في الصداقة والفيسبوك /
بلغني يا أفاضل و يافاضلات أن فضاءَنا هذا صارَ عليلاً ومُستفرِداً. ربما يكون هذا خبراً جيِّداً. الفيسبوك الموريتاني يمتاز بظاهرة عجيبة وهي الاشتباك الصداقي بين الأعداء. وهذا ما يُفسِّرُ حالة العنف اللفظي. فالأعداء يُرسلون طلب “صداقة” لأعدائهم ويبقون حاضرين في مجالس “أصدقائهم”.
ويرُدُّون بمنتهى العنف واللاحوار على أي ما يصدرُ منهم. الضُعفاء يُلفِّقون؛ الأضعف يشتمون؛ الأكثر ضعفاً يتعوّذون. بعضُ من لم تسمع به يُلفِّقُ عليك حواراً معه. وبعض الفصاميين يأخذ كلّ تلميح تصريحاً شخصياً ضده أو ضد جدِّه. وأحياناً يقيمُ الضعفاء محاكم تفتيش لـ”أصدقائهم”/أعدائهم على مواقفهم السياسية، كأنّها ليست من حقهم. وأحياناً يناقشون معهم قواميسهم ولغتهم وكأنهم يستشيرونهم فيها أو يستعنونهم فيها.
يحدُثُ هذا دوماً بمنتهى اللاعلم والعمى. ولا يندر أن يفتح البعض دين البعض لأنه انتقد زعيمه السياسي. وقد انضافت نُقطة على عين البعض. ولا يندرُ أحياناً أن بعض من التقينا بهم، وأحياناً كسرنا معهم الخبز، يتحوّلون في غمضة عين إلى انتحاريين في لحظة خلاف حزيي أو مذهبي. لقد راحت فيها أعناق أصدقاء وأصدقاء محتمَلين. ولا يجد “الأعداء” غضاضة في تقليد أعدائهم، دون التوّقف عن شتمهم. منتهى النفاق والوقوف على الجذع المحتطَب.
أرسطو قال “يا أصدقائي، لا يوجد صديق”. ودريدا، ملِكُ الحواشي والهوامش، ألّفَ كتاباً كاملاً على حاشية هذه العبارة. وربما الصداقة هي في حقيقتها عداوة. وغيابُ الأصدقاء هو غياب الأعداء، كما ذهب نيتشة. ولكن لا فرق. وبعض “الطغام”، كما علّم المتنبي، أصغر من أن يُستَعدى. ولكنه يصنع الاحتقان ويأمّمُه ويُعمِّمُه. رذاذ فمّه يلوِّث الجو. والشتيمة هي بَخرُ الفم. والبخر ليس خلوف الصائم، فالأخير لوجه الله. والأول هو من التوّحش. “البريرة من الأمبرة؛ والصهيونة من التوسع”، كما يقول عادل إمام.
في أميركا ليس من الأدب نقاش السياسة مع من لا نعرفهم لأن هذا يوَلِّدُ التعارض وعدم الوِد. أنا رجل نقاش مع الأغراب بطبيعتي، ومنذ صغري، لذا فأنا أفضِّلُ التقاليد الموريتانية. ولكن المنحى الذي نحاه العنف اللفظي والخطاب الوصمي والتخوين والتلفيق ليس حتى تقاليداً. إنه غرق السفينة. الحوار حاجة وجودية. أنت لا تحتاج للفيناس لهذا. ولكن الأدب هو استطيقا الحوار. عد إلى مسكويه وخُذ من الفتح ابن خاقان. واغلق أذنيك عن النوّاحين، كما كان يفعل عبد الله بن عباس. الفضاء العام هو “الاستخدام الحر للعقل” كما بشّر كانط وليس منع الاستخدام الحر للعقل. نعم، نحن نحتاج معاييرَ أخلاقية ولكنها معايير الأخلاق المبدئية والمعيارية لا الأخلاق الظرفية والخاصة بقبيلة أو “افريق” واحد.
الصداقة هي جمال الكون. وأحياناً من الأفضل الفراق بالابتسامة. كانت هنالك مقاربة فك الارتباط. وكانت ستكون مجدية، ولكنها ستصنع صالونات حزبية تزيد من الاحتقان مستقبلاً. وكانت هنالك مقاربة صرف الطاقة فيما يجمع، لا ما يُفرِّق. ولكن هذه مصادرة، وإن تمت بعقد اجتماعي. إذن لا يبقى إلاّ الحوقلة. كونوا ضيوفي، كما يقول الأميركان.
من صفحة الكاتب على الفيس بوك