يقظة وطن يتشظى أولى من حلم مغاربي أكدا

 للأدب تأثير كبير في حياة الأمم، و الأُمة الضعيفة لا تلبث حينما يُبثُ فيها أدبٌ قوي أن تنتفض وقد تجدّد شبابها وكبرت نفسها واتسعت آمالها و أقبلت على الحياة كأنما طعمت بدم جديد. والأمة القوية المملوءَة حياة إذا أهملت أدبها القوي فإنها لا تلبث أن تصير إلى الانحلال فالفناء.

من هنا و من هنا فقط يكون من حق كل أمة أن تحتفي، ما أمكن لها ذلك، بأَدبِهَا في شمولية معناه و مدرك مقصده بكل أوجهه و دروبه و أغراضه من شعر و نثر قصصي و مسرحي، كما أنه من حقها أن تُسمع أصواتَ حملة هذه الأعباء “الرسالاتية” إن جاز التعبير عدى أنها أوعيته و أوردته، و أن تُعمم فائدة مقاصدهم التوجيهية و الإصلاحية و وصلاتهم الترفيهية البالغة الحبكة في حيز تتعانق فيه الروح الخالصة من الشوائب مع مضامين مسطرته الأخلاقية السامية المنبع ما كان إلى ذلك سبيلا. و إنه لمن حقها كذلك أن تكرم حَمَلَةَ مشعل الأدب و الكتابة فيها و تبلغ رسالتهم التوجيهية الإصلاحية الشاملة السامية، الأحياء منهم لإطالة بقائهم و حفر نتاجهم في جدارها المعرفي، و الأموات لضمان خلودهم على صفحات مسارها و عطائها المميز في دائرة العطاء الإنساني الذي انصهر في بوتقة العولمة. إن إقحام المواقف السياسية أو الأيديولوجيات على الأدب و الفن أمر يضعف جماله و يقلص إشعاعه، وينال من حلاوته وطلاوته، وقد يمتهنه وينتهك طبيعته وشكله فيحوله إلى منشور أو خطبة عصماء. لكن هذا لا يمنع أن التمسك بالجمال الخالص يعنى بالضرورة هجر المضمون أو القبول بتهافته. فإن من يكتب ومن يقرأ لا يقومان على العادة الطبيعية الصحيحة بهذا الفعل من/أو فى الفراغ أو يبدآن من لا شيء، و إنما لكل منهما تجربة حياتية ومنظومة قيم ونسقا من الأفكار وثوابت من العقائد يحيل إليه ما يبدعه وما يتلقاه ولو فى اللاشعور. من هنا ما كان أجدر باتحاد الأدباء و الكتاب الموريتانيين الموقر أدام الله عطاءه و رفع وحسن من مستوى إنتاجه عاما بعد آخر، أن يجعل الشعار يقظا على قدر الهموم الوطنية الكبرى و هو المنتظر منهم عند كل منعرجاته انطلاقا من دوره المحوري “المفترض” على الوجوب فيثبت الشعراء و الكتاب و النقاد في أدوارهم الطلائعية الحقيقية.. القدوة المثلى في التوجيه و المرشدين في أول درب البناء لكمال آخره برصين نتاج ألسنتهم التي تنضح شعرا مستساغا و مدغدغا بطلاوته للمشاعر، و نثرا عالي النبرة و حصيف التوجيه قَيمَهَ تجريه أقلامهم المثبتة بثقة بين أناملهم حبرا على كراس الفهم و الحفظ. و مما لا شك فيه أن البلاد تمر بمنعرج أيقظ، بما تكشف عنه من عديد الخطوب و الدواهي المتربصة، من سبات الغفلة و نغص الأحلام المترفة المُخدِرة و المعشعشة في أحضان الجمود النظري و المقيدة بأغلال الكسل الذهني و لاشعورية إتباع حيلة النعامة الرعناء تدس رأسها في التراب كلما حاق بها الخطر. و إنه للمنعرج إذا، الذي لا يُستغنى فيه مطلقا عن جسارة الأدب و صولته و على التعويل عليهما لصد الآفات المحدقة  و تبصير العقول الزائغة و لم الشتات في كنف الكلمة النافذة.. مهمة يمتلك اتحاد الأدباء و الكتاب الموريتانيين كل أسباب قوة أدائها من عتاة سدنة الشعر الفصيح و اللهجي و ملاك الكلمة المنثورة النافذة و النقاد المجيدين لاصطحاب الأدب في كل مراحل تألقه و أداء أدوره. و إن هذا الهم الملح الذي يدخل بكل حتمية في سجل أولويات البلد و في طليعة اهتمامات و تطلعات سكانه الملحة، لا يلغي مطلقا أهمية مطلب الوحدة المغاربية و لا ضرورة العمل على تحقيقه حلما مشروعا هو الآخر لدوله و شعوب أهله، و إنما من باب أن المُهم أيا كانت درجة أهميته لا يُسقط الأهَم مطلقا و لا يتقدمه. كما أن المهرجان اكتسى في حلته العاشرة هذا العام طابعا غلبت عليه الأكاديمية القصوى على حساب الشعبية التي هي الفضاء الأرحب و مرتع الإبداع الأخصب وموضع التماهي الأشمل مع مفرزات و احتياجات الروح الأدبية المشتركة لكل طبقات الذائقة الجامعة، و إن يظل للأكاديمية في صناعة الأدب دور المحيط الململم و الجامع لنتاج هذا الأدب و تحليله و للحفاظ عليه في سياق التثمين و التنقية و الصقل من الغث المخل به حتى يظل نابضا بالحياة يحمل أدق قسمات وجه الأمة و كل قيمها النبيلة. و لو أن المهرجان استضاف من جملة الضيوف من الإخوة الذين تجشموا عناء القدوم من دول المغرب العربي بعض ألمع أدباء و كتاب الوطن في الداخل و من الخارج لكان تنوع الإبداع أكثر و لظهر حمل الهم الوطني بشكل أبرز فيلقي بثقله في ميزان التصدي لمظاهر الدعوة إلى التشرذم و شق عصا الوحدة الوطنية و تسليط الأضواء الكاشفة على أسباب هذه المظاهر و سبل التصدي لها. و مع كل ذلك فقد كان للمهرجان ألقه و للمشاركين عطاؤهم المتميز الذي اتخذ حتما مكانته في سجل العطاء الأدبي الشامل للأمة في تنوعه و ثرائه و الحفاظ عل خصوصية البلد الثقافية و السعي إلى رفع مستوى هذا العطاء إلى مراقي استكمال النضج و القدرة على المنافسة في عالم أصبح يتوجه إلى عولمة الثقافة، لا كلها و إنما تلك المفضية منها إلى “أنسنتها” بما لا يتناقض مع القيم الفاضلة و المشتركة لتحقيق السلام و نشر العدل و الوئام.         الولي ولد سيدي هيبه  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى