغم أن أحداث قصتنا هذه هي أحداث واقعية ، إلا أننا مع ذلك سنعتبر بأنها مجرد قصة من قصص الخيال العلمي، أحكيها هنا لمجرد التسلية، لا أقل ولا أكثر.

وبما أنه قد جرت العادة على أن يتم تحذير طائفة من القراء من قبل قراءة قصص الرعب أوالخيال العلمي، أو من قبل مشاهدتها بعد أن تكون قد تحولت إلى أفلام، فإني هنا، وعملا بذلك التقليد، أحذر الأشخاص والمجموعات والشرائح والتجمعات السكنية التالية من قراءة ومتابعة أحداث هذه القصة :

ـ جميع العاطلين عن العمل

ـ كل الفقراء

ـ سكان “تيفيريت”

ـ جميع المشاركين في مسيرة الحراس القادمة من “ازويرات”

تبدأ قصة العملاق الكبير بصفقة غريبة من نوعها، سيبتلع بموجبها هذا العملاق 451 هكتارا من أراضي العاصمة، أو 800 هكتارا حسب رواية أخرى، وقد كان من المفترض أن يطل العملاق الكبير بعد عملية الابتلاع هذه، وتحديدا في فجر السادس من أكتوبر من العام 2013، ولكن العملاق لم يظهرفي ذلك اليوم بشكله المنتظر، وإنما ظهر بأشكال أخرى، كان من آخرها ظهوره من بين أكوام القمامة في إطار الحملة الحالية لتنظيف العاصمة.

تأخر ظهور العملاق الكبير لعام كامل، ومن المتوقع أن يتأخر لعام آخر، وكان من المفترض أن يغرم هذا العملاق الكبير بعشرين مليار أوقية لتأخره في الظهور، ولكن بدلا من أن يغرم، فقد تمت مكافأته، وتم منحه سلفة ضخمة من شركة “اسنيم”، وكان قدرها خمسة عشر مليار دولار!!

ألم أقل لكم بأننا أمام قصة أغرب من الخيال!!

دعونا نبسط قليلا هذه الأرقام الضخمة، فالمكافأة التي مُنِحت لهذا العملاق الكبير كانت تكفي لتوفير قروض صغيرة لخمسة عشر ألف عاطل عن العمل، وذلك بمعدل قرض بمليون أوقية لكل عاطل عن العمل، ولو أضفنا لهذه المكافأة الغرامة التي كان من المفترض أن يدفعها هذا العملاق الكبير لتمكنا من منح قروض لصالح 35 ألف عاطل عن العمل، أي أنه كان بإمكاننا، لو تمت إعادة توجيه ذلك المبلغ الضخم، أن نوفر قروضا لكل حملة الشهادات العاطلين عن العمل في موريتانيا، ولعدد من العاطلين عن العمل في الدول المجاورة.

ما كان يكفي لتوفير قروض صغيرة لتمويل مشاريع لصالح 35 ألف عاطل عن العمل من أبناء الفقراء، تم منحه، ولمرة واحدة، لشاب واحد من أبناء الأغنياء.فهل عرفتم الآن لماذا حذرتُ الفقراء بصفة عامة، والعاطلين عن العمل بصفة خاصة، من قراءة هذه القصة الخيالية؟

ولنفس الأسباب حذرتُ أيضا المشاركين في مسيرة الحراس من قراءة هذه القصة الخيالية، ولنفس الأسباب أحذر أيضا كل عمال “اسنيم” من قراءة هذه القصة، وذلك لأن هذا المبلغ الضخم الذي منحته شركة “اسنيم” للشاب المسؤول عن العملاق الكبير كان يكفي لأن يوفر حياة رغدة لكل العمال في هذه الشركة، وكان يكفي لأن يجعل عمال الشركة، وأبناء عمالها، وأبناء أبناء عمالها يعيشون حياة رغدة لن يرفعوا بعدها أبدا أي مطلب له علاقة بتحسين ظروف عملهم في الشركة.

ولأنه قد يقول القائل منكم بأن هذه سلفة قد منحتها شركة “اسنيم” للعملاق الكبير، وسيتم تسديدها في المستقبل، لهؤلاء أقول بأنه كان على العملاق الكبير أن يسدد 20 مليار أوقية (مقدار الغرامات) من قبل أن يعدنا بأنه سيسدد 15 مليار منحتها له شركة “اسنيم” بمنتهى السرية، وفي ظروف غامضة.

لقد كدتٌ أن أنسى قصة هذا العملاق الكبير، كما نسيت من قبله قصة المدينة العملاقة، مدينة رباط البحر، والتي كان الرئيس قد أعطى إشارة الانطلاق للبدء في تشييدها على شاطئ المحيط منذ ما يقترب من أربع سنوات، ولكن المدينة العملاقة لم تظهر حتى الآن، بل إنه لم يظهر أي شيء يدل على أن هذه المدينة ستظهر في المستقبل المنظور.

لقد كدتُ أن أنسى قصة العملاق الكبير، ولم يذكرني به من جديد إلا خبر قرأته في عدد من المواقع، وهو خبر يقول بأن هناك مجموعة تجارية تكفلت بتنظيف أربعة مقاطع من “تفرق زينة”، وبأنها وفرت لذلك ألف عامل، وعشر شاحنات، وأربعة آليات للشحن.

لا نقول لهذه المجموعة الرائعة إلا أنه كان عليها من قبل أن تتطوع، ومن قبل أن تشارك في حملة تنظيف العاصمة، أن تفي بالتزاماتها، وأن تقوم بتسليم المطار الجديد ، والذي كلف الشعب الموريتاني، حتى الآن، 32 مليار أوقية خارج الصفقة حسب تقرير مدعم بالوثائق كانت وكالة الأخبار المستقلة قد نشرته في وقت سابق، هذا فضلا عن مبالغ خيالية أخرى، تم نهبها من خلال عدم جمركة بعض المواد والسلع التي تستوردها هذه المجموعة، على أساس أنها تدخل في إطار المواد التي يحتاجها تشييد المطار، وذلك من قبل أن تبيعها في السوق، وهو ما كشف عنه تحقيق مدعم بالوثائق لوكالة الطواري الاخبارية.

فهل تعتفد هذه المجموعة الرائعة بأن حمولة عشر شاحنات من القمامة، ورمي تلك الحمولة فوق رؤوس أهلنا في “تيفيرت” سيجعلنا ننسى قصة العملاق الكبير؟

بالتأكيد لن ننسى تلك القصة، وسنذكر بها من حين لآخر. أما أهلنا في “تيفيريت”، والذين كنا قد حذرناهم من قراءة هذه القصة الخيالية، فلا نقول لهم، إلا ما قال لهم الرئيس ، والذي أكد لهم بأن القمامة لا تشكل عليهم خطرا.

فكم أنتَ رحيم بالفقراء يا سيادة الرئيس، وكم أنت رائع عندما تدعي بأنك تحارب الفساد.

فيا أهلنا في “تيفيريت” أبشروا، فالرئيس الذي يحبكم، كما يحب كل فقراء البلد، أراد أن يخفف عنكم مشقة السفر المتكرر بين “تيفيريت ” والقصر الرئاسي للاحتجاج وللمطالبة بغلق مكب النفايات في تجمعكم السكني. لقد ذهب إليكم الرئيس بنفسه ليطمئنكم، وليقول لكم بأن كب النفايات على رؤوسكم لن يشكل عليكم ضررا، وعليكم أن توقنوا بأنه لن يشكل عليكم ضررا، ويكفي أن الرئيس الرحيم بالفقراء قد قالها لكم ذات يوم مشهود من أيام القمامة.

فيا أهلنا في “تيفيريت” لا تحسبوا القمامة شرا لكم، بل إن فيها خيرا كثيرا لكم، وما عليكم إلا أن تناموا ملء جفونكم، فرئيس الفقراء تهمه صحتكم أكثر مما تهمكم، وإذا ما ساوركم شك في حب الرئيس لكم، وللفقراء بصفة عامة، فما عليكم إلا أن تسألوا الحراس الذين قدموا من “ازويرات” سيرا على الأقدام ، فمنعهم الرئيس من الدخول إلى العاصمة، شفقة بهم، حتى لا يتحملوا المزيد من مشقة السفر.

وتبقى كلمة لمن سيقرأ هذه القصة : لا خير فيكم إن لم تقفوا مع الحراس، وإن لم تناصروهم في مسيرتهم.

 

عنوان هذه القصة الخيالية هو لموقع الوكالة الموريتانية للأنباء، والذي كان قد نشر في يوم 28 ـ 05 ـ 2012 ملفا عن المطار الدولي الجديد، وكان هذا الملف تحت عنوان: “مطار نواكشوط الدولي الجديد… عملاق يتحدى الزمن”.

 

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى