موريتانيا وولد السمان/* جبريل جالو

altلا نريد الوحدة الوطنية ..نعم لا نريد الوحدة الوطنية لأنها لم تعد أولوية!! ولا نريد التعليم فلم يعد حلما!! ولا نريد الحرية فلم تعد مطلبا!! يجب أن نتخلى عن مطالبنا الشرعية ونتنازل عن أحلامنا الكبيرة؛ فمنذ أكثر من نصف قرن ونحن نحفر في الفراغ. نتلاعب بالبلد. نركع لمن يقدم الهبات.

شددنا الرحال إلى بغداد وتل أبيب وصلينا وراء مُعمر في “الملعب”، وكنا كسرنا الرماح في الصحراء “الغربية”في حرب من أجل الحرب. ودفنا أبناءنا وهم أحياء في “إنال” و”أجريدة” وتيكنت”.. أنكرنا وجود العبودية.. وجعلنا من مخلفاتها عقيدة تحجب الأديان والمذاهب. آمنا بأن الكرسي مكانة والمسؤولية مهانة. خنقنا المناطق الداخلية وجعلنا العاصمة مقبرة للمواهب، فصار مدح الرئيس شهادة، والانتماء للحزب كفاءة تؤهل لإدارة ملف الشباب.

 

وقد تابعت ككل الموريتانيين أزمة السلفيين المحليين وقطاع العدل، وما دار في طياتها من مناوشات بين السجناء وقوات حرس السجن، وما عقب ذلك من انتصار لإرادة السلفيين بالإفراج عن 4 منهم يخضعون للحبس التحكمي، وذلك بعد نفاذ الأحكام الصادرة بحقهم. وقد هدد ولد السمان ورفاقه بذبح رهينتين من الحرس.

 

تحمل الحادثة تفاصيل أخرى، تابعها الموريتانيون باهتمام، غير أن الواقعة حاسمة في تحديد معالم مرحلة غير مطمئنة في بلد اعتاد أن يسلم أقداره للزمن ، دون كبير اهتمام بما يعود على الشعب ومستقبله بالاستقرار والأريحية والنماء.

الزمن لن يتغير؛ لأنه ليس فاعلا سياسيا، بقدر ما هو فضاء للتراكمات والتقلبات العريضة ..الحاسمة.. بل والدقيقة في حياة كل جيل ووطن وأمة.

كما أن الزمن هو أحد العوامل الثابتة في المسارات الفردية والجماعية في الحياة الإنسانية منذ الأزل؛ لغاية الأبد. دون أن يحلمُ البشر بإدراك اتجاه هذا العامل رغم ما توصلنا إليه اليوم، من سرعة في نقل المعلومة وتكاثرها داخل إطار كوني تُحددُ فيه السرعة بمفردات زمانية توافقية؛ ربما لا تدرك أن هذا الغول أكبر وأسرع من الحساب وعملياته المعقدة.

 

إذا ليس الزمان عائقا يعلق عليه الموريتانيون وغيرهم أسباب الفشل ومبررات القصور عن تحقيق دولة، دولة تؤمن بالإنسان وتحترم وجود وفنائه وما بينهما من حاضر ومستقبل.. ولوازمهما ومتطلباتهما من أجل حياة كريمة في البيوت والمدارس والشوارع والمستشفيات والسجون وغيرها.

 

هذا الزمن ليس عائقا أمام البناء، ولا يمثل لوحده عاملا للاستقرار والتنمية؛ فهو فوق ذلك كله سلطان يرفض الفراغ ويفرض إلا أن يكون نعمة أو نقمة دون أي يرتضي بينهما مقاما.

 

 

اليوم، يصارع اليمن “السعيد” الوجود حين رفع الحوثي سلاحه ليذيق صنعاء وعدن وإرم وسبأ كأس العذاب والشقاء.. اليوم يحرق البغدادي الشام ويذبح في العراق. ويشرد مسحييه. ويقتل الإنسان في ليبيا على أنه ليبي إذا نجا من الموت لأنه مسلم. المهم أن يقتل الإنسان؛ ويمثل به في نيجريا والكاميرون لأن التعليم حرام ولأن الحياة حرام.

 

 

أثبت السلفيون أن خطرهم يهدد موريتانيا وفي الصميم، هذه المرة من قلب العاصمة نواكشوط ، وعلى بعد 2 كيلومتر من القصر الرئاسي، وداخل سجن في أكثر المناطق أمنا في البلاد.

 

رسالة السلفيين واضحة. نعم إنهم يسعون لإحلال مشروعهم التخريبي مكان دولة ذابت أركانها.. وانطمست معالمها.. ولم يبق إلا وجه الدعاية والأمن.

 

فقد سقط التعليم وتهاوت القيم، وكل الخدمات العامة تتحدث عن حالها أكثر من مفردات اللغة ومشاعر الشعب المحبطة.

 

 

ضرب السلفيون عمق الأمن.. وتبين أن سجنهم أكبر من خلية عمل إعلامية واستراتيجية. و لا أحد يعمل القدرات والوسائل التي يتمتعون بها داخل العنابر والزنازين وخارجها.

 

ولد السمان ورفاقه أشبه بأعضاء حكومة يقودون دولة من رحم السجن المركزي.

دولة ولد السمان لم تعد خطرا يهددنا، بل هي واقع يرسم خريطة الأعلام السوداء وساحات الإعدام في لكصر وتوجيين وتفرغ زينة والميناء وألاك وبو تلميت وضواحيها ، بل لما بين شواطئ الأطلسي وشوارع تمبكتو.

 

وقد أعذر من أنذر.

جبريل جالو

شتاء 2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى