فرنسا.. ضعف القوة و قوة الضعف / الولي ولد سيدي هيبه
“فرنسا افتعلت المواجهة مع الإسلام من خلال منعها النساء المسلمات في فرنسا من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة” غايلز فريزر يفتخر اليوم إعلام فرنسا الغير حيادي في كل قضايا العالم العادلة و من ورائه الدولة الفرنسية النازعة بشدة إلى إثبات قوتها على النموذج الأمريكي الذي تخلت عنه أمريكا نفسها في سبيل قسط من الحكمة و التبصر..
قوتها التي فقدتها ذات خريف من عام 1939 في لمح البصر أمام جيوش الألمان، لتمارس هذه القوة المدفوعة بعقدة النقص و رغبة التعويض على الدول الضعيفة و تسوم بها شعوبها المغلوبة على أمرها سوء العذاب و مر الإذلال، يفتخر إذا هذا الإعلام بأن جريدة “شارلي” الرخيصة باعت في الأكشاك سبعة ملايين نسخة من عددها الأول الصادر بعد عملية اقتحام مبانيها في بحر الأسبوع المنصرم و موت أشد أقلامها قدحا و إيلاما للعقل و الروح و الجسم الإسلامي و العربي المعروفين عندهم بالارتباط الوثيق في التلاحم الإلهي الأزلي بين العروبة السامية والإسلام المجيد. و هو كذلك العدد الذي حمل بأشرس ما يكون على الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أفحش الرسوم و أنذلها حبرا تحركها من عمق دناءات أهلها و سفالاتهم نوايا الشر و الحقد و الغيرة. بلى، إنها فرنسا دون سواها على وجه كوكب الأرض هي وحدها من لا تفوت مطلقا فرصة إيلام الجسم العربي و الإسلامي رابطة في تلك الإرادة المرضية بينهما بكل وقاحة و بشكل صارخ يعري نواياها و يفضح جسارتها. أليس صحيحا أن “ساد Sade” فرنسي و أنه من اسمه المشؤوم و خصائصه الوضيعة تشكلت ثم اشتقت “السادية Sadisme ” بكل ما توحي الصفة-الاسم و النفسية البغيضة من عنف و كراهية و نذالة. كيف يمكن لحرية الإعلام و التواصل في بلد يدعي لنفسه الاستفراد بنشأتها و انتصارها و انتشارها أن تتناقض مع قيمها العالية في جوهرها و كيف لها أن لا تكون الوعاء الحافظ لنبل مقاصد المعتقدات التي اعترفت، بعد صراع طويل و تشكيك في قيمتها، بأنها هي ميزان العقل الإنساني و دافعه المتفرد إلى السكينة و التوازن. إن الحملة على الإسلام و استهداف نبيه الكريم الذي هو أعظم إنسان عرفته البشرية منذ كانت و حتى تبيد انطلقت من فرنسا منذ أمد بعيد على خلفية ضعف موقعها الذي هزته من بعد الحرب العالمية الثانية ضوابط العولمة الجديدة التي أعطت دولا غيرها كبيرة و شعوبا عريقة نبيلة حقها في تبوء المكانة اللائقة بها في عصر جديد بمضامين سامية. و ما تزال فرنسا تحاول عبثا أن تحاكي الولايات المتحدة الأمريكية التي تخلفت عن مسيرتها و جاء “كيري” مفردا ليربت على كتفها و يسترضي بعضا من غرورها المهدور بفعل غيابها عما توهمت أنه احد عشر سبتمبر فرنسي خالص. و إنها المحاولة التي ستنقلب عليها كما ينقلب السحر على الساحر و تذوق من مضاعفات السباحة في عكس الاتجاه. أو لم يقل بابا الفاتكان إن المساس بمشاعر أصحاب المعتقدات و منها مشاعر أعظم أمة بأعظم دين من أعظم رسول لا تنسجم مطلقا مع حرية التعبير و الرأي و الإعلام؟ أو لم يدن قساوسة وكهنة مسيحيون، تطاول المجلة الفرنسية “شارلي إيبدو” على شخص الرسول عليه الصلاة والسلام، واعتبروا ذلك تجنيا و”تهورا غير مقبول”، كما رفضوا أي ربط للإرهاب بالإسلام، وهو الأمر الذي يسعى إلى تسويقه الإعلام الغربي وعلى رأسه الفرنسي، كما أعابوا عليه مهادنته لليهود تحت ذريعة عدم معاداة السامية أو إنكار المحرقة؟ أو لم يقل المطران انطونيس عزيز”شارلي إيبدو سفيهة ورسوماتها بذيئة فارتفعوا عن الجهلة يا مسلمين”؟ أو لم تعلقت صحف بريطانية على الهجمات التي استهدفت مواقع في باريس، وأشارت إحداها إلى أن فرنسا تفتعل المواجهة مع الإسلام عن طريق العلمانية، ودعت أخرى بريطانيا إلى احتضان اليهود الذين قالت إنهم يغادرون فرنسا. و قد نشرت صحيفة ذي غارديان مقالا للكاتب غايلز فريزر قال فيه إن فرنسا افتعلت منذ أمد و بترصد و سبق إصرار المواجهة مع الإسلام من خلال منعها النساء المسلمات في فرنسا من ارتداء الحجاب في الأماكن العامة. أو لم يعرب قادة البيت الأبيض و حكام أستراليا و أمريكا اللاتينية و زعماء من آسيا و إفريقيا عن مثل هذا الموقف السليم الذي عراه في فرنسا ارتماء قادتها في أحضان الصهيونية العالمية و العمل بمقتضى أوامرها و توجيهاتها؟ و مما لا شك فيه أن مبيعات العدد المنحط من جريدة شارلي الخاوية شكلا و الضعيفة من حيث المضمون لم تترك أي بعد إعلامي أو ثقافي يمكن ذكره لحساب منتج يدعي تنوير العقول و رفع سقف حريتها أو حتى جمالي فني يمكن البناء عليه للدفاع عنه مخرجا يستحق العناء أو المؤازرة بأي مستوى، كما لم تترك هذه المبيعات أدنى شك في أن عامل المردود التحصيلي المادي هدف أول حيث كانت جريدة شارلي الرديئة على حافة الإفلاس من ناحية و أن الافتقار إلى مقياس التقييم الإيجابي هاجس ظل يغذي المخاوف من الزوال من جراء تدني المستوى الإعلامي و من البعد عن دائرة تشكل الوعي العالمي الجديد الذي انتبه له إعلام دول المعمورة المسؤول في حلته الإنسانية القشيبة و في إعادة خارطته الإنسانية باعتبارات قوامها تقدير مشاعر الشعوب و احترام معتقداتها و سمو تناولها للقضايا التي تهم البشرية. نعم إنها أولا و أخيرا فرنسا الجسورة على العرب و الإسلام و إنه إعلامها الضحل و الادعائي منفردا في التحريض على الإسلام و نبيه الأكرم.. و إنهما و حدهما فرنسا وإعلامها اللذان لا يريدان عمدا التمييز بين حرية التعبير و الإساءة للأديان و لا بين احترام مشاعر الشعوب مع حماية معتقداتها و مكافحة الإرهاب و التطرف التي هي شأن عالمي لم يعد يتخلف عنه أي بلد لعلمها بضرورة تكاتف الجهود باتجاهه حتى تنعم البشرية بفوائد السلام و مزايا التبادل الذي لا يمكن أن يحل إلا في ظله. و بهذا فإن الدائرة سوف تضيق عليهما إن لم يغيرا المسار الخاطئ المتبع بانفرادية صارخة و يتنازلا عن استعلائية و ريادية لا تدعمهما مطلقا أية أسباب إلى ذلك اللهم اغترار الضعيف الأرعن بقوة الوهم المتضخم.