مفسدون يستحقون التكريم!!
لم أكن مقتنعا بجدية الحرب على الفساد منذ الإعلان عنها بعد انقلاب السادس من أغسطس من العام 2008، ولكني مع ذلك لا أستطيع أن أنكر بأن السلطة الحاكمة قد وُفقت كثيرا في الإعلان عن تلك الحرب، وفي توقيت الإعلان عنها، وفي الانفراد برفع شعارها، ولقد استفادت السلطة كثيرا من ذلك الشعار الذي استطاعت من خلاله أن تستقطب الكثير من ضحايا الفساد في هذه البلاد، وما أكثر ضحايا الفساد في هذه البلاد.
لقد تمكنت السلطة الحاكمة من خداع الكثير من الموريتانيين برفعها لذلك الشعار، ولتبيان ذلك، دعونا نتوقف مع بعض المخدوعين من خلال الأمثلة الثلاثة التالية:
المثال الأول : سيدة فقيرة ربة أسرة في مدينة كيفة، كانت من أنصار الحرب على الفساد، وكانت من داعمي قائد هذه الحرب، ومع ذلك فقد كان يتم التحايل عليها مع نهاية كل شهر، ولمدة أربع سنوات كاملة. ما حصل مع هذه السيدة حصل مع كل سكان مدينة كيفة، وسيلبابي، وروصو، وكيهيدي، وربما يكون قد حصل مع بقية المدن الموريتانية الأخرى.
كانت عمليات التحايل تلك تحدث بانتظام ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحاكمة خلال كل تلك السنوات تفتخر صباحا ومساءً بحربها على الفساد، وقد افتخرت أيضا ومن بعد ذلك بالكثير من الأمورالأخرى من بينها أنها أصبحت تصدر الكهرباء إلى الدول المجاورة، ومع ذلك فإنها لم تخفض سعر الكهرباء، ولا بأوقية واحدة، لاعن تلك السيدة الفقيرة، ولا عن غيرها من فقراء موريتانيا، وذلك في الوقت الذي تعهدت فيه حكومة إحدى الدول التي نصدر لها الكهرباء بتخفيض سعر الكهرباء ب50% عن مواطنيها. كانت الحرب على الفساد على أشدها، وكانت الكهرباء تصدر إلى الدول المجاورة، ومع ذلك فقد ظلت تلك السيدة وغيرها من مواطني البلد يعانون من الانقطاعات المتكررة للكهرباء، وحتى في العاصمة نواكشوط، وبولاياتها الثلاث فقد كان يتم قطع الكهرباء، وليوم كامل في بعض الأحيان، وحتى في الأيام التي تسبق الأعياد، وهو ما تضرر منه الآلاف من المشتغلين في الخياطة والحلاقة وغير ذلك من الحرف والمهن الصغيرة التي يستفيد أصحابها من الأعياد. وحتى في يوم ذكرى الاستقلال فقد تم قطع الكهرباء ولعدة ساعات عن نواذيبو وعن نواكشوط.
خلال تلك السنوات الأربع، كان غبار الحرب على الفساد يملأ ما بين سماء موريتانيا وأرضها، على شاشة التلفزيون طبعا، وكانت المفرقعات الصوتية تسمع من أنبيكت لحواش شرقا إلى الشامي شمالا كلما أرغى مسؤول وأزبد وتحدث عن الحرب الشرسة التي تخاض ضد الفساد.
في تلك السنوات، كانت تلك السيدة الفقيرة في كيفة تخدع في كل شهر مرة، وكان يخدع معها كل أهلنا في كيفة، وفي سيلبابي، وفي روصو، وفي كيهيدي، وربما في مدن أخرى.
لقد كانت المبالغ المتحصل عليها من تسديد فواتير الكهرباء في كيفة توزع إلى أربع حصص:
الحصة الأولى : تذهب إلى جيب محاسب فرع الشركة في كيفة، وهو ما مكنه من جمع 111 مليون خلال أربع سنوات، أي أنه كان يتحصل من أهلنا في كيفة على راتب شهري يزيد على مليونين وثلاثمائة ألف أوقية كل شهر بالإضافة إلى راتبه الذي تدفعه له الشركة.
الحصة الثانية: لم يتوقف خداع أهلنا في كيفة عند الدفع لمحاسب الشركة في كيفة، بل إنهم أيضا كانوا يدفعون نصيبا من أموالهم إلى المحاسب المركزي للشركة، وقد دفعوا له خلال تلك السنوات الأربع 64 مليون أوقية.
الحصة الثالثة : بالإضافة إلى ذلك فقد كان أهلنا في كيفة يدفعون لموظف كبير آخر في هذه الشركة، وقد دفعوا لذلك الموظف 40 مليون أوقية خلال الفترة نفسها.لقد كان يتم تحويل ما يقترب من الخمس من مداخيل فرع الشركة في كيفة إلى حساب ثلاثة من المفسدين.
الحصة الرابعة: وهذه هي التي كانت تذهب فعلا إلى حسابات الشركة، وربما كان في هذه النسبة المتبقية نصيب معلوم لمفسدين آخرين.
هكذا كانت تتم سرقة أهلنا في كيفة وروصو وكيهيدي وسيابابي، خلال السنوات الأربع الماضية، وقد كانت عملية السرقة هذه تتم بطرق بدائية جدا يمكن أن يكتشفها تلميذ في سنة خامسة ابتدائي، وفي مدة لا تتجاوز الساعتين، إذا ما قارن بين حجم المبالغ الموجودة في الفواتير، والتي يتم تسديدها من طرف زبناء الشركة، مع حجم المبالغ التي دخلت فعلا في حساب الشركة. ولكن ورغم بدائية عملية السرقة هذه إلا أنها استمرت ولأربع سنوات، وفي عدة فروع لهذه الشركة، وهذا لوحده يكفي للتأكيد على عدم جدية الحرب على الفساد.
المثال الثاني: تاجر صغير من نواذيبو كان يستورد بضاعة ويجمركها في المدينة، هذا التاجر ظل يسرق ولأربع سنوات أيضا، كما كان يسرق غيره من طرف عدد من العمال في فرع الخزينة العامة بنواذيبو ، وقد وصلت المبالغ المسروقة إلى ملياري أوقية. ما كان يحدث في فرع الخزينة العامة بنواذيبو خلال السنوات الأربع الماضية، حدث شيء مشابه له في فروع الخزينة بعدة ولايات أخرى.
المثال الثالث : حارس فقير جاء من ازويرات سيرا على الأقدام، وكان أيضا من المخدوعين بشعار الحرب على الفساد. هذا الحارس ظل يرفع صورة رئيس الفقراء على طول الطريق، ومع ذلك فلم يشفع له ذلك في أن يرفع عنه الظلم الذي يتعرض له من طرف مفسد كبير كان قد اعترف علنا بأنه نهب 20 مليار أوقية من أموال الشعب الموريتاني.
أبعد كل هذا، ألا يحق لنا نحن ضحايا الفساد أن نعلن ومن الآن بأننا لم نعد نقبل بأن نخدع بمسرحية الحرب على الفساد وبشعارها الزائف؟
ألم يحن الوقت لأن نعلنها انتفاضة شعبية حقيقية ضد الفساد، وذلك بعد أن تبين لنا بأن حرب السلطة الحاكمة على الفساد لن تؤدي إلا لمزيد من الفساد؟
علينا أن نبدأ انتفاضتنا ضد الفساد مع اليوم العالمي لمحاربة الفساد (9 ديسمبر)، وعلينا أن نقوم في هذا اليوم بسلسلة من الأنشطة يكون من أبرزها:
1 ـ توشيح النظام الحاكم بوسام النظام الأكثر فسادا في تاريخ موريتانيا، وذلك رغم أننا لم نكن نعتقد في أي يوم من الأيام بأننا في هذا البلد سنبتلى بنظام أكثر فسادا من نظام معاوية.
2 ـ توشيح “ولد بايه” بوسام كبير المفسدين، وبالمفسد الأكثر جرأة في تاريخ موريتانيا.
3 ـ توشيح الشركة الموريتانية للكهرباء بوسام الشركة الأكثر فسادا، والأكثر ظلاما.
وقد يكون من المهم جدا أن تختتم هذه الأنشطة بتنظيم جنازة رمزية لشعار الحرب على الفساد.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل