إلى أبطال أزويرات
بمزيج من الغبطة والمرارة تلقيت نبأ الاتفاق الموقع بين ما أصبح يطلق عليهم عمال أوزيرات والشركة الموريتانية للأمن الخصوصي والذي وضع حدا لقرابة شهر ونصف من الاعتصام في العراء لعشرات العمال المظلومين ، افترشوا خلالها الأرض والتحفوا السماء بعزيمة وإصرار لا يلينان ، عزيمة وإصرارتحطمت عليهما رهانات مشغليهم التي كانت تتوهم أن أيام الاعتصام لن تعمر طويلا ، وأن مثل هؤلاء المسنين لاقبل لهم بمقاومة الحنين إلي الأهل والبعد عن الديار ..
قدر هؤلاء وضع في وجههم مشغلا لا يملك شفقة ولا رحمة ، لم يأبه لحال عمال غالبيتهم من كبار السن تركوا عوائلهم وأطفالهم وراءهم بعد ما يمموا وجوههم شطر العاصمة في رحلة البحث عن العدل والإنصاف، قطعوا أكثر من سبعمائة كيلومتر سيرا على الأقدام أوصلو الليل بالنهار وما وهنوا لما أصابهم من وعثاء السفر ، وقفوا كجبال تيرس الشامخة وهم يواجهون تغيرات مناخية لم تكن هي الأخرى رحيمة بهم حيث المطر والرياح المحملة بالأتربة والغبار علاوة على التقلبات الجوية من برد قارس في أيامهم الأخيرة وحر شديد إستقبلهم في الأيام الأولى، فمن جهة فرحت للخاتمة السعيدة للقصة التي طالت ،وكان يمكن إحتواؤها في وقت مبكر لو وجدت إرادة صادقة من لدن جلاديهم ، وحزنت من جهة أخرى لأن سبعة من هؤلاء راحوا كبش فداء ودفعوا فاتورة الإصرار على مواصلة االنضال حتى تحقيق النتائج ، فكان عقابهم قاسيا لأنهم رفعوا الأصوات عالية وهتفوا مطالبين بحقوقهم الشرعية التي تعهدت لهم بها الشركة بنص إتفاق قبل أن ترجع ناكصة على الأعقاب ، فكان أن إ ستعملت إدارة الشركة الموريتانية للأمن الخصوصي غطرسة منقطعة النظير للتخلص من هؤلاء كشرط للتوقيع على الإتفاق الذي توسط فيه رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم مشكورا وبذل جهودا حثيثة من أجل خروجه إلي حيز الوجود، لكن العمال السبعة الأبطال سطروا بأحرف من ذهب سيحفظها التاريخ قمة في الإيثار والتضحية من أجل زملائهم ، قمة في الإيمان والقبول بعين الرضى بما يسطره القدر وهم إذ ينزلون إلي هذا القرار يرتفعون بشموخ في أعين
زملائهم وكل الموريتانيين ، ليصبحوا مضربا للأمثال ، ولاشك أن بعضهم كان غير آسف إطلاقا علي مغادرة معقل التجبر والظلم هذا ، بعضهم الآخر ربما لا تشرفه العودة إلى سيرته الأولى في هذه الشركة المستغلة ، وسيعوضهم الله حتما بخير منها ، بقدر قوة إيمانهم به وإخلاصهم في النيات ، والعلم علم اليقين أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم ، فالفصل من العمل ليس نهاية الدنيا ، وقطع راتب زهيد لايميت
لكن الذي غاب عن ذهن إدارة الشركة الموريتانية للأمن الخصوصي وهي تتوهم نصرا حققته بفصل السبعة المغلوب على أمرهم أن هؤلاء هم من مرغوا أنفها في وحل قضى على كبرياء إدارتها المتجبرة وذلك بالرضوخ مذعنة لمطالب العمال الذين يعودون إلي أعمالهم في المدينة المنجمية بمعنويات جد مرتفعة ، أزادت شحناتها باستقبال الأبطال الذي خصصه ساكنة أوزيرات لطلائعهم وهم يدخلون المدينة منتصرين على قوة بطش استعلت عليهم وتباهت بقدرتها على ظلمهم ونسيت قدرة الله عليها فهو جل جلاله يمهل ولايهمل.
أسند ولد محمد سيدي المدير الناشر لموقع المرآة