شريعة أم “ياسا”؟
ما أريد أن أقوله هو أنه حتى من منظور أصولي فإن هؤلاء الدمويين يخسرون القضية. وأقل من منظور هيغلي أن عودة الشريعة لا يعني عودتها بمعزل عن غير الشريعة. فأقول، باسم الله:
يختلف الإسلام عن القوانين الحمورابية بأنه يفسِحُ مجالاً كبيراً لعدم شخصانية القوانين؛ ويختلف كثيراً عن القوانين الستالينية في أنه يتيح بعض شخصانية القوانين على حساب تأليه الدولة. في الإسلام بعض الحدود وبعض الأعمال لله؛ وبعضُها للناس. حدود البشر يستوفي فيها البشر القصاص. وحدود الله هي لله، ينفذُّها البشر، ولكن بدون اعتبار للأغراض البشرية.
وقد ظلّت الدولة الإسلامية تُعطي لمستوفي القصاص حق القصاص بأيديهم إلى أن جاءت الدولة الحديثة وبدأت تعطي الحق للدولة، لا لذوي القتيل. ولكن لا أحد يُجادل أن حدود القتل قصاصاً هي للبشر ويمكن أن يعفو فيها.
أما إذا ثبت أن حدود الله ورسوله غير قابلة للعفو أو للدرء وللمناقشة (وهذا أمر فيه جدال كبير، ولا نُسلِّمُ به إلاّ جدلاً) فإنّه يلزمُ من هذا أيضاً عدم الفرح والجذل والشماتة في هذه الحدود لأنها تصبح، بما أنّها لله لا للبشر، طقساً وإجراءً، فوق الأغراض البشرية. بعض الحدود تطهيرية، أي أنها، في المنظور الميتافيزيقي، مساعدة وعلاج، وليست انتقاماً. وهي تشمل توبة تسع أهل المدينة، كما في الأثر النبوي.
وليس الفرح بالعقوبات الحدودية واللعن المصاحب لها (الذي نهى عنه الرسول عليه السلام خالداً بن الوليد، كما هو معروف) بظاهرة إسلامية صرفة. باختصار هؤلاء الذين يجوبون الشوارع فرحاً بأحكام الإعدام ويُكفِّرون مثيري الشبهات في الحدود لا يُعبرون عن أصالة إسلامية (فشبهات الحدود جزء من التصور الإسلامي لها) بل يعبرون عن همجيات خاصة بهم وبالروح القبلية الهوليغانزية التي تُنتِجههم ويُنتجونها.
يبدو ظاهرياً أن الجنرال عزيز أعاد الشريعة (لا يُمكنني كتابة هذا دون مقاومة الضحك) ولكن من الناحية العملية فإن هذه الممارسات الجذلية السائدة هي ممارسات من أخلاق “الياسا” المغولية، التي أدخلها المغول والمماليك لبلاد الإسلام وأممتها حداثة هوليوود.
من صفحة الكاتب الشيخ التجاني ولد ابراهام – ابو العباس