لا للحوار… فما هو البديل؟
يرى البعض بأنه لا أهمية لأي حوار مع السلطة القائمة، ويرى هؤلاء بأنه على المعارضة الموريتانية أن ترفض الحوار، ولكن مشكلة هؤلاء هي أنهم يكتفون دائما بالمطالبة برفض الحوار، ودون أن يقدموا أي بديل مقنع، اللهم إلا إذا كان أنه على الجميع أن يعود من جديد إلى نوم عميق في انتظار أن يحدث “شيء ما ” يكون من نتائجه رحيل أو سقوط النظام القائم.
إنه بإمكان المعارضة الموريتانية أن ترفض الحوار في انتظار حدوث “شيء ما”، ولكن هل من المؤكد بأنه إذا ما رفضت المعارضة الحوار مع السلطة فإن ذلك سيؤدي حتما إلى حدوث “شيء ما”، وهل أن “شيئا ما” إن حدث سيكون لصالح المعارضة، ولصالح الوطن؟
إن هذا “الشيء” المنتظر، إن أتى، فسيأتي في الغالب في واحدة من صورتين: فإما أن يأتي في صورة انقلاب، ولاشك بأن التجارب الماضية قد أثبتت بأنه لا خير في الانقلابات، وبأن كل انقلاب يأتي في العادة بنتائج أسوأ من الانقلاب الذي سبقه، وعموما فإن المعارضة لم تستفد في كل تاريخها من أي انقلاب، بما في ذلك انقلاب 3 أغسطس 2005، والذي كان الجميع يعتقد بأن المعارضة الموريتانية هي وحدها من سيقطف ثماره. أما الصورة الثانية التي يمكن أن يأتي عليها ذلك الشيء المنتظر فهي أن يأتي في صورة ثورة، ولاشك بأن الثورات تحمل معها الكثير من المخاطر، وخاصة في بلد قد أصبحت لحمته الاجتماعية مفخخة كما هو حال بلدنا. لقد شاهدنا ماذا فعلت الثورات بدول كانت شعوبها أكثر تماسكا من شعبنا، وكانت نخبها أكثر وعيا من نخبنا، فما الذي يمكن أن تفعله بنا ثورة تأتي في هذا العهد الذي لم نعد نسمع فيه غير الخطابات الجهوية أو القبلية أو العرقية أو الشرائحية أو التكفيرية؟
إنه بإمكان المعارضة أن ترفض الحوار في انتظار أن يحدث “شيء ما” يُسقط النظام القائم، ولكن علينا أن نعلم أيضا بأن الدولة الموريتانية قد تسقط، لا قدر الله، من قبل أن تسقط السلطة القائمة، وهذا الكلام لا يعني بأي حال من الأحوال بأننا نحتاج إلى وقت طويل لإسقاط النظام القائم، فسقوط النظام القائم قد يكون أقرب مما تصورون، وإنما يعني ها الكلام بأنه إذا ما تركنا السلطة القائمة تنفرد بتدبير شؤون البلاد، وبنفس الأسلوب المعتمد لديها، فإن الدولة قد تسقط من قبل سقوط النظام، حتى وإن كان سقوط هذا الأخير قد لا يحتاج إلى وقت طويل.
إن رفض المعارضة للحوار سيضعها أمام ثلاث إشكالات كبيرة:
1 ـ ستظهر للرأي العام بأنها هي من يرفض الحوار، خاصة وأن وثيقة الوزير الأول قد أظهرت، على الأقل من الناحية النظرية، استعدادا كبيرا من طرف السلطة القائمة للدخول في حوار جدي تناقش فيه كل الإشكالات المطروحة.
2 ـ أن ترفض المعارضة الحوار فذلك يعني أن البديل سيكون هو اللجوء إلى الشعب الموريتاني من أجل القيام بالمزيد من الضغط على السلطة القائمة، ولن يكون ذلك الأمر سهلا، خاصة وأن الشعب الموريتاني قد يتعامل مع المعارضة بجفاء إن ثبت لديه بأنها هي من يرفض الحوار، ثم إنه علينا أن لا ننسى بأن الشعب الموريتاني قد أصيب بإحباط كبير بعد أن شارك في السنوات الماضية، في سلسلة من المظاهرات والمسيرات الضخمة دون أن يأتي ذلك بأي نتيجة تذكر: مسيرات الرحيل، مسيرة الرابع من يونيو، والتي يمكن اعتبارها بأنها هي أضخم مسيرة في تاريخنا السياسي.
وخير دليل على هذا الإحباط هو أنه وإلى يومنا هذا، لم يستطع أي حزب سياسي، ولا أي نقابة، ولا أي حركة شبابية، ولا أي مجموعة من أن تنظم مسيرة أو وقفة من عشرة أشخاص للاحتجاج ضد عدم خفض الحكومة لأسعار المحروقات التي تم تخفيضها في دول الجوار.
3 ـ إن الوضعية الحالية ليست في صالح المعارضة، فلو كانت المعارضة كلها خارج المؤسسات الدستورية، أو كانت كلها داخل هذه المؤسسات، لكان نضالها أكثر انسجاما وفعالية، ولكن المشكلة هي أن المعارضة تعيش اليوم انقساما، فبعضها وهو الأقل يوجد داخل تلك المؤسسات، في حين يوجد أغلبها خارج تلك المؤسسات، ولذلك، وفي ظل استمرار هذه الوضعية الغير طبيعية، فستظل دائما هناك مشكلة في تحديد أساليب النضال الملائمة للتعامل مع السلطة القائمة.
لقد كنتُ من الذين ناصروا خيار مقاطعة انتخابات 23 نوفمبر التشريعية، وانتخابات 21 يونيو الرئاسية، ولا شك بأن تلك المقاطعة قد حققت بعض المكاسب لعل من أهمها:
ـ أنها أسقطت بشكل أو بآخر تلك الانتخابات، فان يعبر الوزير الأول في وثيقته عن استعداد الحكومة لتنظيم انتخابات تشريعية وبلدية ورئاسية مبكرة، فذلك يعني اعترافا ضمنيا بفشل تلك الانتخابات. كما أن هذه الوثيقة قد اعترفت أيضا، حتى وإن كان ذلك بطرقة غير مباشرة بأن “الديمقراطية الرائعة” التي كانت تتغنى بها السلطة القائمة لم تكن برائعة، فأن يتحدث الوزير الأول، وبعد ست سنوات من الممارسة الديمقراطية الرائعة، عن الاستعداد لفتح وسائل الإعلام الرسمي أمام المعارضة، وعن الاستعداد لتوظيف أطر المعارضة من أصحاب الكفاءات مع منح الصفقات لمن يستحقها من رجال أعمال المعارضة، هذا فضلا عن الوعد بإبعاد الجيش عن السياسة. فأن يتحدث الوزير الأول عن مثل هذه الأمور بعد ست سنوات من الممارسة الديمقراطية، فذلك يعني بأن ما عشناه خلال تلك السنوات الست لم يكن بديمقراطية حقيقية.
ـ أن هذه الوثيقة قد أثبتت بأن النظام القائم قد فشل فشلا ذريعا في إنتاج وصنع معارضة بديلة للمعارضة التقليدية، وذلك رغم الكلفة الكبيرة التي دفعها من أجل صناعة تلك المعارضة، فمعارضته التي فصلها على مقاسه في الانتخابات الرئاسية الماضية، والتي كلفته كثيرا، هي الآن في السجون (إيرا). كما أن المعارضة الموجودة حاليا في البرلمان والبلديات لم تتمكن من أن تكتسب مصداقية كتلك التي كانت تتمتع بها المعارضة في المجالس التشريعية والبلدية التي أفرزتها انتخابات 2006.
إن كل ذلك يشكل مكاسب مهمة للمعارضة الموريتانية، وهي مكاسب قد تحققت من خلال مقاطعة الانتخابات الماضية، ولكن هذه المكاسب قد تضيع إذا لم تحاول المعارضة الموريتانية أن تستغلها اليوم، وذلك من خلال القبول بالمشاركة في الحوار الحالي.
إن على المعارضة الموريتانية أن تشارك في الحوار الحالي، وعليها أن تعمل من أجل تحقيق واحد من مكسبين اثنين:
أولهما : إذا كانت الحكومة كعادتها غير جادة في حوارها الحالي، فإنه على المعارضة أن تثبت ذلك للشعب الموريتاني، ولن يكون ذلك ممكنا إلا من خلال القبول بالدخول في الحوار، فذلك هو ما سيظهر للمواطن الموريتاني عدم جدية السلطة في الحوار.
ثانيهما :أن تكون الحكومة، وعلى غير عادتها، جادة هذه المرة في حوارها، فإنه على المعارضة في هذه الحالة أن تستفيد من ذلك لتعزيز مكانتها في الإدارة وفي المجالس التي ستنبثق عن الانتخابات القادمة.
إن على المعارضة أن تشارك في أي حوار جاد مع السلطة القائمة، ولكن بشرط أن لا تقبل تحت أي ظرف من الظروف بأن يتم تعديل المادة المتضمنة لعدد مأموريات الرئيس ولسن الترشح القصوى، وأن لا تقبل بأي انتخابات رئاسية مبكرة إلا إذا كانت لن تمنح للرئيس “عزيز” في حالة فوزه فيها أي فرصة لأن يزيد على مأموريته الثانية بيوم واحد، أي أن لا يكون هناك أي احتمال، حتى ولو كان ضعيفا، لأن يبقى الرئيس “عزيز” رئيسا للبلاد بعد نهاية الأسبوع الأول من شهر أغسطس من العام 2019.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل