كاتب بدعو للاحتفال بعيد الاستقلال تحت شعار: 54 تساوي 0
ستحتفل بلادنا يوم الجمعة القادم بالذكرى الرابعة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني، ومن حقها أن تحتفل باستقلالها كما تحتفل بقية دول العالم باستقلالها، ولكن من حقنا نحن أيضا كمواطنين بسطاء أن نطرح السؤال التالي: بماذا سنحتفل يوم الجمعة القادم؟
الجواب المباشر على هذا السؤال مع استثناءات قليلة محفوظة لأصحابها، وخاصة للجيل المؤسس، لا شيء..لا شيء تحقق، ولا شيء يدعونا للاحتفال بهذه المناسبة، فحصيلة 54 سنة من الاستقلال كانت تساوي صفرا.
وإذا كان لابد لنا من أن نحتفل بهذه المناسبة، فعلينا أن نحتفل بها، وأن نخلدها، ولكن تحت شعار كبير وعريض يقول بأن 54 سنة = 0 انجاز.
لا شيء تحقق، لا شيء إطلاقا، وذلك رغم أن بلادنا قد أنعم الله عليها بالكثير من الخيرات والموارد الطبيعية، وهي موارد وخيرات كانت تكفي لأن تنهض خلال 54 سنة، ومن الصفر، بدولة شعبها يقدر بمئات الملايين، وأن تجعل شعب تلك الدولة يعيش في رخاء ونعيم، فكيف إذا تعلق الأمر بدولة كدولتنا لا يتجاوز عدد سكانها نصف سكان مدينة الجزائر، ويتساوى مع عدد سكان مدينة الدار البيضاء؟
أليس من حقنا أن نتساءل اليوم عن الأسباب التي جعلتنا نفشل، وعلى كل الأصعدة، بعد 54 سنة من ميلاد الدولة الموريتانية؟ أليس من حقنا أن نتساءل عن الأسباب التي جعلت بلدا كبلدنا لديه من الموارد الطبيعية ما لديه، ولا يسكن على أرضه إلا حفنة قليلة من البشر، ومع ذلك فهو ما يزال على هذا الحال رغم مرور 54 سنة على استقلاله؟
الطريف في الأمر أننا كنا نسمع في كل يوم، من الأنظمة التي تعاقبت علينا، نظاما بعد نظام، وانقلابا بعد انقلاب، وخلال الأربع والخمسين سنة ماضية، أن بلادنا تحقق قفزات نوعية في شتى المجالات، فهي تحقق قفزات نوعية في التعليم كلما تحدث وزير التعليم أو أي مدير في قطاعه، وهي تحقق قفزات نوعية في الصحة كلما تحدث وزير الصحة أو أي مدير في قطاعه، وهي تحقق قفزات نوعية في مجال التشغيل كلما تحدث وزير التشغيل أو أي مدير في قطاعه، وهي تحقق قفزات نوعية في تباعد الولادات كلما تحدثت وزيرة المرأة أو أي مدير في قطاعها، وهكذا في بقية الوزارات..
ولو أننا جمعنا حسابيا كل هذه القفزات التي تحققت خلال الأربع والخمسين سنة ماضية، وفي مختلف المجالات، لوجدنا أن بلادنا قد خرجت من كوكب الأرض، وبأنها أصبحت تقع على كوكب المريخ أو على أي كوكب آخر، هذا إن لم تكن قد خرجت من المجموعة الشمسية برمتها بفعل تلك القفزات النوعية التي ظلت تتكرر يوميا وفي مختلف القطاعات، وخلال الأربع والخمسين سنة الماضية.
المصيبة أن بلادنا ما تزال على كوكب الأرض، وما تزال في قاعه، تتصدر الدول الأكثر فقرا، والأكثر فسادا، والأكثر أمية، والأكثر ممارسة للرق، والأكثر تخلفا على هذا الكوكب.
كثيرة هي الحروب التي خضناها خلال الأربع والخمسين سنة ماضية، حاربنا الفقر، وحاربنا الأمية، وحاربنا السمنة، وحاربنا البلاستيك، وحاربنا زواج القاصرات، وحاربنا الفساد، ولكننا كنا نكتشف بعد كل حرب، بأن العدو قد انتصر علينا وازداد قوة، وبأننا نحن قد هزمنا شر هزيمة، وبأننا قد ازددنا ضعفا.
ولأن الفساد يعد من بين أهم الأسباب التي جعلت الحصيلة تساوي صفرا، ولأن الحرب على الفساد هي من آخر حروبنا، فإنه قد يكون من المهم، وبمناسبة الذكرى الرابعة والخمسين للاستقلال، أن نتوقف قليلا مع الحصيلة التي حققناها بعد ست سنوات من الحرب “الشرسة” على الفساد.
لا شيء تحقق، سوى أن الفساد قد تفشى أكثر في بلادنا، وأننا أصبحنا نعيش لا مركزية حقيقية في الفساد، ففي كل يوم أصبحنا نسمع عن نهب مئات الملايين في كل مدن الوطن، ولعلكم سمعتم في الأيام الأخيرة عن عمليات نهب واسعة في نواذيبو ولعيون وكيفة..
لا شيء تحقق من الحرب على الفساد سوى أن المفسدين قد ازدادوا جرأة على التحدث علنا عن فسادهم، فهذا أحدهم يعلن وبكل جرأة، بأنه كان ينهب في كل سنة أربعة مليارات من أموال الشعب الموريتاني ودون وجه حق، وبدلا من أن تتم معاقبة هذا المفسد الجريء، فإذا بوزير العدل يمتدحه في البرلمان!!
المستفز في الأمر كله هو أن “مفجر” الحرب على الفساد سيزور غدا هذا المفسد الجريء في مدينته، سيزوره ودون أن يمر من قبل ذلك بمائتي حارس من ضحايا هذا المفسد يرابطون على مشارف العاصمة منذ ثلاثة أسابيع، ومن المحتمل أن يتبادل الرئيس والعمدة الخطب، وسيتحدثان ـ وكالعادة ـ عن إنجازات هائلة، وعن قفزات نوعية تحققت في شتى المجالات خلال السنوات الست الأخيرة.
ما أريد أن أقوله هنا هو أن الحرب على الفساد كان من الواضح ومنذ الإعلان عنها بأنها من حروبنا الخاسرة، ولكن، ولأن لكل حرب حادثة أو معركة معينة يمكن أن نؤرخ بها للهزيمة، فإنه يمكننا أن نعتبر بأن يوم لقاء الرئيس بعمدة ازويرات هو يوم إعلان الهزيمة في الحرب على الفساد.
وفي العادة فإنه عندما تخسر السلطة الرسمية وجيشها أي حرب، فإنه يكون من واجب الشعوب أن تعلن عن انتفاضتها. لقد خسرت السلطة الحاكمة حربها على الفساد، ولذلك فإنه على الشعب الموريتاني أن يعلن، وتزامنا مع لقاء الرئيس بالعمدة، عن انتفاضته ضد الفساد، وهي الانتفاضة التي أصبح الإعلان عنها يشكل ضرورة ملحة، حتى لا نظل نكتشف مع كل ذكرى لاستقلالنا بأن انجازاتنا كانت تساوي صفرا.
وهنا لابد من أن أذكر بالفرق بين الحروب الرسمية والانتفاضات الشعبية، فإذا كانت الحرب ـ أي حرب ـ لابد لها من قائد وجيش وأسلحة، فإن الانتفاضة لا تحتاج لأي شيء من ذلك، فهي لا تحتاج لقائد، فالكل يمكن أن يلعب دور القائد، وهي لا تحتاج لأسلحة، فكل شيء متاح يمكن أن يستخدم في الانتفاضة كسلاح، حتى نظرة ازدراء تلقيها على مفسد تقابله صدفة على قارعة الطريق يمكن أن تكون سلاحا فعالا.
فعلينا نحن ضحايا الفساد أن ننتفض، ومن الآن، ضد الفساد، وعلينا أن نعلم بأن المفسدين لن يقودوا بالنيابة عنا حربا بالوكالة ضد الفساد..هذه حربنا نحن، شئنا أم أبينا، ولا يجوز لنا أن نطلب من الآخرين أن يحاربوا بالوكالة عنا.
فيا ضحايا الفساد كفى تخاذلا، وكفى هروبا، فقد آن الأوان لأن تنتفضوا ضد الفساد والمفسدين.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل