موريتانيا: الصحافة في مواجهة “الصح/آفة” (افتتاحية ميثاق)

“الصحآفة” أو “الصح/آفة” هو اسم لجريدة كانت تصدر في تونس فترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي، لا يحضرنا الآن طريقة كتابته، ولا أي شيء عن دلالاته..

يمكننا أن نفترض أن ناشري تلك الجريدة أرادوا بهذه التسمية الطريفة الإشارة من طرف خفي إلى أن قول الحقيقة، أو “الشيء الصحيح” الذي هو “صح”؛ كثيرا ما يكون “آفة” على قائله في زمن عربي قل فيه الصادعون بـ”الحق”؛ فكان “الصح” “آفة”.

لكنه يمكن أيضا أن يكون القصد من تلك التسمية الظريفة هو أن “الصحافة” في تونس آنذاك كانت “آفة” أكثر مما هي صحافة”؛ كما هو حال بعض صحفنا وصحافتنا.. وليسوا كلهم جميعا..

وفي الحالتين معا لا بد أن تطوف بالذهن ذكرى تلك الصحيفة حين يخاض في ما نحن بصدد الخوض فيه الآن؛ سواء بدافع الخشية من “قول الحق الذي لا يقال”، أو بداع الامتعاض من “فعل الخطأ” الصادر عن من يفترض أنه عدو هذا الفعل وفاضحه بأقلامه وصحفه و”صحآفته”، وأيضا بـ”حصافته”..

المناسبة مميزة؛ فقد تعودت الصحافة أن تنقد تصرفات الآخرين وتكشف أوجه الفساد في الحياة العامة، وتسلط الأضواء على كل القضايا؛ وهذا دورها.. أما اليوم فإن هذه الصحافة تخلق من نفسها حدثا مكشوفا للجميع، وتتحول بذلك إلى موضوع للنقد والتقييم والتقويم؛ حتى من الصحافة ذاتها.

إنها مناسبة صرف الدعم العمومي السنوي للصحافة المستقلة الذي أشرفت عليه لجنة خاصة جلها صحفيون وأيضا “مستقلون”!!

تمت العملية بسرعة المستعجلين على قضاء دين فات أوانه؛ وضربت فيها اللجنة “المثل الأعلى” لما تدعو له “الصح/آفة”/ لا “الصحافة” من شفافية ونزاهة في صرف المال العام وتسييره وإيصاله بأمانة تامة إلى مستحقيه.

بدأت العملية بإعلان شروط الاستفادة من هذا الدعم.. نقدم لكم نموذجا منه يتعلق بالصحافة الورقية والصحافة الالكترونية وبالنص الحرفي الذي تضمنه بيان اللجنة الخاص بفتح باب استقبال ملفات المترشحين الراغبين في الاستفادة من ذلكم الدعم:

(ملف  المترشح  للاستفادة من الدعم العمومي بالنسبة للصحافة المكتوبة والالكترونية:

– طلب خطي موقع ومختوم من طرف المدير الناشر للمؤسسة، وموجه إلى رئيس اللجنة

 

– وصل استلام تصريح من وكالة الجمهورية، لا يقل تاريخه عن سنة

 

– السيرة الذاتية  للمسؤول  الأول  للمؤسسة

 

– عقود عمل لثلاثة صحفيين على الأقل مع سيرهم الذاتية

 

– نسخة من عقد إيجار المقر   لا يقل تاريخه عن سنة

 

– إفادة من  بنك تثبت وجود حساب جاري باسم المؤسسة،

 

– نسخة من السجل التجاري

 

– نسخة من النظام الأساسي

 

– رقم التعريف الضريبي NIF.  

 

– إفادة تسجيل العمال لدى صندوق الضمان الاجتماعي

 

– كشف محاسبي للنصف الأول من عام 2014.

 

 

 

أ‌.      معايير الصحافة الورقية:

ب‌.  

– انتظام الصدور طبقا للدورية خلال العام 2014، 40 % بالنسبة للصحف غير المستفيدة  من الدعم  لسنة 2013 و 50% بالنسبة للصحف  المستفيدة من الدعم لسنة 2013

 

– السحب

 

– عدد اللغات

 

– المهنية

 

– الاقدمية

 

– التخصص

 

 

ت‌. معايير الصحافة الالكترونية:

 

     – استمرارية سنة من التحديث اليومي دون انقطاع او تغيير في الرابط ” الدومين”

 

     – المقروئية  طبقا للتصنيف الدولي.

 

     –  الواجهة و تعدد الوسائط الالكترونية

 

     – الأقدمية

 

     – عدد النوافذ

 

     – التخصص

 

     – المهنية

 

     – عدد اللغات) (انتهى الاستشهاد)

واضح أن من لا تتوفر فيه كل هذه الشروط (الدقيق منها والفضفاض) لن يستفيد من الدعم العمومي؛ لكن للجنة فلسفتها الخاصة في “الشفافية” و”الموضوعية” والتي لا يفهمها سواها؛ لذلك ما كاد ينقضي الأجل المحدد لاستقبال الملفات حتى أصدرت بيانا بنتيجة مداولاتها معلنة فيه قائمة المؤسسات المستفيدة؛ وصنفتها (في ما يتعلق بالصحف الالكترونية مثلا) إلى ثلاث فئات متفاوتة في التنقيط والدرجات:

–         فئة أولى: مستفيدة من الدعم المخصص للاستضافة والإيجار والأجور.

–         وفئة ثانية مستفيدة من الدعم المخصص للاستضافة والأجور

–         وفئة أخيرة مستفيدة من الدعم المخصص للاستضافة

ما معنى هذا؟؟؟

– إنه سؤال يحتاج عبقرية لا نملكها حتى نجيب عليه!! لكن من معانيه أن هناك مجموعة من المؤسسات لها مقرات، ولها عمال يتقاضون أجورا، وعندها موقع ألكتروني تستضيفه إحدى الشركات المختصة؛ لذلك استحقت كل تلك الصنوف من الدعم!!

– كما أن هناك مؤسسات أخرى ليس لها مقر ولكن لديها عمالا يتقاضون أجورا وموقعا مستضافا؛ فاستحقت الدعم المخصص للاستضافة والأجور دون الإيجار!!،

– أما الفئة الثالثة فلم يتوفر لها من الشروط سوى الموقع الالكتروني الذي قد يكون تم إطلاقه قبل أيام وربما قبل ساعات فقط؛ ولذلك جاءت ضمن المواقع المستفيدة من هذا الدعم وفي درجات متقدمة مواقع لم يمض عام واحد على إطلاقها رغم اشتراط اللجنة مدة سنة كحد أدنى لمن يريد الاستفادة من ذلكم الدعم!!.

لم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل قامت اللجنة بإرفاق بيانها بجملة من النقاط وضعتها أمام كل مؤسسة مستفيدة دون أن تحدد سبب هذه النقاط ولا على أي أساس تم منحها لهذه المؤسسة أو تلك، ودون أن تكشف عن المبلغ الذي قررت منحه لكل مؤسسة (أو لكل نقطة)، وهل بقي من المبلغ الأصلي شيء؟ ولماذا.. ولمصلحة من؟؟؟!!.

إن هذا التساؤل يزداد وجاهة إذا علمنا أن أغلب المؤسسات المستفيدة هذا العام لم تحصل أي منها على ثلث المبلغ الذي حصلت عليه في أي من السنتين الماضيتين؛ وأن أفضلها حظا هي تلك التي حصلت على أقل من نصف المبلغ الذي حصلت عليه في أحد ذينك العامين؛ هذا على الرغم من أن مبلغ الدعم (200 مليون أوقية) لم ينقص هذه السنة عما كان عليه في الماضي؛ كما أن المؤسسات المستفيدة لم يزد عددها عما كانت عليه من قبل إلا بعدد قليل بعضه أضافته اللجنة من المؤسسات التي لا تتوفر فيها شروط الاستفادة ولأسباب لا تعرفها إلا اللجنة نفسها!!.

منذ تأسيسها عام 2012؛ ظلت وكالة “ميثاق” الإخبارية مصرة على الابتعاد عن طرق أبواب كثير من “المسئولين” العموميين طمعا في دعمهم؛ وذلك فرارا من الصورة النمطية  التي يحاول كثير منهم فرضها عن الصحافة المستقلة كما لو كانت مجرد مجموعات من “المتسولين، و”النشالين”، و”الشحاتة” و”البشمركة”.. وهي صورة ظالمة ومظلمة؛ حتى ولو كان بعض من “زملائنا” يتسببون مكرهين أومتعمدين في فرضها، إذ “لا تزر وازرة وزر أخرى”.

وفي أكثر من مناسبة كنا نطالب أن يتم وقف جميع أشكال المساعدة التي تقدمها المؤسسات العمومية للصحافة المستقلة؛ وأن يتم عوضا عن ذلك اقتطاع هذه المساعدة من كل مؤسسة على حدة ثم إضافتها إلى المبلغ الذي تقدمه الدولة سنويا إلى صندوق دعم الصحافة حتى يحصل عليه مستحقوه بشكل شفاف وبطريقة تحفظ كرامتهم وتؤمنهم من أن يتحولوا إلى رهائن عند المسئولين المباشرين عن تقديم تلك المساعدة والذين كثيرا ما اعتبروها ثمنا مستحقا لضمير الصحفي ومواقفه وآرائه؛ فليس كل من يساعدك هو بالضرورة “شهم أونبيل”!!

وفي المقابل راهنا كثيرا في “ميثاق” على حق مشرع يمكن أن نناله بشرف ودون أن يمنه علينا أحد؛ ألا وهو الحق في النصيب المستحق من الدعم السنوي الذي تقدمه الدولة لصحافتنا المستقلة؛ والذي استفدنا منه السنة الماضية بحصولنا على مبلغ تجاوز ما حصلنا عليه هذا العام بأكثر من ضعفيه؛ ولقد شعرنا بشيء من الظلم يسير خلال السنة الماضية لكننا آثرنا الصمت بدافع حسن الظن باللجنة وبزملائنا، وإدراكا منا لجسامة المسئولية الملقاة على عاتق اللجنة وصعوبة تجنب بعض الأخطاء؛ لكننا لم نتوقع أن يصل الأمر ما وصل إليه هذا العام، وما كان لنا أن نتكلم عن الظلم الذي لحقنا الآن لولا أن كثيرين غيرنا أحسوه وتحدثوا به؛ بل إن بعضهم سارع بالاتصال باللجنة لحظة إعلان نتيجة مداولاتها معلنا تحفظه على تلك النتيجة ومطالبا بمراجعات وتوضيحات؛ فكان الرد بأنهم “لا يستطيعون تغيير ما قرروه؛ لأن الشكاوى والتظلمات كثيرة؛ وإذا استمعوا لأحد المتضررين توجب عليهم الاستماع للباقين وبالتالي إعادة مراجعة كل ما قاموا به.. وهذا لا ما لا يريدونه ولا يقدرون عليه!!!

سبحان الله؛ أي الخطأين أعظم: “الوقوع فيه، أم الإصرار عليه”!!

إننا في “ميثاق” نعلن رغبتنا الصادقة في اعتبار الأخطاء التي وقعت فيها اللجنة هذا العام “أخطاء غير عمدية”؛ ولأجل مساعدتنا على ذلك؛ ولإبعاد نفسها عن مواقع الشبه؛ فإننا نطالب اللجنة المحترمة بإصدار بيان توضيحي يتضمن الآتي:

1)    تفسيرا للأسباب التي جعلتها لا تحترم معاييرها وشروطها المعلنة؛ فاعتمدت مؤسسات صحفية لم يمض عام واحد على انطلاقها.

2)    كيف لهذه المؤسسات التي لم تكمل عاما واحدا أن تحصد من النقاط ما لم تحصده مؤسسات تعمل بانتظام منذ سنوات وليس سنة واحدة فقط!

3)    لماذا حرمت بعض المؤسسات من الدعم المخصص للإيجار والأجور؛ رغم أن لها مقرات وعمالا وعقود عمل؛ ورغم أن أي مؤسسة لا مقر لها وليس لديها عقود عمل مع محررين لا يحق لها أصلا الاستفادة من هذا الدعم!!

4)     على أي أساس منحت اللجنة نقطها؛ وما المبلغ المخصص لكل نقطة، وما المبلغ الذي حصلت عليه كل مؤسسة مستفيدة؛ فالأمر يتعلق بأموال عامة وليست أموالا “سرية” حتى يتم التحفظ على نشر تفاصيل صرفها ونصيب كل مستحق منها.!!

5)    بالسنة للمؤسسات الإعلامية التي تصدر عنها صحف ورقية وأخرى ألكترونية: على أي أساس قدمت اللجنة دعمين لبعضها (دعم للصحيفة الورقية وآخر للصحيفة الالكترونية) بينما اكتفت بالنسبة لمؤسسات أخرى بدعم صحيفتها الورقية وتجاهلت صحيفتها الالكترونية)

مــــيــــــثــــــــاق

 

موريتاني يخضع للعلاج من أثر رصاصة أطلقها حرس الغابات السنغالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى