عندما اختلط الدم باللبن/ عبد الرحمن ودادي
أًتيحت لي الفرصة من عقدين ان أزور مدينة الزويرات، كانت الرحلة اليها مفصلا في حياتي … لسنوات اقتنعت بالفكرة التي يروج لها كل طغاة موريتانيا وازلامهم وهي ان المشكلة الكبرى تكمن في الشعب الكسول والمهمل.
هناك رأيت بأم عيني وجها آخر لسكان بلدي،العامل المجد والمهندس الكفؤوكيف تدك سواعد الموريتانيين راسيات الجبال لتستخرج منها رغيف الخبز لشعب بأكمله، من تلك التجربة تغيرت رؤيتي وأدركت ان موطن الخلل معشش في الأنظمة الفاسدة، وتوفر لدي الدليل القاطع على قدرات شعبنا غير المحدودة والتي يكفي لتفجرها توفر الحد الأدنى من النظام والإرادة و فهمت معنى عبارة “سنيم إيعمرها” التي سمعتها طويلا في شمالنا الحبيب.
في سنيم لا تحس بوجود القبلية، الجميع يعمل، اسود البشرة ام ابيضها، سيدا ام مسودا، التفاضل الوحيد هو في الرتبة داخل الشركة والتي يصفها اهل المدينة بأحرفوارقام لا يفهمها من لم يعش بينهم.
من بداية الثمانينات عاشت الشركة ظروفا صعبة وصبر العمال صبر أيوب ليحافظوا على استمرار العمل في ظل سعر عالمي للحديد لا يتجاوز العشرين دولارا.
من وصول ولد عبد العزيز لسدة الحكم قفز السعر الى أكثر من مئة وخمسين دولاراوتدفقت الأموال بشكل غير مسبوق.
طالب العمال بتحسين ظروفهم بعد الطفرة المالية ووقعت الدولة معهم اتفاقا ولكنه كانككل اتفاقات ولد عبد العزيز الملزمة لطرف واحد لا غير.
تدفق الأقرباءوالأبناء* محملين بأوراق شركات وهمية ليستحوذوا على مناقصات سنيم ،مسلحين بصلات الدم مع “قائد الحرب على الفساد”ليمتصوا كل قطرة دم وعرق لرجال سرق حر تيرس وقرها القاتلين وغبار الحديد صحتهم و نضارة شبابهم.
لم يكتف المدير بتنظيم النهب لأقرباء الرئيس وعصابته بل تجاوز ذلك لتحطيم سمعة الإدارة وقضي على أي احترام للجهد أو الخبرة ولعل فضيحة اكتتاب زوج ابنة الرئيس وارساله على حساب الشركة الى فرنسا بعد يوم واحد من اجراء مسابقة كوميدية مثال حي على الفوضى المطلقة التي جلبها ولد اوداعة**.
اهدرت 15 مليارامن أموال الشركة في القروض “لجدعان “ولد الصحراوي***الذين يتدربون على الإنشاءات الهندسية في مطار نواكشوط الجديدبعد وصول اقتراضهم من بنك خاص 15 مليار أخرى ـ والذي يهدد بنسف القطاع المصرفي مع قرب حلول آجال الدفع ـ وصرفت أموال لا حصر لها من عرق العمال لشراء طائرات متهالكة بدون مناقصة أنشئت بها شركة طيران تكلف الخزينة ملايين الأوقية من الخسائر اليومية.
تبخرت تلال من المال في شركة الطرقالممولة من سنيم والتي عجزت من أكثر من خمس سنوات عن انهاء مقطع في طريق الامل وشقت في نواكشوط طرقا اشبه ما تكون بالحناء… لا تتحمل المياه ولا الاحتكاكوبنت مصنعا فاشلا للأعمدة الكهربائية في آلاق**** اضطرت الدولة مؤخرا للتنازل عنه*****.
جُلبت الشركات الأجنبية لمنافسة سنيم على مناجمها ******التي اكتشفها مهندسوها مثل اكستراتا وقامت الدولة باستدانة 800 مليون أورو لتوسعة الميناء المعدني ليستطيع خدمة الشركة الأجنبية المنافسة لشركتنا الوطنية، لتكون الخاتمة بانسحابها بعد انهيار أسعار الحديد وبقاء الديون على كاهل شعبنا المنكوب.
حُلبت البقرة حتى اختلط الدم بالحليبوالآن يستكثرون عليها الانين والتوجع والمطالبة ببعض الرحمة.
ولد باية يصول ويجول بملياراته الكفيلة بحل مشاكل عمال المعادن في القارة الافريقية كلها محاولا تفكيك الاضراب، ليثبت لولي نعمته ولائه الأبدي،وجنرالات “الخروطي” يقطعون مجالس الأنس مع غانيات نواكشوط وينشرون قواتهم لتخويف من يفرون لهم المسكن والمأوى والراتب، اما أبناء العمومة فيزبدون ويرعدون ويتوعدون العمال بالويلوالثبور وعظائم الأمور….
تحية من القلب للسواعد الصلبة والهامات العالية والنفوس التي لم تلوثها مبادرات المذلة ولا أفكار أحزاب الهوان ولا قيم الدعارة الأخلاقية….والعار كل العار لمن يجمعون الأموال وينظمون قطعان المواشي الانتخابية في الشرق المنكوب لتقديم آيات الولاء واعلان التمسك بأهداب عرش الذل والخنى للفت الأنظار عن معركة أبنائهم في ساحات تيرس الأبية.