هل سيكون الأقصى الأسير سببا لتدمير إسرائيل وقيام فلسطين؟
عندما مس الصهاينة الأقصى وحرصوا على تدنيسه باستمرار وبشكل تصاعدي استيقظ الغضب بقوة في نفوس بعض الفلسطينيين المقيمين تحت مظلة الاحتلال البغيض، وتواصلت عمليات الدهس والطعن وتحول المشهد النضالي إلى تحد واضح للعدو، وصل حد التلويح بمستوى نوعي من إلغاء الخوف وحشر الصهاينة في ركن زاوية ضيقة، قد تكون بداية العد العكسي للكيان اللقيط.
ومن الجدير بالذكر أن اليهود يروجون أن معبدهم القديم المسمى بالهيكل كان في نفس المكان الذي شيد فيه المسجد الأقصى، وتقول المصادر التاريخية أن الرومان هدمت الهيكل عام 70 ميلادية، ويقول الصهاينة الحاليون أنهم الأحق بأرض فلسطين عموما وأنها أرض الميعاد، وان الأقصى قبل إقامته كان مقرا لمعبدهم المشار إلى ذكره آنفا.
وبغض النظر عن الجدل العقيم المثال من قبل عتاة اليهودية، فإن الأرض ملك الله الذي بناها أصلا في ستة أيام، وما مسه من لغوب.
وهو القائل: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون”.
فلا مجال لليهود الذين حرفوا التوراة ورفضوا الإيمان بالنبي الخاتم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، أن يدعو حقا أيا كان في الأقصى، ولا القدس ولا فلسطين عموما.
فتلك الأرض المباركة التي صلى فيها محمد صلى الله عليه وسلم بجمع من الرسل عند أولي القبلتين، المسجد الأقصى، وربط جبريل عليه السلام البراق عند ذلك المكان المقدس المبارك ليلة أسري به صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى بيت المقدس، ثم أعرج به في نفس الليلة إلى سدرة المنتهى، حيث تلقى التكليف بالصلاة وأخذ من معين الغيب الرباني ما أراد الله له، جل شانه.
وقد تسلم عمر بعد ذلك بسنين مفاتيح القدس، ومنذ ذلك الزمن أصبحت القدس، باختصار إسلامية الهوى والطابع، رغم احترام المسلمين للديانات الأخرى، وحقوقهم في العبادة والنسك، دون مساس بالهوية الإسلامية الصرفة للمسجد الأقصى.
قال الله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”.
ولعل اسرائيل لم تتعلم من الدرس الغزاوي الكثير ونذر تصاعد الصحوة الإسلامية وتعزز شوكتها، خصوصا عبر العالم العربي، وتزايد حالة الوعي عبر العالم الإسلامي كله.
فالمسلمون لم يعد يخفي على قطاع معتبر منهم، وخصوصا المسلمين العرب حالة الاستهداف وازدواجية المعايير لدى الغرب، وسكوته شبه الإجماعي على ما يتم ضد المسلمين، وخصوصا في فلسطين.
فلم يعد من بديل للمواجهة بشتى سبلها وأنواعها، وبهذا الأسلوب ستصبح اسرائيل تحت التهديد بدل حالة التوسع والاستفراد بالمنطقة في وقت سابق طويل، منذ سنة 1948 وإلى فترة قريبة.
فتصاعد المقاومة في غزة وبشائر الربيع العربي، رغم المصاعب التي يفرضها أذناب الغرب والصهاينة والاستبداد في داخل المنطقة العربية وخارجها، مؤشرات كلها تدل أن التغيير قادم مرتقب، ولن يبقى طويلا الأقصى يرفل في قيود الأسر الثقيل المزمن، ولقد بات التغيير والتحرير بإذن الله على الأبواب، وما حمل الشباب الغزاوي للسلاح وصبره على التضحية وثمنها الباهظ إلا رسالة بشرى للأقصى الأسير.
ولقد تجلت مكانة الأقصى في نفوس الفلسطينيين، فعندما توجه إليه الصهاينة تدنيسا وتلطيخا بأقدامهم الغريبة الظالمة، استيقظت الغيرة الإسلامية في نفوس الشباب الفلسطيني على أقوى صورها، وضربوا الظالم الصهيوني في الصميم، فأدرك العدو أن المساس بالأقصى، قد تكون كلفته باختصار زوال اسرائيل وسقوط الوهم الصهيوني إلى الأبد بإذن الله.
فالوقت الآن ليس في صالح اسرائيل، وما تفعله ليس إلا لعبا في الوقت الضايع ربما.
فمزيد من تدنيس الأقصى هو أقصر سبيل للتحرير وإيقاظ الوعي الجماعي لدى العرب المسلمين والمسلمين عامة، ومزيد من هدم مساكن الشهداء المسؤولين أو المتهمين بالدهس أو الطعن أو غيره، هو تنبيه للرأي العام العالمي، الذي يعرف مسبقا بأن اسرائيل مجرد وحش كاسر لا دين له ولا مروءة ولا إحساس إلا بذاته المريضة بالتعالي والوساوس، بأنهم شعب الله المختار، حاشا لله.
إن الإعلام مسؤول عن جانب كبير من تذكير الأمة بقضاياها، ومن الملاحظ أن الشأن الفلسطيني، وشأن الأقصى خصوصا، بات أقل حضورا في الإعلام المحلي.
فهل ينتبه لذلك المخلصون لسد النقص ما أمكن، فمما ينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”.
وفي انتظار المزيد من التفاعلات بعد عمليات الدهس والطعن، إثر تدنيس الأقصى الأسير بقي من المؤكد أن الأقصى سيظل حاضرا وبقوة في المشهد السياسي والإعلامي العربي والعالمي ولن يتم ابتلاعه تماما بسهولة في هذه الأجواء الحالية، دون ردة فعل مدوية عربيا وإسلاميا، قد تكون أقل نتائجها هز الكيان الاسرائيلي تمهيدا للمزيد من السقوط والانهيار، وإن كان الله سبحانه وتعالى قد تكفل بنصر المؤمنين: “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ”، إلا أن ذلك منوط ببذل الأسباب لرد الظلم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، قال الله في محكم تنزيله: ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”.
فلا مجال للتغافل عن الأقصى وبيت المقدس وأكناف بيت المقدس، فتلك مسؤولية الجميع، وكل على ثغرة من ثغور الرفض والممانعة، فلا يغفلن عنها إن أراد الفلاح الحقيقي عند الله.
إن فلسطين بقدسها وأقصاها وحق شعبها الأبي في التحرير والحياة الكريمة بعد طول عناء مرير، جديرة بأن تبقى عنوان قضيتنا المركزية معشر العرب والمسلمين، ما دام فينا عرق ينبض أو دم يجري، وما دمنا نحرص على هذا المعنى، فلن نخيب بإذن الله، مهما طال أمد الاحتلال الثقيل المؤلم، وسينبلج فجر التحرير قريبا إن شاء الله.
لقد تخلت إعلاميا وسياسيا -الكثير من الدول عن القضية الفلسطينية- فما عادت تحظى بذلك الوهج التقليدي المعروف، الذي كان محل إجماع ولو بصورة شكلية ظاهرية، بل أضحت اسرائيل لها حلفاؤها المعروفون الأقوياء في الصف العربي، وسط تخاذل وخيانة للقضية، حولت الصديق إلى حليف للعدو الصهيوني الغاشم، ضمن صفقات البترول وسلامة الكراسي والعروش للأسف البالغ، ورغم قطع النظام عندنا للعلاقة ظاهريا مع اسرائيل، إلا أن الهجمة الأخيرة في رمضان -مثلا- على غزة لم تحظ في الإعلام ولا الخطاب الرسمي المحلي بأقل ما يكفي.
فإذن موريتانيا على الصعيد الرسمي، بوجه خاص ليست بعيدة من الصف المهادن لإسرائيل.
وهذا حال ننكره، ونأسف للنظام القائم لدينا باختياره لهذا الأسلوب، والقدر الفاضح من السكوت والتغاضي عن مأساة إخواننا الفلسطينيين وما يعانيه المسجد الأقصى من تهديد حقيقي مباشر بالطمس والهدم ولو تدريجيا، والذي استمر بالحفريات الصهيونية المعروفة، وتحول إلى الاقتحامات العلنية من قبل ساسة وحاخامات اليهود، وأما الغرب فلا ينطلي موقفه، فهو يشعل الحرب من أجل تنظيم محدود في العراق وسوريا، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، ولا يقول كلمة ذات بال في شأن فلسطين وتدنيس الأقصى، لكنها سياسته المعروفة بازدواجية المعايير.
كما قال الشهيد أسامة بن لادن رحمه الله متسائلا، “فهل دماءهم دماء ودمائنا ماء”؟!.
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”