الإيمان أولا يا دعاة الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على حبيبه ونبيه المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين إن واقعة (الأربعاء) التي اقتحم فيها أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وكر البغي والتطاول في باريس بدافع الغيرة على حمى الإسلام والانتصار لنبيه العظيم صلى الله عليه وسلم وشردوا بها من خلفهم كشفت عن تباين واضح في الرؤى والأذواق بين النخب من أبناء الأمة حتى في أخطر القضايا وأشدها صلة بالمبادئ الأساسية التي يتفقون عليها .
فحين أقامت فرنسا أعظم مأتم على أولئك السخفاء ودعت بالويل والثبور وشقت الجيوب ولطمت الخدود في جهام من التهويل قد أهريق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ؛ تداعى الناس لمواساتها في التوجع -باكين أو متباكين- على هؤلاء النفر المسيئين لأكثر من مليار من البشر وجعل من لم يستطع أن يكثر سوادها بقدمه يرثي لها بقلمه , ومن هؤلاء رؤساء وزعماء وكتاب من المسلمين –ممن لم يكن من مازِنٍ- ومن الغريب أن من بينهم دعاةً حملوا على هؤلاء الفتية واستنكروا هَبَّتهم ووصفوهم بما لا يليق , وأين هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن عمير بن عدي لما قتل عصماء: (لا تقل الأعمى ولكن البصير) حيث قال عمر انظروا إلى هذا الأعمى الذي تشَرَّى في طاعة الله تعالى . مع أن العمى ليس بعار وإنما ذكره عمر على سبيل الإعجاب , وعمير أعمى بالفعل , لكن ذلك تنبيه من النبي صلى الله عليه وسلم لعمر على أن المقام مقام مدح وتزكية إنما تليق به الأوصاف التي يُمدح بها لا التي يُعذر بها صاحبها. وقد تذرع بعضهم بأن فرنسا اعترفت بدولة فلسطين !! ومتى كانت فرنسا تبني صلاتها بالغير إلا على مصالحها البحتة؟ وهبوا أنها اعترفت بها تقربا من المسلمين واستجلابا لمودتهم – ولا إخالها كذلك – هل يصلح هذا الاعتراف –ولو أغمضنا فيه- عوضا عن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم؟! لا والله ولا الأرض كلها ومن عليها. بينما فرح الجم الغفير من المسلمين بهذه الواقعة ورأى فيها انتصارا للدين وانتقاما من أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. لذا أردت إثارة بعض الأفكار تحسسا من أسباب ذلك التباين والتماسا لأقرب الوسائل إلى تجاوزه ؛ لشعوري بأن الأمة بحاجة إلى التماسك ورص البنيان في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى. إضاءات لقد أكرم الله تبارك وتعالى هذه الأمة واختارها أمة لأفضل الرسل, وزكاها وفضَّلها على الأمم , وخاطبها بما خاطب به الأنبياء , وقصر العزة عليها حين ادعاها أعداؤها ؛ فقال جل ثناؤه {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} وقال {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} , وقال { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } وهو ما خاطب به نبيه موسى عليه السلام : {إنك أنت الأعلى} وقال {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}. ولا يخفى على ذي بصر أن الله تبارك وتعالى ربط تلك الوسطية والخيرية والعلو والعزة بالإيمان والعمل بمقثضاه؛ فعلى قدر حظ المؤمن من الإيمان ينال حظه من تلك التزكية. و قد ذكَّر الله عباده المؤمنين بأعظم منة منَّ بها على خلقه بقوله {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} فمن استكمل الإيمان علم أن حق النبي على الله عليه وسلم آكد الحقوق ؛ فأحبه , ومن محبته –كما قال بعض العلماء- نصرة سنته والذب عن شريعته وتمَنِّى حضور حياته فيبذل ماله ونفسه دونه. وقد حذَّر الله الأمة من الداء العضال الذي لا يبقى معه بهاء محاسنها ويذهب بأبهة عزها , ويكدر صفاء النعمة ؛ في قوله تعالى {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون} وقوله {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم} وقوله {ولا تهنوا في ابتغاء القوم } ومدح أمما قبلها بعدم الوهن ؛ فقال {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}. و بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حقيقة هذا الداء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والطبراني ولفظه في السنن : (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأَكَلة إلى قصعتها , فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير , ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة وليقذفن الله في قلوبكم الوهن , فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت) واقع الأمة إذا كانت ذروة التاريخ الإسلامي قد شهدت بداية ظهور الداء الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق, وذلك حين غربت شمس النبوءة وأحس شهداء عصرها النقص في قلوبهم ؛ فقد أكمل هذا الداءُ رحلة الهبوط مع مُدَرَّج التاريخ في هذا العصر , واستقر في قاع الأمة واستحكم في قلبها وبدأ رحلة التفشي والتمدد بين أطرافها. فلا تخطئ عين المتصفح لصفحات الواقع ما حل بالأمة الإسلامية من وهَن وما نشأ عنه من تداع للأمم ونزع للمهابة من قلوب الأعداء وتجاسر على مقدساتها بلا وازع قانوني ولا أخلاقي , حتى ذهب بعض الكُتَّاب إلى : ” أن الوضع الحالى للعالم الإسلامى هو أسوأ وضع مر به فى التاريخ” رغم كثرة المسلمين بنسبة لم يصلها عددهم فيما مضى من تاريخ الإسلام . وهي الغثائية التي أخبر بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق ؛ فالمسلمون اليوم غثاء كغثاء السيل “وإذا تأمل الإنسان غثاء السيل فإنه يلاحظ فيه جملةً من أسباب الضعف والخور، فغثاء السيل ليس له قبلة ولا وجهة ولا هوية… يفتقر إلى النظام، وفيه معنى الخلاف، فليس بين أجزائه رابط، …… تبعٌ لحركة الماء” ويبقى حيث تركه الماء حتى تعصف به هوج الرياح أينما جرت. تلك بعض عوامل الوهن التي طواها من أعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم في تشبيه ما يؤول إليه حال الأمة بعده بغثاء السيل: أ – انعدام الهوية : وهو ما جعل السواد الأعظم من الشباب المسلم ينجرف في هاوية الافتتان بفنون الحضارة الغربية من لهو ولعب وزينة , ويلهث خلف سراب إغراءاتها المادية العقيمة . وكُتَّاب المدونات الفقهية للمؤسسات المالية يركبون الصعب والذلول لملاءمة الثوابت الشرعية مع متغيرات الأنظمة الغربية الحرة. ونرى توجها جادا لتغيير مسار التكاليف الشرعية من قصد الحق سبحانه وتعالى وصرف العباد عن أهوائهم ؛ إلى اتجاه معاكس وهو اتباع دواعي النفوس تذرعا بالمشقة التي لاينفصم التكليف عنها { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} ب- عدم الانسجام : من مظاهر غثائية الأمة التنافر الحاصل بين فئاتها وفصائلها, إلى حد استباحة الدماء والأموال والأعراض , فذهبت الرقة والرحمة بين المسلمين فاضمحلت بذلك عزتهم وشدتهم على الكفار ؛ قال تعالى{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} وقال {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} . ولا يمكن القول إن الخلاف أمر جديد على الأمة التي نشبت خلافاتها منذ سقط الخاتم النبوي الذي كان فيه سر الألفة بينها في بئر أريس – كما فهم بعض العلماء-؛ لكن الجديد في هذا الاختلاف أنه غير قائم –في الغالب-على أسس علمية ولا على تأويلات شرعية سليمة, وإنما هو تناف أشبه ما يكون بالتنافر المغناطيسي , تغذيه الطفرة المالية والتخلف أحيانا والجهل وعدم الربانية في أخذ العلوم وتلقينها أحيانا أخرى. ج- التبعية المطلقة : يندفع أغلب دول العالم الإسلامي اليوم نحو المجهول بأجهزة تحكم غربية كما يتحرك الغثاء بحركة الماء ؛ وسر ذلك التحكم أن القرارات السياسية المصيرية واللوازم المدنية الضرورية كلها تعد في دوائر ومصانع غربية متى شاء الغرب وكيف شاء رغم ما تملك البلدان الإسلامية من ثروات طبيعية هائلة وما لها من طاقات بشرية وافرة تمكنها من الاستقلال السياسي والمالي والفكري . كعصفورة في كف طفل يضمُّها تذوق حياضَ الموت والطفلُ يلعب فلا الطفل ذو عقل يرق لما بها ولا الطير ذو ريش يطير فيذهب. وهكذا تحول الاستعمار الغربي من قهر وحشي مباشر مرفوض إلى تحكم تام عن بعد , وسيطرة مدنية ناعمة مقبولة , ونزع الله المهابة من قلوب أعداء الأمة فلا يرقبون فيها إلا ولا ذمة , يضربونها في الصميم , ويجرحون مشاعرها في أعظم حرماتها , ولا يعتذرون لها عن خطأ ارتكبوه في حقها مهما كانت فظاعته ؛ وأقرب شاهد على ذلك إهانتهم لرؤساء الدول الإسلامية الذين سافروا إليهم في الأيام الماضية لمواساتهم في محنتهم حيث أساءت الحكومة الفرنسية معاملة ضيوفها الحاضرين ومناصريها الغائبين ناسية أو متناسية حق الضيف وحرمة الصديق وآداب المجالسة رافعة فوق رؤوسهم أعظم إساءة وأبشع إهانة يمكن تصورها في حق الحاضر المواسي والغائب المناصر ومن لم يكن مناصرا ولا مواسيا من برآء المسلمين الذين لا ناقة لهم ولا جمل فرجع الجميع منكوسي الرؤوس تؤنبهم ضمائرهم وتحتج عليهم عشائرهم في هذه الخطا التي كتبت عليهم والخطوط التي كتبوا خليلي ما هذا مناخا لمثلنا فشُدَّا عليها وارحلا بنهار ولا تنكرا عَصْف الرياح فإنه قرى كل ضيف حل عند سوار . بلغت هذه الإهانة من الوضوح أن استغربها الغربيون أنفسهم ؛ فهذا وزير الخارجية الفنلندي يقول :”لا أفهم , إذا أسيء إلى أسود فهذه عنصرية , وإذا أسيء إلى يهودي فهذه معاداة للسامية , وإذا أسيء إلى امرأة فهذا تحيز ضد جنس , أما إذا أسيء إلى الإسلام فتلك حرية التعبير!!. و الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري يقول : “إن الفرنسيين كانوا عنصريين في تعاملهم مع قضية شارلي أبدو متسائلا : ما السبب الذي جعل فرنسا توبخ رسامي المجلة في رسم لم يعجب اليهود وتوبخهم وتطلب منهم الاعتذار لإسرائيل في الوقت الذي تجاهلت فيه الرسوم المسيئة للإسلام وهو ما يعني الكيل بمكيالين” ولو أن فرنسا تصرفت في الواقعة بصفتها واقعة بين مواطنين منها تحكم فيها على ما تقتضيه قوانينها… ؛ لكنها لم ترض إلا أن تصدرها لكل فرد من أفراد المسلمين في عقر داره وقعر ببيته ضاربة في مقتله ؛ فالطعنة إنما تقدر بقدر إيلامها للمطعون ووقعها منه , وكأن هؤلاء السفهاء الذين جروا لبلدهم الكراهية من مئات الملايين وجروا أهله إلى هذا التصرف البشع لم يقتل قبلهم أحد ولم يصب بمثل مصيبتهم !! ألا يذكر هؤلاء ما حصدوا من أرواح البرآء في البلدان الإسلامية حتى إن بعضها لم يتحرر من وطأة استعمارهم إلا بعد سقوط مليون قتيل أو أقل أو أكثر ثم لم تبك عليهم باكية واندملت جراحهم على آلامها, فعقدت الروابط وأكدت الصداقات كأن لم يكن شيء. لقد قذف الله في قلوب أبناء هذه الأمة الوهن فأحبوا الدنيا وكرهوا الموت وأعطوا من دينهم الدنية وولوا العدو أدبارهم فأحكم سيطرته على معاقل عزهم وعاث فسادا في أفكارهم ومعتقداتهم. ذلك واقع المسلمين الذي اختاروا بمحض إرادتهم وتلك منزلتهم التي وضعوا فيها أنفسهم بأنفسهم : وما المرء إلا حيث يجعل نفسه………………… فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نتنصف. فما ذا بلَّغ الشاهدُ الغائب؟ حاضر الدعوة يفترض -أمام هذا الواقع- أن تكون الدعوة إلى الله تتبُّعا لمكامن الداء في جسد الأمة وتوفيرا للحمية اللازمة للكسر من شوكته وإيقاف تمدده بعد تشخيصه واستحضار مراهمه من الكتاب والسنة , وفرض “حجر صحي” على من باشرت بشاشة الإيمان قلبه وجاوز القنطرة. بدلا من التغاضي عن هذا الداء واعتباره واقعا حتميا مقابل السعي في زيادة عدد المنتسبين إلى الإسلام في الإحصاءات الرسمية استكثارا من غثاء قد يكون الضرر فيه على المسلمين أشد , وإصلاح القليل يزيد فيه ولا يبقى الكثير مع الفساد فتثقيف الأجيال المسلمة ثقافة إسلامية صحيحة وتحصين أفكارهم من النزعات الطائفية وتوطين أنفسهم على عقبات الجادَّة والقصد في أمور الدين خير للإسلام والمسلمين من خلط الحابل بالنابل والغث بالسمين. وما ضعف المسلمون في عز عهود الاسلام إلا بازدياد أعدادهم بمن ليسوا على مستوى السابقين من قوة الإيمان ونور البصيرة قال الله تبارك وتعالى {آلان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} “ومعلوم أنه لم يرد ضعف قوى الأبدان ولا عدم السلاح لأن قوى أبدانهم كانت باقية وعددهم أكثر وسلاحهم أوفر وإنما أراد به أنه خالطهم من ليس له قوة البصيرة مثل ما للأولين فالمراد بالضعف ههنا ضعف النية ..ولذلك قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – في يوم اليمامة حين انهزم الناس أخلصونا أخلصونا يعنون المهاجرين والأنصار” . أحكام القرآن للجصاص (2/ 327) فقوة الإيمان بيقين المؤمنين وصبرهم وتقواهم وتمسكهم بدينهم واعتزازهم به ؛ ومن كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنا قومٌ أكرمنا الله بالإسلام ،فمن يلتمس العزَّ بغير الإسلام ، يذله الله. لا بكثرة العدد على الأوراق مع الوهن والارتماء في أحضان الغرب والنظر إلى حضارتهم بعين الإعجاب { وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}. مع أن الإسلام سائر بنفسه منتشر لا محالة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد والحاكم (لا يبقى على ظهر الأرض من بيت مدر و لا وبر إلا أدخل الله عليهم كلمة الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل يعزهم الله فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فيدينون لها) فلا ينبغي لأحد أن يعتبر ازدياد المسلمين صنيعة له على الإسلام يضرب بها على أيدي من يتصرفون بدافع الغيرة على حماه. فقد أثبتت التجارب أن الإسلام يتمدد حتى في أحرج الأوقات وأشد المضايقات أكثر من غيرها ؛قال تعالى :{يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين}وسنذكر شواهد حاضرة ذلك. وما حركات العنف والتطرف التي تؤرق العالم اليوم إلا أضرار جانبية لبعض مناهج الدعوة التي تهتم بالكم البشري على حساب الكيف الإيماني ؛ حيث يكون الداخل في هذا الأمر الجديد – وهو في غمرة دهشه – عرضة للتأثر بكل ناعق، “لم يستضئ بنورالعلم ولم يلجأ إلى ركن وثيق،. ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لا يدري أين الحق” . وأين هذا من ثمرات الهدي النبوي؟! داويتَ متئدا وداووا طفرة وأخف من بعض الدواء الداء وحينئذ ينقلب الخير شرا والنفع ضررا تخذتكمُ درعاً حصيناً لتدفعوا نبالَ العدى عني فكنتمْ نصالها ثم تُفَوَّق سهام النقد من كل حدب وصوب إلى هدي الإسلام الذي هو هدى الله, ويؤخذ الدين بجريرة المتدينين. براءة الإسلام إن المطالع لأصول التشريع الإسلامي ومبادئه العامة يدرك أن هذا الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية ليس نتيجة لمنهج إسلامي مستقيم وأن الإسلام براء من التصرفات المنحرفة لبعض المنتسبين إليه. فنصوص الكتاب والسنة تحث على الإيمان أولا ثم الاستقامة بعد ذلك ؛ ففي الحديث الذي رواه مسلم عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك . قال : ( قل آمنت بالله ، ثم استقم ). والإسلام يحث على التعاون على البر والتقوى والتواصي بالصبر والحق والمرحمة , وينهى عن التعاون على الإثم والعدوان والتناجي بهما , ويأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي . وينهى عن موالاة الكفار المحاربين ولا ينهى عن البر والإقساط إلى المسالمين منهم. ودعوته سلمية في المقام الأول ؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله :”تَأَلَّفوا الناس وتَأَنَّوْهم ولا تُغِيروا عليهم حتى تَدْعوهم فما على الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحب إلي من أن تأتوني بنسائهم وأولادهم وتقتلوا رجالهم” وقد وقعت في العهد النبوي حوادث قتل على يد أفراد يُعَد بعضهم من أجلاء الصحابة وكان ذلك اجتهادا منهم معتقدين أنهم قتلوا كفارا مستحقين للقتل ؛ فتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من أفعالهم ولم يقبل منهم تأولهم ؛ ففي حادثة قتال خالد بن الوليد رضي الله عنه لبني جذيمة قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد والبخاري : (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد . مرتين). وفي الحديث المتفق عليه أن أسامة بن زيد رضي الله عنه قتل جهنيا بعد ما قال لا إله إلا الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم – لما علم بذلك- : يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا, فقال : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم . وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن أن محلم بن جثامة قتل عامر بن الأضبط فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأتاه محلم يستغفره قال: اللهم لا تغفر لمحلم ، اللهم لا تغفر لمحلم ، اللهم لا تغفر لمحلم . ثلاثا. ولم تنسب يومئذ هذه الأعمال إلى الإسلام , ولم تحل دون دخول الناس في دين الله أفواجا . ولم يتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من قتل عمير بن عدي لعصماء رغم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء غير المقاتلات ؛ وهذه نكتة يجب أن يتأملها الدعاة إلى المسالمة المطلقة لأعداء الله ورسوله مهما بلغ عتوهم واستكبارهم. وبعص الحلم عند الجهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل للذلة إذعان تفنّدني فيما ترى من شراستي وشدّة نفسي أمّ سعدٍ وما تدري فقلت لها إنّ الكريم وإن حلا ليُلفى على حال أمرّ من الصبر وفي اللّين ضعفٌ والشّراسة هيبةٌ ومن لا يهب يحمل على مركبٍ وعر وما بي على من لان لي من فظاظةٍ ولكنّني فظٌ أبيٌّ على القسر وقد أعز الله الإسلام ووهَّن كيد الكافرين , ويظهر ذلك بكل تحرك يقوم به المسلمون لإعزاز دين الله ؛ وتشهد لذلك تلك الأحداث المتلاحقة التي تلت واقعة باريس حيث رفعت بعض مواقع التواصل التي كانت تروج للإساءة للإسلام شعارات “لا للإساءة للمسلمين” , وأغلقت جميع الصفحات المسيئة واكتتبت لمراقبة ذلك حشودا من الشباب المسلمين الناطقين بجميع اللغات , وأعلنت جريدة السوء التي ذاق رساموها وبال أمرهم أنها لن تنشر في عددها القادم _إن قدر له الصدور- رسوما مسيئة , وكتبت جريدة طوكيو شين بن اليابانية اعتذارا للمسلمين عن نشر سابق للرسوم المسيئة . وقدم الرئيس الأمريكي -لأول مرة- التعازي لمسلمين أمريكيين في حادثة قتل تعرضوا لها ولم تكن الأولى من نوعها. وسُجل إقبال شديد من كفار الغربيين على مساجد المسلمين لمعرفة حقيقة الإسلام , وعلى شراء الكتب التي تتحدث عنه باللغة الفرنسية , وتضاعفت مبيعات كتب ترجمة معاني القرآن للفرنسية خمس مرات , وأسلمت شخصيات فرنسية شهيرة من بينها سياسيون وفنانون كانوا بعيدين كل البعد عن الإسلام , وقررت السلطات البريطانية يوما مفتوحا لزيارة المساجد وتوضيح الوجه الحقيقي المشرق للإسلام. السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب ملاحظات ختامية لا أريد لتلك الأفكار أن تفهم على أنها توجيه لفتح باب العنف على مصراعيه ؛ فقد سبق أن ذلك مخالف لهدي الإسلام , ولا أنها حث على إيقاف الدعوة إلى الله على بصيرة , ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم:(لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) ولا أنها تجريح للأمة ؛ فرغم تلك الغثائية المؤلمة لا داعي لليأس فالأمة – مع ما بها من وهن- لا تخلو من خير قد يغلب على نوره دَخَن في بعض الأحيان فبينما هي في ظلمته إذا به ينقشع أمام بزوغ شمس الحق , والعاقبة للمتقين ؛ قال الإمام مالك “لا بد للناس من نفس , وفي الحديث المتفق عليه (لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله) ألا ترى إلى هبتها بقضها وقضيضها في مشارق الأرض ومغاربها معربة عن إنكارها واستياءها من هذه الرسوم التي تضر ناشريها أكثر مما تضر المسلمين فمُزِّقت الأعلامُ وأحرقت ودِيست السمعة وما أفاق أهلها من سكرتهم حتى أصمت آذانهم أصوات التنديد من نقد وتسفيه لا من المسلمين فحسب بل من الأجانب الغربيين من رجال دينهم على أكبر مستوى ومن فلاسفة وسياسيين من مقروء ومسموع. إنما حاولت التنبيه على خطر يحدق بالأمة من داخلها وخارجها سببه الوهن الذي تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأن المنهج الدعوي الحالي أغلبه محتاج إلى إعادة النظر في بعض حيثياته لينشئ أجيالا مؤمنة قبل أن تكون مسلمة وينقي أجواء الأمة من الأوبئة التي يحملها الغثاء ليرتفع بتلك الأجيال إلى مستوى قريب من ما كان عليه المسلمون في القرون المزكاة وتستعيد الأمة عزتها وخيريتها ووسطيتها , وقد يساعد في ذلك التركيزُ على النقاط التالية: – الرجوع إلى قراءة متأنية لمقتضيات الإيمان ومسايرتها خطوة خطوة – تقديم الرعاية التربوية الكافية لمن يوفقهم الله للنطق بالشهادتين لتحصينهم من الانزلاق في مهاوي التطرف الديني. – التخلص من عقدة تشويه الإسلام بما يرتكبه المنتسبون إليه ؛ إذ قد تتسبب تلك العُقدة لأصحابها من المشفقين على بيضة الإسلام في الأخذ بمواقف غير مناسبة. – إعزاز الإسلام كما أعزه الله , والإيمان بوهن كيد الكافرين كما وهَّنه الله , وعدم الإذعان للمحاولات المتكررة من أعداء الإسلام لجعل النيل من مقدساته مسألة عادية . والله الموفق وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
محمد ولدبتار ولد الطلبه