نصيحة كاتب
أيها الجندي لا تمت وأنتَ في شاحنة عسكرية، فإن حدث وإن مُتَّ وأنتَ في شاحنة عسكرية فعليك أن تعلم بأن الذي سيحدث بعد وفاتك هو الآتي: لن تتوقف إذاعة “الخدمة العمومية” عن غيها، وستستمر “الموريتانية” في بث سخافاتها، وستواصل الوكالة الموريتانية للأنباء ثرثرتها..
وكأن لا فاجعة حدثت في وطن، و كأن لا كارثة ألمت بجيش، وكأن لا مأساة حلت بأسر**. أيها الجندي عليكَ أن تعلم بأنَّكَ إذا مُتَ في حادث شاحنة عسكرية في حدود الثامنة والنصف صباحا فإن الجهات الرسمية لن تنعيك إلا في حدود الساعة الخامسة مساءً، أي بعد تسع ساعات تقريبا، وببيان من أربعة أسطر، لم يأت فيه أي ذكر لعدد الجرحى، وليس فيه من تعهد سوى أنه سيتم دفنك في المكان المناسب لذويك!! لن تنكس الأعلام.. لن يعلن عن حداد، حتى ولو كان لثلاثة أيام.. لن تنظم لك جنازة رسمية تليق بك.. ولن يتكلف قائد الجيوش بأن يذهب إلى عائلتك ليعزيها بمناسبة وفاتك. لن يحدث شيء من ذلك، وحتى الموقع الرسمي للجيش الوطني الموريتاني فإنه سيبخل عليك حتى بنشر بيان أسطر النعي الأربعة على واجهته. أما أن يُحقق في الحادث، وأن تُحدد أسبابه: كيف حدث، وهل هناك إهمال، وهل جاء الإسعاف في الوقت المناسب؟ وأن يحاسب من بعد ذلك من تسبب في حدوثه، إن كان هناك من تسبب في حدوثه، فذلك مما لا يمكن توقعه. ألم تتعرض شاحنة عسكرية أخرى، كانت تقل سبعين جنديا لحادث آخر منذ أشهر، ومع ذلك فلا حديث عن أي تحقيق؟ ألم تتعرض من قبل ذلك عدة طائرات عسكرية لعدد من الحوادث، ومع ذلك فلا حديث عن أي تحقيق؟ ألم تسقط فيما بين العام 2011 والعام 2012 أربع طائرات عسكرية : واحدة في “شنقيط”، وثانية في “أطار”، وثالثة في “اكجوجت”، ورابعة هنا في مطار “نواكشوط” ومع ذلك لم نسمع عن نتائج أي تحقيق؟ أيها الجندي لا فرق بين أن تموت جوا أو أن تموت برا، أن تموت وأنت في طائرة عسكرية أو تموت وأنت في شاحنة عسكرية، لا فرق، ففي كل الأحوال لا حداد، لا جنازة رسمية، ولا حتى تغطية رسمية للفاجعة تصل إلى مستوى التغطية التي تمنحها في العادة مؤسسات الإعلام الرسمي لتوزيع أسماك في حي شعبي، أو كتلك التي تمنحها للإعلان عن انضمام أربعة أو خمسة أشخاص للحزب الحاكم. أيها الجندي لا تمت وأنتَ في شاحنة عسكرية، فإن مُتَّ فأعلم بأنه لا دمعة رسمية ستسيل حزنا عليك، حتى وإن مات معك أربعة عشر من جنودنا الأبرار. اللهم تقبل جنودنا الذين ماتوا في فاجعة اليوم شهداء عندك، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم عجل بشفاء الجرحى في فاجعة اليوم. خالص التعازي لأسر الضحايا، وللجيش الوطني، وللشعب الموريتاني. ـــــــــــــــ العنوان الأصلي:
لا تَمتْ وأنتَ في شاحنة عسكرية*!!
* هذا العنوان كنتُ قد استخدمتُ عنوانا مشابها له في فاجعة مشابهة، وكان ذلك بعد سقوط طائرة عسكرية في مطار “نواكشوط” يوم 12 يوليو 2012، وقد كتبتٌ حينها مقالا تحت عنوان : “لا تمت وأنت في طائرة عسكرية” ، ولقد طلبتُ في ذلك المقال بضرورة أن تتغير ردود الأفعال الرسمية اتجاه مثل هذه الحوادث. ** لما أنهيت هذا المقال علمتُ بأن الرئيس قد تدخل وبأنه قد أمر بإعلان حداد فترددتُ في نشر المقال، ولكني في النهاية قررتُ نشره دون أي تعديل، وذلك لعلمي بأن إعلان الحداد المتأخر لم يكن إلا بفعل الحملة الرائعة التي قام بها نشطاء “الفيسبوك” اليوم، ولذلك فعلينا أن نواصل مثل هذه الحملات حتى يُفتح تحقيق في الحادث، وحتى تنال أسر الشهداء ما تستحق من تكريم معنوي ومن تعويض مادي. وبالإضافة إلى نشطاء “الفيسبوك” فإنه لابد من تقديم الشكر لعمال “اسنيم” المضربين والذين سبقوا الجميع إلى إعلان حداد بمناسبة الفاجعة الأليمة، وكذلك لبرنامج “صحراك توك” الذي أعلن هو أيضا عن حداد لثلاثة أيام، وكذلك لمقدمة نشرة الأخبار في الموريتانية، والتي ظهرت في النشرة المسائية بملحفة سوداء. حفظ الله موريتانيا..