الإعلام و التحريض على الكراهية.. أي علاقة؟ / أحمد ولد محمدو
من الجيد بصفتنا إعلاميين أن نكرس
بعض وقتنا لإعادة النظر فيما يحيط بنا من أحداث، لمعرفة دورنا فيها، في لحظة فريدة لمحاسبة الذات بصوت مرتفع، ومن هذا المنطلق فإن نقاش علاقتنا مع خطاب الكراهية والتطرف، يمكن أن تشكل في مجملها جرس إنذار للتنبيه للمنزلق الخطر الذي نتجه إليه، لكن هل يمكن أن نضع الأصبع على موضع الوجع؟.
من الواضح أن الخلاف حول دور الإعلام عموما، وموقفه النموذجي المفترض من الكراهية والتطرف على وجه الخصوص ـ ربما لضبابية كل من المفهومين ـ وكذلك الخيط الدقيق الذي يفصل ما بين دور البعض كصحافة مهنية، ونشطاء سياسيين منضبطين، يلقى بظلاله على مجمل الآراء التي تتناول الموضوع، لنعود بذلك دوما إلى مربع الانطلاقة، متى يجب أن نتوقف حتى لا ننشر أو على الأصح نحرض على الكراهية والتطرف؟
لقد كان من الضروري وضع تعريف اتفاقي لهذين المفهومين يراعى الخصوصية الوطنية، منعا للانزلاق نحو التعريف الغربي الذي لا يراعي خصوصيتنا الثقافية والفكرية، حتى نتمكن من الوقوف على أرضية واحدة، يمكن أن تكون منطلقا للحوار، ويُعَضدُ هذا الطرح بتشخيص لهذه الظاهرة في وسائل إعلامنا، من خلال نماذج لما ينشر ويبث من تحريض على الكراهية والتطرف، بدل أن ندفن رؤوسنا في الرمال مجاملة للزملاء، ليتناول النقاش دور وسائل إعلامنا المحلية في هذا التحريض، ولتكون المحاربة لهذا التوجه بدل أن تكون للغير كما قد يفهم من سياق النقاش.
لا جدال أن خطاب الكراهية والتطرف لا يعتبر منتجا إعلاميا صرفا، فهو يصدر عن الأغيار الذين هم رجال السياسية غالبا، ونشطاء المجتمع المدني والخواص في بعض الأحيان، لكن من يتولى نشر وبث هذا الخطاب هي وسائل الإعلام، فبغير بثها له، ما كان ليعلم به أحد أو يجد أنصارا ومريدين، من هنا تبرز المسؤولية الكبرى التي يتحمل الإعلام بصفته المتسبب الفعلي في إحداث النتيجة التي يتوخى القائم بإطلاق هذه الأفكار المسمومة، وهذا ما وعاه المشرع الموريتاني الذي خصص فصلا للمتابعات والزجر للأشخاص الذين يتحملون مسؤولية الجرائم والجنح المرتكبة عن طريق الصحافة في الأمر القانوني رقم 17/2006 الخاص بحرية الصحافة الصادر بتاريخ 12 يوليو 2006، حيث نصت المادة 49 من هذا الأمر القانوني ـ وقد أبقت التعديلات اللاحقة على نفس الصيغة ـ على أنه ” يتعرض للعقوبات المطبقة على الجرائم والجنح باعتبارهم مسؤولين رئيسين عنها، حسب الترتيب:
مديرو الصحف و الناشرون مهما كانت مهنهم أو صفاتهم، وفق ما هو مقرر في الفقرة الثانية من المادة 6، و المديرون المشاركون للصحف.
الكُتاب في حالة عدم وجود المذكورين أعلاه.
الطابعون في حالة عدم وجود الكًتاب.
الموزعون و الباعة و أصحاب الملصقات، في حالة عدم وجود الطابعين.
و في الحالات المقررة في الفقرة الثانية من المادة 10 فإن المسؤولية الاحتياطية للأشخاص المعينين في الفقرات 2،3 و 4 من هذه المادة، تستخدم كما لو لم يكن مدير النشر موجودا، و في حالة عدم تعيين منسق للصحيفة، وفق مقتضيات هذا الأمر القانوني.”
كما نصت المادة 50 من نفس القانون أنه ” عندما يوجه الاتهام إلى مديري الصحف أو الناشرين، يتابع المؤلفون كمتواطئين. و يمكن متابعة الطابعين بالتواطؤ إذا حكمت المحاكم بالمسؤولية الجنائية على مدير أو منسق الصحيفة.”
فكان المشرع بهذا التحديد قد رتب المسؤولية بالدرجة الأولى على أساس من لديه القدرة على إيصال الرسالة لأكبر قدر من الناس، بدل من أنتجها، دون أن يعفي الأخير ،وهذا ما يجعل من المسؤولية مزدوجة بالنسبة للصحفي حيث يلزمه القانون بتوخي الحيطة والحذر كما تدعوه أخلاقيات المهنة لأكثر من ذلك، باعتباره سلطة رابعة قادرة على توجيه الناس والأحداث.
من هنا فإن الصحفي مطالب أن يتوقف للحظة لإعادة قراءة المحتوى الذي يقدم للجمهور وتقيم الأثر المحتمل له قبل أن ينشره من خلال الإجابة على أسئلة من قبيل ما هي القيمة الخبرية للمحتوى الذي أقدم؟ هل هذا المحتوى يحرض ؟ إلى أي مدى هو عدواني؟
إن ازدواجية المسؤولية القانونية والأخلاقية، تجعل المحرر في سعة من أمره، فهو غير ملزم بالنقل الحرفي ـ كما يعتقد البعض ـ لعبارات الكراهية والتنقيص التي يبرع بعض الساسة في نفثها، إذ يمكنه أن يستعيض عن ذلك بالإشارة إلى أن المتحدث، تلفظ بعبارات أو جمل مهينة في حق خصمه، دون تكرارها بشكل ببغائي، وفي هذا السياق فإنه من المهم جدا أن نتوقف عند القصد ـ الأمر الذي يغيب عن البعض ـ أكثر من الألفاظ، التي تختلف معانيها حسب السياق التي ترد فيه، ثم إن الصحفي بات مطالبا بإعادة النظر في مبدأ أنه الحامل للرأي الآخر، أو المضاد، أو المغيب، أو الغائب، فهو مطالب أن يفحص هذا الرأي ويدققه من ناحية الصدق على الأقل، أيا كان صاحبه، إن مبدأ واجب نقل الحقيقة المقدس لا ينبغي أن يتصف بالجمود الحدي فهو يوازنه مبدأ آخر بات متعارفا عليه في ميدان الصحافة هو ” الحد من الضرر”.
لقد كان دور الإعلام التحريضي في بعض الأزمات التي عانت منها بعض البلدان مثل رواندا، الأثر الكبير في إعادة النظر في بعض قواعد العمل الإعلامي، من خلال إضفاء صبغة أخلاقية على هذه المهنة، وفي هذا السياق أعد مستشارو شبكة الصحافة الأخلاقية خمس نقاط لتقييم الخطاب قبل نشره.
وتركز هذه النقاط على بعض الأسئلة التي يجب أن تُسأل خلال جمع وإعداد ونشر الأخبار، وتساعد هذه الأسئلة الصحفيين على وضع المحتوى في سياق أخلاقي.
أولا ـ ما كل كلام صاخب خبر يستحق النشر فيجب أن يفهم الصحفيون والمحررون أن مجرد قول أحدهم شيئًا صاخبًا لا يصنع خبراً، وعلى الصحفيين أن يتحروا سياق ما يقال ووضع من يقوله وسمعته كما أنه من غير اللائق نقل التصريحات البذيئة للآخرين.
وهنا ترى الشبكة أنه عندما ينخرط من ليسوا شخصيات عامة في خطاب الكراهية قد يكون من الحكمة تجاهلهم كلية، ثم إن حرية التعبير التي هي حق للجميع لا تعني منح رخصة للكذب أو التشجيع على العدوانية والعنف ضد أي جماعة بعينها.
فعلى الصحافة الجيدة عندما يتحدث الناس في موضع غير مناسب أن تكون حاضرة لتضع الأمور في نصابها.
ثانيا ـ يجب أن تنتبه الصحافة إلى أن النشر أو البث هو ما يصنع الإساءة فالأحاديث الخاصة أحيانا قد تحوى آراء لا يصح ذكرها في العلن، وفي هذه الحالة قد لا تسبب ضررا لكن نشرها على الملأ، قد يكون مدمرا ونحن هنا ملزمين بالحد من الضرر بدل صب الزيت على النار.
ثالثا ـ من المهم جدا أن نبحث في أهداف الخطاب فعلى الصحفي أن يضع الخطاب في سياقه السليم لتوضيح أهداف المتحدث ففضح الشخص بشكل متعمد لمجرد خلاف سياسي لا يتفق مع الكتابة الأخلاقية التي تساعد الناس على فهم ما يحدث، فمن الضروري بحث من هم ضحايا هذا الخطاب؟ وما هو تأثيره عليهم كأفراد وفي مجتمعاتهم؟
رابعا ـ يجب الانتباه لمحتوى وشكل الخطاب، فالبعض للأسف لديه أفكار وآراء عدوانية وهذه ليست مجرمة قانونا كما أن جعل هذه الآراء علنية لا يشكل جريمة لكن الكلمات والصور التي يستخدمونها قد تكون مدمرة إذا حرضت الآخرين على العنف من هنا على الصحفي أن يتساءل ما إذا كان هذا سيحرض على العنف أو الكراهية.
خامسا ـ على الصحفي أن يراعي الجو العام، مثلا أن تكون التوترات الاجتماعية حادة والسياسيون في حالة حرب مع بعضهم البعض، يجب أن يبتعد الصحفي عن التهييج ويقيم الخطابات من حيث الإنصاف والاعتماد على حقائق ومسؤولة بناء على المناخ العام والظروف المحيطة.
الخلاصة: إن هاجس السبق الصحفي، والتميز، وتحقيق أعلى نسب استماع ومشاهدة وقراءة، ينبغي أن لا تبقى سيفا مسلطا على أعناق المشرفين على وسائل الإعلام، الذين يفترض أن يتحلوا بقدر من المسؤولية تجاه المتلقي عموما، وشعوبهم على وجه الخصوص، فقليلا من التضحية في هذا الجانب، والتخلي عن جزء يسير من النجاح، قد يكون الأفضل على المستوى البعيد، وكما يقول رئيس شبكة الصحافة الأخلاقية ايدين وايت:” إن كانت الصحافة الأخلاقية تعني البطء فخذ وقتك في التفكير، للتأكد إن كان ما تنشر مفيدا للقارئ ولا يضر أحدًا”.
أحمد ولد محمدو