حوار على طاولة بينغ بونغ / سيدي علي بلعمش

حين يكون أصعب ما في الوجود هو قول الحقيقة .. حين تصبح الأكاذيب أكبر من كل الحقائق .. حين يصبح كيد النساء أخلاق فروسية ..

حين يصبح غدر الرفاق مهارة سياسية و مفخرة بين فتيان البلد .. حين يصبح التدين وسيلة للعيش بأي وسيلة ، تتحول مهمة حراس الذاكرة و الوجدان من بناء التحصينات الدفاعية إلى تذليل الحواجز الهجومية ..

ـ ماذا لو كان ما نسميه اليوم بـ”مبادرة ولد عبد العزيز”، ورقة تم إعدادها من قبل رموز من المعارضة و وزير النقل الأول و محسن ولد الحاج و مسعود ولد بالخير و الوزير الأول السابق ولد محمد لغظف؟

ـ ماذا لو كان ما نسميه “مبادرة مسعود” التي تم من خلالها الترويج لحل الدستور بطرق فنية متعمدة، كانت مهمتها جس نبض الشارع، ورقة تم إعدادها من قبل وزير النقل الأول و الوزير الأول المتنقل؟

ـ ماذا لو كان تكليف ولد محمد لغظف بإدارة هذا الملف تم أصلا تلبية لطلب من “رموز” من المعارضة؟ لعل ولد عبد العزيز يسخر الآن ممن منوه بأن يأتوه بقرار المعارضة على طبق من ذهب فإذا بهم يظهرون في ذيل المعارضة عكس ما أخبروه، عند اتخاذ قرارها..

لعل سخرية “السراج” من ممهدات الحوار على لسان ولد عبد العزيز، هي كاريكاتير الأسبوع الأكثر سخرية: فمن أبلغ ولد عبد العزيز برد المعارضة الذي لم يصدر بعد، لينقل إلينا سخريته منه؟ على من كانوا يراهنون على أهمية الحوار مع ولد عبد العزيز أن يصابوا اليوم بالخذلان بعد سخريته من عجزهم عن جر المعارضة إلى الجلوس معه على طاولة حوار حل الدستور: فمن السخرية حقا أن تمنوا ولد عبد العزيز بحل الدستور لديمومة بقائه و تعودون إليه بشروط رحيله.. إن تطوع الإخوان بحملة الرد على المعارضة بهذه الطرق المبتذلة، بدل الاتحاد من أجل نهب الجمهورية و برلمان عزيز و أغلبيته و مواقعه الالكترونية و قنواته الإذاعية و التلفزيونية، عمل ينقصه الذكاء و الحنكة و المهارات السياسية ؛ فلأن الإخوان سيخسرون كل ما كسبوه دون وجه حق في الانتخابات الماضية : عدد من النواب ما كانوا يحلمون به، عدد مماثل من العمد و زعامة المعارضة .. و لأنهم سيكونون المتضررين أكثر من هذا الحوار ـ إذا حصل ـ و لأنهم لا يريدون دفع فاتورة الوقوف في وجه ولد عبد العزيز؛ قالوا سنعمل بذكاء داخل صفوف المعارضة لإفساد هذا الحوار بدل أن نقف في وجه ولد عبد العزيز . و من أول لحظة بدؤوا يسخرون تارة من شروط البعض و يشككون أخرى بطرق مكشوفة الخلفيات في جدية ولد عبد العزيز، في وقت يتظاهرون فيه أمامه باندفاعهم و سعيهم الدؤوب في إنجاح حواره.. جعلوا كل وسائلهم الضخمة في حالة استنفار قصوى : قنوات إذاعية و تلفزيونية ، جرائد ، مواقع الكترونية : سربوا كل شيء داخل المعارضة، قاموا بحملة شرسة ضد التكتل و إيناد، أظهروا أنفسهم كحمائم في اللعبة و أظهروا الآخرين كصقور متزمتين حاقدين على ولد عبد العزيز في ما يشبه صراع شخصي لا علاقة له بأمور الدولة. لقد كاد الإخوان ـ لولا حكمة بعض رموز المعارضة

ـ أن ينجحوا في تفكيك المنتدى في الأسابيع الماضية بهذه الموجة الدعائية المسعورة و علينا أن نتذكر أن تفكيك المنتدى ـ خارجا عن لعبة الحوارـ كان دائما من أهم أهداف تواصل بعد رفض المنسقية الاعتراف بالـ”شاهد ما شاف شي حاجه” الذي قدموه في مسرحية تدعو إلى الشفقة عليهم أكثر من أي شيء آخر، لتولي زعامة معارضة تضحكها معارضته أكثر من زعامته..

على المنتدى اليوم ـ إذا كان يسعى فعلا في مصلحة موريتانيا و تماسك أعضائه ـ أن يقوم بإجراءات تأديبية معلنة في حق تواصل ، تشترط اعتذاره الرسمي المكتوب لبقائه ضمن تشكيلة المعارضة لأن التعايش مع هذا السلوك المشين لبعض المعارضين هو ما أوصلنا إلى هذا الحد المخجل.

حين قدم التكتل و إيناد شروط ذهابهما إلى الحوار أو ما أسموها بـ”ممهدات الحوار” إلى المنسقية، تم الرد عليهما بعد لحظات بأن شروطهما تعجيزية، فهل هناك من أخبر ولد عبد العزيز بهذه السرعة فرد عليه بأنها تعجيزية أو هناك داخل المنسقية من يوكله ولد عبد العزيز لتحديد الممكن و غير الممكن في ما يذهب إليه؟ الرد على هذا السؤال الجوهري يحتاج تصويبا و وقفة تأمل:

ـ إذا كان ولد عبد العزيز تنازل عن عرشه و قبل بإجراء انتخابات سابقة لأوانها و تنازل عن أغلبيته البرلمانية و تنازل عن الاعتراف الدولي بشرعية نظامه غير الشرعي و هي أمور يستحيل أن يستعيد أي منها في حالة ترشحه من جديد، فلماذا لا يتنازل عن “حل بازيب” و معنى حل بازيب هو إعادتها إلى مكانتها الطبيعية ككتيبة من الجيش تخضع لأوامر و ترتيبات القيادة العامة للقوات المسلحة ، فما هو التعجيزي في هذا الوجه؟

ـ ما الفائدة من الحوار مع ولد عبد العزيز إذا كان يصر على اختطاف الدولة عن طريق بازيب .. و على حماية مجرمين يعترفون على أنفسهم بأنهم نهبوا مليارات من المال العام دون وجه حق مثل ولد بايه ؟ ـ هل من بينكم من يعرف من كشف فيديو ولد بايه و أظهره على اليوتيب؟ لو تذكرتم تزامن هذا الفيديو مع إلغاء اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي لفهمتم أن ولد بايه لا يمكن لأي معجزة أن تمنعه من المحاكمة..

ـ 50 مليون دولار السعودية و حساب صندوق المستقبل ، قد لا تمثل أي شيء بالنسبة لما نهبه ولد عبد العزيز لكن التنازل عن رمزيتها جريمة قد يستسهلها البعض لأسبابه الخاصة لكن الطبيعي و المألوف لمن يتكلم أو حتى يتشدق بالدفاع عن مصلحة البلد هو المطالبة بالكشف عن حقيقتها. إن ما أخذه ولد عبد العزيز في صفقة السنوسي (200 مليون دولار) و أموال القذافي (لا أحد يعرف كم بالضبط) أكثر من هذه المبالغ أضعاف المرات لكنهم اكتفوا بالمطالبة بالأملاك الوطنية دون بقية جرائم ولد عبد العزيز.

ـ النقطة الأخيرة و الأهم في هذا المحور هي أن من طرحوا هذه الشروط كانوا ينتظرون أجوبة من الطرف الآخر ربما تكون مجزية دون تنفيذها مثل أن يقول ولد عبد العزيز إن فتح التحقيق في ملفات الفساد الكبرى ستأخذ وقتا طويلا أو غير ذلك من مبررات قد يراها من طرحوا هذه الشروط كافية لإثبات جديته ، فلماذا ظهر هذا الحاجز دونه ليصفها بالتعجيزية كأن هناك من كلفهم بمهمة التحكيم في عملية إدارة هذا الحوار؟ لقد ظهر بوضوح أن وصفهم لهذه الشروط بالتعجيزية كان الهدف من ورائه إقصاء هذه المجموعة و الدخول مع ولد عبد العزيز في الحوار من دونها مما يضمن لهم فوائد أكثر و زعامة أسهل ..

و حين رفض ولد عبد العزيز التعاطي معهم (و هم من أخبارونا بذلك من خلال ما يصدر عنهم من إيحاءات) من دون المجموعة عملوا على تقسيمها من خلال المحاولة مع إيناد لعزل التكتل فرفض و من ثم التعامل مع التكتل لعزل إيناد فرفض، لأن بقاء المجموعة متماسكة يحولها إلى قطب سياسي وريث للشرعية النضالية بعد تساقط “المعاهدة” الأولى و “المعاهدة الثانية” و تخلي كل منهما عن مطالب الشعب لصالح مطالبه الشخصية : يبدو أن المهرولين إلى الحوار لم ينتبهوا إلى أن مطالبهم هي التي أخرجتهم من محور المعارضة الجادة:

ـ تشكيل حكومة توافقية

ـ إعادة تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات

ـ إعداد انتخابات نيابية و بلدية ـ انتخابات رئاسية سابقة لأوانها ـ حياد الجيش و الإدارة كأن كل مطالب الشعب الموريتاني المذل هو أن يتفضل ولد عبد العزيز بإشراك هذه المجموعة في كعكة نظامه ولو بقدر ؛ لا يوجد من بين هذه المطالب مطلب واحد لا يدر عليهم بفوائد جمة .. لا يوجد من بين هذه المطالب مطلب واحد يتذر حالة هذا البلد البائسة ؟؟ و حتى لو كانت مطالب التكتل و إيناد تعجيزية كما وصفتها “المعاهدة الثانية” أو مشاكسة و مستهترة كما وصفتها أقلام كتاب تواصل التي تمت تعبئتها ضد الرافضين لحوار المحاصصة، يكفي شروط هذا القطب ـ عكس شروط “المعاهدة 2” أنها خلت من أي مطلب شخصي بل كانت كلها مطالب شعبية لا يمكن لأيها أن يدر أي منفعة شخصية لأي من هذه الأحزاب : ـ حل “بازيب” ـ تخفيض أسعار المحروقات و المواد الغذائية

ـ إطلاق سراح السجناء السياسيين و الحقوقيين

ـ إعادة الاعتبار للصحفي ماموني

ـ إعادة القاضي الذي طرد ظلما بسبب حكمه على أصحاب المخدرات، إلى وظيفته.

ـ إلغاء الأحكام القضائية الصادرة في حق مواطنين موريتانيين على خلفية مواقفهم السياسية

ـ التحقيق في ملفات الفساد (50 مليون دولارا لسعودية، اسنيم ، ولد بايه، مطار نواكشوط، مدرسة الشرطة….)

لقد أرادت “المعاهدة 2” أن تعزل التكتل و إيناد فعزلت نفسها و انتبه المنتدى بسرعة إلى أخطائهم فتحاشى الوقوع فيها، فكان رفضه استلام ردهم من دون شروط التكتل و إيناد، إعلان موقف ، تحطمت كل المكائد على صخرة وضوحه. إن حماية هذه الحالة الصحية التي تتعاورها سهام الغدر من كل الاتجاهات هي أهم و أصعب ما نواجهه اليوم و ليكن الحوار أو لا يكون ؛ إن ما يهمنا الآن هو تماسك المنتدى في وجه التحديات.

أما الحوار فهو حوارهم ، إذا أرادوا إنجاحه فلينجحوه و إن أرادوا إفساده فليفسدوه فكل ما يهمنا منه هو أن لا تجر إليه المعارضة إذا لم يكن يساهم في إخراج موريتانيا من هذه الأزمة المعقدة المتجلية اليوم بكل وضوح في شتى أوجه الحياة. إن نظام ولد عبد العزيز منهار من داخله و لا يمكن لأي معجزة أن تخرجه من هذه الحتمية و على النخب السياسية أن تدخل معه في هذا الحوار من باب المسؤولية الوطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و إذا كان يفضل مواجهة مصيره بنفسه فليفعل ما يحلو له. أين مشكلة المعارضة في كل هذا؟

إن من أهم أسباب انتشار الانحراف السياسي داخل المعارضة و الموالاة أيضا هو أن هذه التشكيلات تحيط نفسها بأسوار من الكتاب المؤدلجين و المأجورين يشكلون حاجز ردع أمام كل من يكشف مؤامراتهم و دسائسهم ، ظل الجميع طويلا يهاب اقتحام شراسة نيرانهم الموجهة إلى كل من يتلفظ بما يمس من أصنامهم المحنطة. هذا الترهيب الفكري هو ما نحتاج اليوم إلى اقتحامه و مواجهته بكل شجاعة حتى نعري كل حقيقة و هي مهمة سهلة لأن الله أودع في الحقيقة قوة حماية ذاتها، فلا تحتاج الحقيقة سوى من يقدمها بأمانة لتتولى بذاتها مهمة اختراق أكثر دروع الأباطيل تحصينا.

السخرية الحقيقية اليوم .. السخرية الأكثر إثارة .. السخرية المضحة حتى البكاء .. المبكية حتى الضحك، هي ظهور فريق تواصل للجميع تحت طاولة الحوار و محاولتهم إقناع الناس بأنه فريق بينغ بونغ في معسكر تدريب أعد له ولد عبد العزيز زيارة مفاجئة بطلب شخصي من محسن قبل لقائهم الودي مع فريق قوى التقدم.. !!!

اسمحوا لنا ، لقد تسرعنا فعلا في إطلاق الأحكام الجزافية .. لقد نسينا أنكم فوق الاتهام.. و نسينا أيضا أنكم معذورون في جهل مقاسات طاولة بينغ بونغ ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى