خاص برافضي الحوار!! / محمد الأمين ولد الفاضل
يحتج بعض رافضي الحوار بجملة من الحجج لعل من أهمها أن المعارضة الموريتانية كانت قد جربت الحوار مع السلطة الحالية أكثر من مرة، وأن تلك التجارب لم تكن مشجعة، ولذلك فلا داعي لحوار جديد مع هذه السلطة.
هذا كلام سليم ومنطقي جدا، لا خلاف على ذلك، ولكن دعونا نطرح السؤال التالي: ألم تجرب المعارضة الموريتانية البدائل الأخرى وفشلت؟ ألم تجرب الثورة؟ ألم ترفع شعار “ارحل” وفشلت في ترحيل النظام القائم؟ ألم تجرب المعارضة من قبل ذلك انتظار الانقلابات، بل وخلق الظروف المساعدة لها؟ ألم تفشل في الاستفادة من كل الانقلابات التي حدثت في هذه البلاد، وما أكثر ما حدث في هذه البلاد من انقلابات. بدءا دعونا نتفق على أن المعارضة الموريتانية كانت قد جربت كل المحاولات المعهودة لإحداث التغيير في هذه البلاد، ولكنها فشلت في كل تلك التجارب، لذلك فلا معنى لأن يُقال لنا بالغدو والآصال بأنه لا فائدة من الحوار مع النظام القائم، وذلك لأن التجارب السابقة لا تشجع على ذلك، وكأن في تجارب الثورات والانقلابات ما يغري بالعودة إلى طرحها من جديد. لقد فشلت المعارضة الموريتانية في القيام بثورة في فترة رواج ثورات الربيع العربي. كما أنها فشلت في القيام بثورة في فترة الشهر والنصف التي غاب فيها الرئيس “عزيز” بعد إصابته برصاصات أكتوبر، ولم يحدث انقلاب في تلك الفترة التي يمكن اعتبارها بأنها كانت هي الفترة الأمثل لحدوث أي انقلاب. ما أريد أن أصل إليه هنا هو أن كل أساليب التغيير الممكنة قد أثبتت إلى الآن فشلها، لذلك فليس من السليم أن نتذكر فشل خيار واحد، وأن نتناسى فشل الخيارات الأخرى. نحن إذاً أمام خيارات قد جُربت كلها من قبل، وقد أثبتت فشلها، فهي من حيث الفشل متساوية، ومع ذلك فلابد لنا أن نختار منها واحدا، وأن نحاول أن نجعل منه هذه المرة خيارا ناجحا. . وفي اعتقادي فإن خيار الحوار هو الأنسب الآن للمعارضة الموريتانية، وذلك لأسباب كثيرة، وهذه عشرة منها: 1 ـ إن أهم مكسب حققته المعارضة الموريتانية في الفترة الأخيرة هو أنها تمكنت من تشكيل كتلة كبيرة بحجم المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، ولذلك فإن العمل على بقاء هذه الكتلة متماسكة يجب أن يظل دائما هو أولوية الأولويات، وبما أن ثلاثة أقطاب من هذه الكتلة قد اختارت وبإجماع خيار الحوار، وبما أن أغلبية كبيرة من القطب الرابع (القطب السياسي) هي أيضا مع الحوار، فإن كل ذلك يقتضي بأن تلتزم الأقلية في المنتدى بخيار الأكثرية، وذلك حتى يظل المنتدى متماسكا. إن أي قرار منفرد قد يؤدي إلى تفكيك المنتدى سيكون هو أكبر خدمة يمكن أن نقدمها للرئيس “عزيز”، حتى ولو جاءت تلك الخدمة تحت عنوان : إننا نرفض الحوار معك يا “جنرال”. 2 ـ إنه علينا أن نتذكر دائما بأن المنتدى الوطني للديمقراطية الوحدة كان قد تأسس كردة فعل على انتخابات 23 نوفمبر غير التوافقية، وبأن العمل من أجل تنظيم انتخابات توافقية كان من أهم الأهداف التي تأسس عليها هذا المنتدى، ولذلك فإنه لا معنى لأن تدعو السلطة الحاكمة لحوار قد يترتب عليه إلغاء المجالس المنبثقة عن الانتخابات السابقة، وتنظيم انتخابات جديدة على أساس توافقي، ويكون المنتدى هو من يرفض ذلك. 3 ـ لا خلاف على أن في سيرة السلطة القائمة الكثير من المحطات التي لا تغري بالتعامل معها، ولا خلاف بأن كل ما في تلك السيرة لا يبعث إطلاقا على الثقة، ولا خلاف أيضا على أن هناك من تضرر أكثر من غيره بعدم وفاء السلطة بالتزاماتها، لا خلاف على كل ذلك، ولكن الحل لن يكون أبدا بأن نقول للرئيس عزيز “لا” في الأوقات التي يجب علينا أن نقول له فيها “نعم”، وذلك لأننا كنا قد قلنا له في الماضي “نعم” في وقت كان يجب علينا أن نقول له فيه “لا”. لقد كان الوقت الأنسب لقول “لا” للرئيس “عزيز” هو صبيحة السادس من أغسطس من العام 2008 عندما قاد انقلابا، أما الآن، فإن “لا” ليست هي المناسبة للرد على دعوته إلى الحوار. 4 ـ هناك نشطاء في “الفيسبوك” وكتاب طلبوا من المعارضة بأن لا تقبل بالحوار، ولكنهم مع ذلك ليسوا على استعداد لدفع الكلفة النضالية المترتبة على مثل ذلك القرار، فلو افترضنا أن المعارضة رفضت الحوار، ودعت من بعد ذلك إلى مسيرات و مظاهرات لكان الكثير من المطالبين اليوم برفض الحوار هم من أول المتغيبين عن تلك المسيرات والمظاهرات. إن رفض الحوار يعني بأنه على المعارضة أن تصعد من احتجاجاتها، أي أنه يعني تنظيم الكثير من المسيرات والاحتجاجات في الفترة القادمة، ولعلي لا أفشي سرا إن قلتُ لكم بأن ذلك سيكون في غاية الصعوبة نظرا للإحباط ولعدم تحمس الكثير من الجماهير، ونظرا كذلك لعدم توفر الموارد المالية التي تتطلبها مثل تلك الأنشطة الاحتجاجية. 5 ـ إن خيار الحوار كخيار التصعيد، فكلاهما اجتهاد سياسي يحتمل الخطأ والصواب، وكلاهما يحتاج فوق ذلك إلى بذل الكثير من الجهد لكي يعطي نتائج إيجابية، ولكن ما يمكن قوله في هذه النقطة هو أن المعارضة بتركيبتها وبوضعيتها الحالية قد تكون أكثر قدرة على دفع ما يتطلبه الحوار من جهد نضالي أكثر من قدرتها على دفع ما يتطلبه التصعيد من جهد نضالي. 6 ـ إن القبول بالحوار لا يعني إطلاقا التنازل عن الضمانات المطلوبة، ولا يعني بأنه لن يكون بإمكان المعارضة أن تنسحب في حالة ظهور عدم جدية السلطة، ولا يعني كذلك بأنه على المعارضة أن توقف أنشطتها الاحتجاجية ضد السلطة القائمة. إن القبول بالحوار لا يتعدى كونه مجرد رد إيجابي على رسائل إيجابية جاءت من السلطة الحاكمة، فإن كانت هذه الأخيرة جادة فعلا، فلتكن المعارضة جادة أيضا، وإذا كانت السلطة غير جادة فإنه سيكون بإمكان المعارضة أن تنسحب من الحوار كما انسحبت من حوار سابق، وحينها ستكون قد جمعت من الحجج ما يكفي لأن يقنع الشعب الموريتاني بأن السلطة القائمة لم تكن جادة في دعوتها للحوار. 7 ـ إن رفض الحوار من طرف المعارضة سيؤثر سلبا على شعبيتها، وسيمنح للنظام القائم شعبية هو في أمس الحاجة إليها، كما أنه سيكون لصالح الموالاة الداعمة للرئيس وسيزيد من تماسك هذه الموالاة. أما قبول المعارضة للحوار فإنه سيزيد من تفكك هذه الموالاة المتفككة أصلا، والتي ستكون هي الأكثر تضررا من أي حوار قادم. 8 ـ لقد كان لي الشرف بأن أكون من بين العشرات من الموقعين على “نداء الرابع من دجمبر”، والذي كان أول نداء دعا إلى قيام حلف معارض كبير يجمع بين الأحزاب السياسية المعارضة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة. ولقد كان لي الشرف أيضا بأن أكون من بين خمسة من الموقعين على النداء تكفلوا بعرض مضمون النداء على الجهات المعنية، من أحزاب معارضة، ومن نقابات، ومن شخصيات مستقلة، ومن منظمات مجتمع مدني، وهو ما أتاح لنا نحن الخمسة بأن نلتقي ونناقش مضمون النداء مع عدد كبير من القيادات السياسية والنقابية والشخصيات المستقلة التي ستشكل فيما بعد ما بات يعرف بالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة. ولقد التقينا في تلك الفترة برؤساء الأحزاب المعارضة المشاركة في انتخابات 23نوفمبر فيما بين الشوطين، ولقد طلبنا من حزبي “تواصل” و”التحالف” بأن ينسحبا من قبل الشوط الثاني، وذلك باعتبار أن تلك الانتخابات لا مصداقية لها، وبأن مشاركة “تواصل” و “التحالف” فيها هو ما يعطيها شيئا من مصداقية، وبأن الحزبين عندما ينسحبان من قبل الشوط الثاني فإن ذلك سيكون أقوى ضربة يمكن أن توجه إلى السلطة، ولقد قلنا حينها للرئيسين (جميل ومسعود) بأن المجالس المترتبة على انتخابات23 نوفمبر لن تعمر طويلا، وبأنه سيأتي اليوم الذي ستحل فيه تلك المجالس من طرف الرئيس “عزيز”، ولذلك فإنه قد يكون من الحكمة أن يتخذ الحزبان قرارا بإفشال انتخابات 23 نوفمبر من قبل أن يأتي الوقت الذي سيقرر فيه الرئيس “عزيز” حل المجالس المنبثقة عن تلك الانتخابات. لقد طلبنا وبإلحاح من الحزبين المعارضين بأن ينسحبا من انتخابات 23 نوفمبر، ولكن ذلك لم يكن ليمنعنا من أن نعترف لهما بأن مشاركتهما في انتخابات 23 نوفمبر قد زادت من قناعتنا بأن فرض التغيير من خلال صناديق الاقتراع لم يعد أمرا مستحيلا، خاصة إذا ما التقطنا بعض الرسائل الإيجابية التي قدمتها لنا تلك الانتخابات، والتي أكدت بأن الشعب الموريتاني قد أصبح بمستوى من النضج يكفي لإسقاط مرشحي السلطة. ومن الأمثلة على ذلك، ما حدث في مقاطعة “شنقيط” التي رفضت التصويت لنائب رئيس الجمعية الوطنية، وكذلك ما حدث في مقاطعة “كرو” حيث فشل ثلاثة وزراء في فرض فوز مرشح السلطة، وكذلك ما حدث في دوائر أخرى عديدة حيث لم يستطع بعض الوزراء أن يفرضوا فوزهم في الشوط الأول ( وزيرة الوظيفة العمومية في بلدية لكصر، وزير التجارة في بلدية روصو..). ويضاف إلى ذلك كله ما أظهرته بعض المكاتب الخاصة بالقوات المسلحة، والتي أثبتت بأنه لم يعد بالإمكان التحكم حتى في أصوات العسكريين. 9 ـ إن الفترة القادمة ستكون هي الفترة الأنسب لكي تحقق المعارضة الموريتانية نتائج انتخابية معتبرة، فالموالاة تمر الآن بأشد فتراتها ضعفا، والبلاد تعيش العديد من الأزمات وهو ما سينعكس سلبا على مرشحي السلطة، يضاف إلى ذلك أن الانتخابات التشريعية والبلدية المتوقعة التي قد تنبثق عن الحوار المنتظر ستكون في أسوأ الأحوال أكثر شفافية من انتخابات 23 نوفمبر. إن كل ذلك سيكون في صالح المعارضة الموريتانية، وسيجعلها تحقق نتائج معتبرة، خاصة إذا ما اتفقت أحزابها على أن تتحالف ضد مرشحي السلطة في الشوط الثاني، وذلك بعد أن تكون قد اختارت مرشحين أكفاء حتى ولو كانوا من خارج أحزابها، فالمهم في الانتخابات القادمة هو أن يتم اختيار المرشح القادر على تحقيق الفوز، ومثل هذه المسألة لم تعد تشكل خطرا على الأحزاب، وذلك بعد أن أصبح انسحاب المرشح الفائز من حزبه سيؤدي به إلى خسارة مقعده الانتخابي. إن العمل الجاد من أجل فرض حوار جدي يؤدي إلى انتخابات شفافة تمكن المعارضة من الحصول على أغلبية برلمانية مريحة قد يكون هو أفضل الطرق وأقصرها وأكثرها أمانا لإسقاط النظام القائم. 10 ـ الحجة العاشرة ستجدونها في هذه القصة التي سأختم بها هذا المقال، والتي لن أعلق عليها. تتحدث القصة عن رجلين كانا في سفينة، أحدهما كان في مقدمتها، وكان بمثابة قبطانها، وكان يعمل جاهدا لإسقاط الراكب الثاني الذي كان يوجد في مؤخرة السفينة. لم يهتم الراكب القائد بالسفينة، بل إنه انشغل بمحاولة إسقاط الراكب الثاني، وهو ما تسبب في خرق السفينة وامتلائها بالماء إلى أن كادت أن تغرق. عندها استشعر الراكب القائد بالخطر، فما كان منه إلا أن طلب من الراكب الثاني مساعدته في سد الثقب، ولم يكن بالإمكان أن يسد الثقب إلا إذا تعاون الراكبان، ولكن الراكب الثاني رفض المساعدة، لأن الثقب كان في مقدمة السفينة، مما يعني بأن مقدمة السفينة ستغرق من قبل مؤخرتها. وهو ما يعني أيضا بأن الراكب الذي رفض المساعدة، لن يغرق إلا بعد أن يكون راكب المقدمة قد غرق. ومن شدة الحقد بين الرجلين، فإن الراكب الثاني فضل أن تغرق السفينة، وأن يغرق هو فيها مادام سيغرق بعد الراكب القائد، وما دام سيجد لحظة من قبل غرقه سيتمتع فيها برؤية خصمه وهو يغرق مع مقدمة السفينة.