سحقا لشعب أذل رجاله لصناعة نهضة نسائية زائفة! / خطري ولد عبد الرحمن
تمر هذه الأيام تلك الذكرى السفسطائية التافهة التي تسمى بعيد تحرير المرأة؛ والتي اكتسحت طقوسها الغالبية العظمى من نساءنا بموجة من الجنون فأغرتهن بحياة التحلل والمجون والبهيمية فاستسلمن بشكل مذل لترديد تلك الشعارات الخادعة التي رفعت في بلدان تائهة؛ كانت المرأة فيها أشبه
بالمتاع الذي يباع ويشترى؛ وكانت في وضعية بائسة مزرية حولتها إلى كائن مقهور مضطهد لا قيمة له، في عالم تنحدر فيه المرأة لتصبح مجرد حيوان يرى الحياة من منظار إشباع الرغبات والغرائز؛ وفي مجتمعات سافلة أصابتها نار التحلل وأشعلها لهيب التبذل.
لقد وصلت تلك المجتمعات إلى مستنقعات عفنة من الاستهتار بالقيم؛ والعبث بما تقتضيه كينونة المرأة وأنوثتها من خلال محاولات تبديل الجبلة البشرية وتذويب الفوارق وتجاهل التركيب البيولوجي والنفسي؛ بذريعة الدعوة للمساواة التي هي مخالفة لفطرة الله سبحانه وتعالى الذي حدد لكل كائن وظيفته بحسب أهليته وخصائصه. ولا شك أن من أهم المميزات والوظائف المرتبطة بتكوين المرأة أنها ذات بطن يلد وحضن يربي؛ والإخلال بتلك الوظائف ينافي امتيازاتها ويحولها إلى نوع من الرجال؛ فالدعوة مثلا إلى تقلد المرأة لبعض الوظائف تستدعي منها تأجيل الحمل والرضاعة لطبيعة المشقة المترتبة على القيام ببعض المهام الإدارية التي تترتب على أدائها بعض الصعوبات كالسفر إلى بعض المناطق النائية أو التنقل عبر وسائط نقل معينة. إن أولويات الغرب السفوري الإباحي لم تعد تعليم المرأة أو دمجها في الوظائف؛ وإنما معالجة الآثار الكارثية التي أدت إليها حرية المرأة وتنازلها عن وظيفتها الفطرية في الحمل والحضانة والتربية؛ وظيفة الأم المدرسة؛ التي يصفها شاعر النيل حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها…….أعددت شعبا طيب الأعراق لقد كان من الآثار السلبية لتنازل المرأة عن وظيفتها الفطرية انتشار التفكك الذي ترك بصماته على وضع المرأة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام؛ فكان من نتائج ذلك غياب نموذج الأسرة. هذا في الغرب؛ وفي بعض بلدان العالم العربي، أما في بلادنا؛ فإن المرأة المتحررة باتت تميل في فكرها – بذريعة الحاجة إلى التطور – إلى الاعتقاد بأن البيت سجن وأن القوامة تدخل في ممارسات دكتاتورية الرجل وهيمنته، والتمسك بالخلق والفضائل تدجين للمشاعر؛ والعفاف والحياء والحشمة والنقاء استلاب للحرية، وتعطيل للقدرات الشخصية وكبت للمواهب، والحجاب كفن اخترعه المتطرفون، ولم تعد قاعدة قرار المرأة في بيتها أصلا؛ وإنما الأصل هو العمل بغير ضوابط ولا قيود؛ لأن قرارها في بيتها إلغاء لكينونتها وتعطيل لجهودها وتدمير لطموحها. وهذا هو أسلوب التدرج الذي ابتدعه قاسم أمين؛ فلم يطالب في البداية بنزع الحجاب كليا ولم يطالب للمرأة بالتعليم الجامعي، بل نادى بالتعليم الابتدائي؛ وهذا الطريق هو الذي سلكته دعوات تحرير المرأة في البلدان المحافظة؛ حيث تنتقل من المطالبة ب “المساواة في التعليم إلى المطالبة بالمساواة في الميراث؛ ومن المطالبة بحرية الدخول والخروج والتنزه إلى المطالبة بحرية السفر من دون محرم وقضاء السنوات منفردة وافق زوجها أو لم يوافق؛ ومن المطالبة بتقييد حق الرجل في التعدد إلى المطالبة بحقها هي في التعدد؛ وربما المطالبة بحقها في أن يكون لها الصديق الذي ترتضيه”، وقد تطورت مطالبة المرأة الموريتانية من حق ولوج إلمدرسة إلى حق الابتعاث؛ ومن حق التمثيل بوزارة تعتني بترقيتها إلى حق مناصفة الرجل في عدد الوزارات؛ ومن حق الترشح والانتخاب إلى حق فرض لوائح ونسب خاصة بالنساء؛ بحيث لم يعد للمقترع الخيار الديمقراطي في إقصاء تلك اللوائح؛ لأن المرأة في بلادنا لو ترشحت حرة من دون تمييز لصالحها لما صوتت هي لنفسها لعلمها بقصورها عن وظيفة القيادة والتشريع؛ كما حدث معها في دولة الكويت التي هي أعرق في الممارسة الديمقراطية من موريتانيا.. وقد تطورت كذلك مآرب المرأة من المطالبة بحق ممارسة مهنة التجارة داخل بيتها؛ و من خلال محلات صغيرة، إلى المطالبة بإدارة الشرائك والحصول على أسواق خاصة بها ومن ثم إدارة مؤسسات تجارية ضخمة، تستدعي منها الأسفار وربما الاختلاط والاحتكاك؛ وتخوض غمار الحياة منفردة تائهة فخورة بتكسيرها للأعراف والتقاليد متبجحة باستقلاليتها في نشاطها التجاري. وقد فات على بعض نسائنا المفتونات بالنموذج الغربي للحرية؛ بأن المرأة الغربية قد هوت – في تحررها – إلى مستنقعات سحيقة قذرة عفنة؛ أصابتها بانتكاسة في الفطرة؛ وفي المنظومة الأخلاقية؛ فافتقدت ذلك الدفء العائلي والحنان الأسري ؛ حيث يرميها عائلها بمجرد البلوغ ولا يدري بعد ذلك “أعاشت بكدها أم بجسدها وهل أكلت خبزها بيدها أم بثديها”. ولو افترضنا المرأة عندنا مهضومة الحقوق فهل هي وحدها التي تعاني؟ وما هو حال الرجل أليس هو أيضا مهضوم الحقوق؛ أليس مجتمعنا معروفا بطابعه الأنثوي الجارف؛ حيث تسيطر المرأة على الحياة بدءا بأدق التفاصيل؛ وصولا إلى المشاركة في صياغة القرارات المصيرية والسيادية في البلد؟ فالمرأة الموريتانية تمارس أدوارا مزدوجة متناقضة؛ فهي تتسول الشفقة أحيانا رافعة شعار ” النساء عمائم الأجواد وأحذية الأنذال” و “لا يكرمهن إلى كريم ولا يحقرهن إلا لئيم”؛ وفي ذات الوقت تنادي بالمساواة للحصول على الامتيازات الوظيفية والانتخابية. ومعلوم أن الرجل في بلادنا يكدح للحصول على ثمن مساحيق التجميل للمرأة بشكل أكثر أولوية من توفير الحليب والحفاظات للأطفال؛ وهنا يتساءل أحد الكتاب: “هل المرأة التي لا تجرأ على الخروج من بيتها إلا وهي سافرة قد غطت وجهها بالمساحيق؛ هل هي حقا حرة”؟ والجواب أنها ليست حرة لأنها لا تملك شجاعة الخروج من دون تلك المساحيق والأقنعة، مما يوحي بأن الغرض من خروجها حتى وهي في طريقها إلى المكتب هو عرض نفسها. لكن ذلك – إلى جانب تعطيل سنة التعدد – جلب ارتفاعا في معدلات العنوسة بين النساء؛ وقد وصف الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حال اليوم بقوله : إن الرجال اليوم “نظروا فوجدوا فرص المتعة الخلفية المستورة قد كثرت أمامهم بفعل بحث النساء عن أزواج لهن في المجتمع، وأعجبهم الوضع.. فازدادوا تثاقلا وزهدا في الزواج، لتزداد النساء بحثا عنهم وسعيا وراءهم؛ وهكذا كان سعي المرأة في البحث عن الزوج أهم سبب من أسباب فقدها له”. إن تحرير المرأة في المجتمعات المسلمة لا بد أن ينطلق من ضوابط الشرع؛ فالإسلام لم يمنع المرأة من طلب العلم؛ لكنها في تحصيلها العلمي ينبغي أن تحافظ على تربيتها وأخلاقها؛ وعلى وظيفتها الأولى التي هي الحكمة من خلقها وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال؛ وعليها أن تأبى كل عمل يعرقل أو يؤثر على سلاسة وانسيابية تلك الوظيفة الرائعة التي بدأت بعض نسائنا – بحجة الحداثة – تشوه منها وتسمها بالظلامية والتخلف تحت يافطات ولبوس حرية المرأة. وهنا لابد أن نلفت إلى أن فرص تشغيل المرأة يجب أن تقتصر على المؤسسات التي تحافظ على عفافها ونقائها وطهرها وخصوصيتها البيولوجية في الحمل والإنجاب وخضوعها لقوامة الرجل وأسبقيته في شغل المناصب القيادية والانتخابية؛ وصدقت الروائية يمان السباعي حين قالت: “ويل لأمة تفخر بنسائها في كليات الهندسة ورجالها على الأزقة لا يجدون عملا؛ ولا يفكرون في قضية؛ ولا يحملون مسؤولية؛ ويل لأمة أهانت رجالها لتثبت ذاتية نساء ضائعات”. ولان المرأة هي الحاضنة الأولى للرجل؛ وهو من صنعها؛ فلابد من أن تستشعر أن مكانتها وفضائلها وعزتها في دينها لأنها من تزوده الوطن بالرجال العظماء؛ وأن طهارتها وعفتها وحياءها وعظمة نفسها هي العامل الأول في تحصين المجتمع وحمايته من التفكك والسقوط في أوحال التخلف والظلامية.