تهنئة للوكيل وتعزية للشعب الموريتاني!!
لقد أتاح لي موقع “بلوار ميديا” الفرصة لأن أتابع لقطات من المعركة المثيرة التي جرت في السجن المدني، مساء الجمعة الماضي. كما أتاح لي هذا الموقع فرصة أخرى للاستماع لأكثر من مرة لمقابلة كان قد أجراها السيد وكيل الجمهورية مساء السبت الماضي مع التلفزة الموريتانية للتعليق على أحداث السجن المدني.
ولقد هنأ السيد الوكيل نفسه في هذه المقابلة، كما هنأ الشعب الموريتاني على الحكمة التي تعامل بها قطاعه مع هذه الأزمة. ولعل الطريف في الأمر أن السيد الوكيل كان قد رفض في بداية المقابلة أن يصف ما حدث بأنه أزمة، ولكنه في نهاية المقابلة سيعتبر بأن ما حدث كان أزمة، بل وأزمات!!
ورغم أن الوكيل كان قد استفزني في بداية الأمر بتهنئته لنفسه ولقطاعه على الحكمة التي تعاملوا بها مع حادثة السجن المركزي، إلا أني عندما تأملتُ في الحادثة، وجدتُ أن الكل كان يستحق بالفعل التهنئة: الوكيل، الحرس، الوزير، وكل من له صلة من قريب أو من بعيد بهذه الحادثة.
إنهم جميعا يستحقون التهنئة، وذلك لأنهم تمكنوا من المحافظة على حياة الحرسييْن اللذين اختطفا، حتى وإن كان ذلك الأسلوب الذي اعتمدوه للمحافظة على حياة الحرسيين قد يهدد مستقبلا حياة آلاف الأبرياء الآخرين.لقد جعلوا من أسلوب الاختطاف واستخدام القوة أفضل وأسرع وسيلة لنيل الحقوق، ولذلك فإننا لن نستغرب غدا إن سمعنا عن أي مجرم أو أي بريء يستخدم هذا الأسلوب، أي أسلوب الاختطاف، لنيل حقوقه كاملة غير منقوصة.
وإنهم يستحقون التهنئة لأن هذه الأزمة قد بينت لنا بأن العاملين في قطاع العدل يعملون في أيام العمل وفي أيام العطل، يعملون بالليل والنهار، ولذلك فقد أصدر وزير العدل بطاقات لخروج السجناء الأربعة في فترة متأخرة من الليل، الوكيل قال بأن ذلك لم يكن نتيجة للرضوخ لطلبات الخاطفين، وإنما كان يدخل في إطار الإجراءات العادية للوزارة!!
وإنهم يستحقون التهنئة لأن هذه الأزمة قد كشفت لنا، وعلى لسان الوكيل، بأن موريتانيا دولة قانون، وبأنه ليس فيها من تعرض لأي حبس تحكمي، بل أكثر من ذلك، فإن الوكيل قد تحدى في مقابلته، أي مراقب، أو أي قانوني، يثبت له بأن هناك حالة حبس تحكمي واحد، ومن فضلكم فلا تسألونني لماذا لم يطلق سراح السجناء السلفيين الأربعة، إلا بعد أن اختطفوا عنصرين من الحرس الوطني؟
وإنهم يستحقون التهنئة أيضا لأنهم بشرونا، ودائما، على لسان الوكيل، بأن ما حدث في مساء الجمعة الماضي لم يكن إهانة للدولة الموريتانية. فأن يختطف عنصرين من الحرس من طرف سجناء، وأن تستمر عملية الاختطاف لعدة ساعات في مكان من المفترض بأنه من أكثر الأمكنة تأمينا، أن يحدث هذا على بعد عشرات الأمتار فقط من قيادة الجيوش، ومن قيادة أركان الدرك، ومن مبنى الحكومة، وعلى بعد مئات الأمتار فقط من القصر الرئاسي، وأن تضطر الدولة الموريتانية لأن ترضخ لشروط السجناء، وأن لا يشكل كل ذلك أي إهانة للدولة الموريتانية، فمتى يمكننا أن نتحدث عن إهانة للدولة الموريتانية؟. إن من يبشرنا بأن كل ذلك لم يشكل أي إهانة للدولة الموريتانية فهو لابد وأنه شخص جريء، وشجاع، وحكيم، ويستحق منا أكثر من تهنئة.
إن ما حدث في مساء الجمعة الماضي لم يكن إلا مجرد حدث عادي وعابر، أو إشكال أو شغب بلغة الوكيل، ولذلك فهو لا يستحق كل هذا الضجيج، بل ولا يستحق أن يذكر أصلا، وهذا هو ما جعل مؤسسة رسمية
عريقة عُرِفت هي أيضا بحكمتها لا تتحدث عن تلك الحادثة، ولو بشطر كلمة.
لقد تجاهلت الوكالة الموريتانية للأنباء ما حدث مساء الجمعة الماضي في السجن المدني، ولم تتحدث عنه بشطر كلمة، ولذلك فهي تستحق أيضا التهنئة على ذلك. فهنيئا للوكيل على حكمته، وهنيئا للوكالة على حكمتها، أما أنتم الذين جعلتم من إشكال بسيط حدثا كبيرا فإني أعزيكم في عقولكم، وعليكم من الآن أن تأخذوا الحكمة من الوكيل أو من الوكالة.
لقد تصادفت حادثة السجن المدني مع افتتاح الوكالة الموريتانية للأنباء لخمس مكاتب جهوية داخل البلاد، ولقد قال الأمين العام لوزارة العلاقات مع البرلمان في حفل تم تنظيمه بتلك المناسبة : “بأن الوكالة الموريتانية للأنباء ستتمكن لاحقا من توسيع هذه التجربة لتشمل كافة ولايات الوطن لتكون كما هي، حاضرة فعلا في الحدث الوطني، وأول مزود بكافة الأحداث التي تجري داخل الوطن.”
إننا نعلم جميعا بأن السجن المدني يقع على أرض موريتانية، بل إنه يقع في قلب العاصمة، فكيف يمكنكم أن تتصورا بأن يحدث ما يستحق أن يذكر داخل السجن، ولا تذكره الوكالة الموريتانية للأنباء، والتي يصفها الأمين العام للوزارة بأنها أول مزود بكافة الأحداث التي تجري داخل الوطن؟
وكرد من غير حكيم على حكمة الوكيل الذي أكد لنا بأننا نعيش في دولة قانون، فإليكم هذا الخبر الذي نشرته الوكالة المعروفة بحكمتها، وهو الخبر الذي يسيء إلى المادة الأولى من الدستور الموريتاني والتي تقول :” يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي”. يقول الخبر الذي نشرته الوكالة الحكيمة بأن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز قد استقبل يوم الثلاثاء بالقصر الرئاسي في نواكشوط، ممثلي
مجموعة “السوننكي” الموريتانية برئاسة عميد المجموعة السيد “كامارا بانغورو”.
فيا من لستم بحكمة الوكيل، ولا بحكمة الوكالة، عليكم أن لا تستغربوا إن سمعتم غدا، عن استقبال رسمي في القصر الرئاسي لممثل عن مجموعة “البيظان” أو لناطق باسم “الولوف” أو لمتحدث باسم “البولار”.
بالمناسبة هل فيكم من يعرف ممثل المجموعات الأخرى؟ لقد أخذنا علما بأن السيد ” كامارا بانغورو” هو الممثل الرسمي لمجموعة “السوننكي”، فمن هويا ترى ممثل مجوعة “البيظان”، ومن هو ممثل مجموعة “الولوف” ومن هو ممثل مجموعة “البولار”؟
إني أعزيكم في المادة الأولى من الدستور الموريتاني.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل