هل هو حوار خرق الدستور وتفكيك المنتدى؟
ما فهمه البعض من لقاء ولد عبد العزيز مع النواب (ونعني طبعا نواب الأغلبية)، هو دفع الأمور في اتجاه استفتاء قد يكون هدفه الصريح فتح المجال دستوريا -لعهدة رئاسية ثالثة-، وقد لا يوجد مبرر كبير لمثل هذا الإستعداد من قبل ولد عبد العزيز لهذا الحوار، إلا خرق الدستور لصالح بقائه في الحكم.
وليس هذا من سوء النية والتأويل، وإنما لا يمنح مستوى ولد عبد العزيز إلا هذا القدر من التفسير المعقول جدا، وفق عقلية الرجل وفتنته بالمال والحكم.
كما أن هذا الحوار قد يمثل فرصة لولد عبد العزيز لإضعاف خصمه (المعارضة)، بتفرقة المنتدى وشق صفه إلى الأبد.
فهو بناء هش ضم -حتى عملاء النظام- باسم ما يسمى الاستقلالية، التي لا أفهم لها موردا في سياق معارض صريح.
ومواضيع الحوار متشعبة وأوديته لا تنتهي، قد ينتهي المسير بالقوم المعارضين إلى إكتشاف بعضهم لخفايا اللعبة، فيرجعون قبل سبك كافة نسيجها الخادع، وقد يذهب البعض رغبة في بعض المنافع والأساليب.
ومهما قيل من حاجة الناس للتفاهم والتقارب، وهذا صحيح، إلا أن طبيعة النظام القائم العسكرية والإنقلابية والإستبدادية، خصوصا مع ولد عبد العزيز، قد لا تؤدي، إلا إلى هذا باختصار.
مما يجعل تصعيد التكتل أو غيره من الأحزاب المعارضة الحازمة وارد ومحق، حتى لا يفتح المنتدى المجال بدخوله في الحوار لتمزيق صفه وإلغاء الدستور القائم جزئيا، وبوجه خاص فقرته المانعة لتجاوز عهدتين رئاسيتين.
إن الوضع المعيشي سيئ، والاقتصاد في هزة واضحة جلية، خصوصا قطاع المعادن، وشركة اسنيم المهددة هي العمود الفقري، لاقتصادنا الضعيف أصلا.
وقد بات الوضع منذرا بأزمة سياسية خانقة، في حالة ما إذا نجح ولد عبد العزيز في جر المعارضة إلى حوار خادع، قد ينتهي بخرق سافر للدستور، في ظل استفتاء هزلي تحرك له بعض جموع الشعب الغافل المخدوع طبعا.
إن منابر المعارضة وأصواتها الإعلامية والسياسية بحاجة ماسة إلى توعية المواطن قبل فوات الأوان، وحلول هذا الإستفتاء المهزلة.
إن ورود كلمة استفتاء في لقائه مع النواب، ومخاوف بعض الموالين من أن تعني، الإقتراع على إمكانية عهدة ثالثة من خلال هذا الإستفتاء، كل هذا مؤشرات أولية لتمهيد الخدعة الكبرى، المغطاة بشعار الحوار.
ولعل ولد عبد العزيز واثق من قدرته على خدعة هذه المعارضة الراهنة، وذلك بناء على تجربة “اتفاق دكار”، ونجاحه أيضا في خلق طبقة ثالثة عازلة، تسمى “المعاهدة” التي لا تسمو إلى مستوى المعارضة الراديكالية إطلاقا، ولا هي صريحة في موالاتها!.
ولا غرابة أن يخرج من كيان المنتدى المهلهل معاهدون جدد، يوالون ويؤيدون فتح مجال الترشح للعهدة الثالثة لصالح الرئيس الحالي، وخصوصا من فئة المستقلين، المشكوك في طبيعة استقلاليتهم، أو بعضهم على الأصح.
إن عزيز هذا يلعب بالنار، وقد يؤدي حواره إلى نزاع سياسي حاد في البلد، وقد لا يجد معه هذه المرة نصيرا من العسكر، لأن مستوى فجاجة عهدة ثالثة لصالحه لا يمكن استساغته، حتى عند أترابه من العسكر أنفسهم.
فتندلع شرارة الشارع بعد فشل الاستفتاء، بمجرد العزم عليه، وقد تكون تلك المرحلة المرتقبة بداية النهاية لحكم عزيز والعسكر برمتهم، لصالح ربما تحول جديد غير مستبعد.
وقد لا تكون هذه الإضرابات والتسريح المحتمل لمئات العمال في شركة “تازيازت”، إلى جانب مشاكل التعليم والصحة وغيرهما إلا ممهدات حقيقية، محل البحث المعقد العقيم ربما، بين المعارضة والنظام، قصد الحوار المثير.
وبصعوبة قد يدخل ولد عبد العزيز الحوار، لأن الممهدات قد تكون عقبة كأداء في وجهه، إلا أنه حريص على الحوار، ربما للوصول للاستفتاء، وقد يبذل أي جهد تنازلي للوصول لطاولة الحوار، إلا أن جناحا كبيرا من معارضتنا المرتبكة الممتحنة بحق، قد لا تقبل الخدعة غير المستبعدة، مع أنها غير قادرة على حكم مسبق على حوار مجهول النتائج حتى الآن، لأنه لم يبدأ، فهي لا تملك إلا الدخول، والإنسحاب ربما عندما تتأكد من التلاعب الصريح، ووقتها ستندلع الأزمة الخانقة المرتقبة، والتي قد يعقبها الفرج بإذن الله.
حوار مطلوب، لكن طبيعة صاحبه لا تبعث على التفاؤل، رغم أنه لكل قاعدة شذوذ، ولهذا وجب الدخول فيه للإختبار واستبيان التفاصيل، التي عادة ما يكمن فيها النزاع والخلاف وتنوع المواقف، إيجابا أو سلبا.
إن موريتانيا مقبلة على مرحلة صعبة، وليس من المفيد دائما إجراء انتخابات لزيادة الكلفة على الناس وعلى الدولة.
شعب مغبون ومعارضة معزولة محاصرة، وسلطة تتلاعب بالجميع، دون حسيب أو جزاء.
ولأن الرأي العام محدود الطابع الاحتجاجي، ولو كان سلميا استسهل الانتهازيون التجرؤ على حرماته وحقوقه، ولو كانت أولية لا استغناء عنها.
إننا بحاجة إلى أن تلعب النخبة دورها الوطني، الناصح، والمعارضة دورها الاحتجاجي الحازم، والشعب ينبغي أن يحرص على الوقوف مع مصالحه، فلا يشارك في قمع نفسه بنفسه وهدر حقوقه بيده، تحت ضغط الطمع أو الخوف أو تدني مستوى الوعي.
لقد حان وآن لنا أن نأخذ حقنا، وهذا أقل وأضعف سبل الدفاع عن الكرامة، ومالنا لا نسعى لذلك بجد واهتمام، وهل نحن بدعا من الشعوب، مع ضرورة الحذر من الإنزلاق -غير المحسوب- إلى مهاوي العنف والتمزق.
الحوار ضرورة قصوى، لكنه مع هذا الرئيس الحالي، مخيف ومثير بحق، فلا ترفضوا الدخول، لكن إحرصوا على الانسحاب الصارم قبل التوقيع باسم الشعب على مهلكة ماحقة، هي باب الترشح الثالث والرابع، وهكذا دواليك خلف المجهول من سراديب الاستبداد وأحادية السلطة، وربما التحول إلى صيغة الحكم الملكي من يدري؟، لا قدر الله.
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”