امرأة رائحتها أجمل من عطر بلقيس!!
فؤاد مصطفى عزب هذا شهر فبراير شهر له مزاج العشاق قررت ان ابتاع رواية «موريتانية» من مكتبة الساقي واذهب الى «الكوفن جاردن» اقرأها بافتتان ومطر فبراير ينهمر بغزارة محوﻻ الشوارع أمامي الى ساقية كنت أتنهد بارتياح وأنا اقرأها واقرب فنجان القهوة من شفتي ونظراتي موزعة بين شلال المطر ينسكب بغزارة دون هدف والناس يتراكضون مبتلين رغم مظلاتهم والرؤية..
كنت انفث دخان غليوني واقول ﻻ زالت الرواية افضل صديق في السفر.. ﻻ شيء في العالم قادر على أن يدخل السلام إلى روحي مثل رائحة رواية جميلة.. وفعلا كان ما اخترته رواية جميلة مشحونة بسحر خاص.. غيمة وردية حلوة.. نفحة أدبية مميزة من موريتانيا.. اسم الرواية «منينه بلا نشيه» وهو اسم بطلة الرواية يقول المؤلف «محمد ولد امين» وهو محام موريتاني ووزير سابق عنها عندما توفيت «منينه أجمل من أن تدفن في باطن الأرض» ومنينه أنثى من موريتانيا حيث المرأة فيها كالسفنجة يجب ان تمتص كل شيء دون أن يلاحظ عليها أي شيء.. كانت امرأة سمراء كقهوة تندلق من دورقها.. كانت أجمل من وﻻدة بنت المستكفي وليلى المجنون.. رائحتها أجمل من عطر بلقيس وصوتها أجمل من موسيقى «فرانسيس غوايا» الساحرة امرأة معتقة كل الرجال الذين افتتنوا بها كان قاسمهم المشترك ابداً صوتها حيث مساحة السحر.. احبها قائد فرنسي يدعى «باتريك» قابلته وهي تبحث عن والدها الأسير وتحدثت إليه من أسنانها المفلجة فشتتت أفكاره وحملته إلى مساحات الجنون وجعلته يعتنق دين محمد بعد أن كان من أتباع يسوع كان منظرهما معا آية في التناقض وموعظة كبرى من مواعظ الحياة.. شرارة ولدت في الحال من لقاء عيونهما أحست فيها بصعقة الحب التي أصابته.. جاء في حياتها بعد ما كانت تعيش يأساً مطلقاً.. وكأن الحياة هبت لنجدتها.. ما أجمل أن تفاجئك الحياة بأمل جديد وأنت في قاع يأسك.. أصبحت «منينه» موضع إعجاب واهتمام «باتريك» الفرنسي الأشقر الرجل البراق ذي اللحية الكثة والتي ترتسم عليها خيوط الشيب الباكر.. ما أتعس الأنثى التي ﻻ يعجب بها أحد وﻻ يهتم بها أحد.. كان يقدم لها الهدايا بلا مناسبة.. أجمل الهدايا التي تقدم بلا مناسبات.. كان يقول لها سنلتقي عند شروق الشمس أو لحظة مغيبها هكذا كان الشروق والغروب لديهما طرفاً في اللقاء.. كان كلما يسافر «باتريك» تنسحب روحها من صدرها وتستعيد رائحة جلده وغليونه والوخزات اللذيذة للحيته.. أحبته بكل طاقتها على الحب وكبر حبه لها كما تكبر شجرة دوم في قلب «نواكشوط» وتزوجها فأصبحت تشبه نقطة الضوء المسلطة من فوق على المغني الوحيد في المسرح أصبحت أكثر جميلات موريتانيا شهرة ودخلت القلعة حيث هو الحاكم وقد اصطف الجنود لتأدية التحية العسكرية لها واستعرضتهم كملكة عارفة بالأمر واغلقت أبواب القلعة عليهما لتبدأ الرواية حيث انجبا طفلا هو محور الرواية فرنسي الجنسية موريتاني الهوى ينسحب الى باريس المدينة التي تمطر ماساً ونعاساً وحلماً جميلا.. عندما يكبر منفياً عاطفياً ورغم كل شيء لم يستطع نسيان «نواكشوط» مدينته الأولى موطنه وعشقه وهيامه رغم قسوتها فعاد اليها وهو يعلم انه هناك «ليس ولد خيمة كبيرة» والخيمة الكبيرة عند الموريتانيين العائلة العريقة يقول «لم يستطع البدو الموريتانيون نسيان الخيام الكبيرة والصغيرة رغم تمدنهم وتعلمهم وتحضرهم» وتستمر الرواية خفيفة كالهواء معطرة كعسل بري يلفحك ريح البحر وانت تتقدم بين السطور حيث للكلام رائحة وتسمع صوت بنات آوى وهي تغني نشيدها الخالد على معزوفة الريح وتواصل المسير فتلفحك سويعات الأصيل عطشى كظبي فر من فوهة صياد.. رواية تشع بإشراق نادر يشبه تساقط ضوء شمس الضحى على الكثبان البعيدة.. تشبه موسيقى الفصول الأربعة لـ«فيفالدي» وقصيدة «جاك بريفير» فطور الصبح رواية عالية علو برج ايفل حيث جزء من الرواية ينساب كالشبكة المعدنية الكامدة اللون أشبه بالدانتيل.. تحس بنمل الكلمات يسري في اطرافك فلا يلبث ان يغمر جسدك كله بلحظة.. رواية تتسلل اليك كما تتسلل رائحة الربيع من شقوق النوافذ..تحلق بك خارج المكان والزمان..تشرقك..ساعة.. ساعتين.. ثلاثا..اوه ما أجمل الحياة لو تخلى البشر عن ساعاتهم!!