UFP ..بيان يعكس لوحة كارثية لأوضاع البلد
في الوقت الذي تتغنى فيه حكومة ولد عبد العزيز بالانجازات “العملاقة” وغير المسبوقة، وترسم لوحة وردية للمعجزة التي حققتها، تعيش البلاد وضعا آخر يخطه الواقع وتؤكده الوقائع اليومية؛ فالدولة تتخبط في أزمة عميقة متعددة الجوانب، لم تعرف البلاد مثيلا لها في السنوات الستين الماضية، لا تخطئ مظاهرها العين المجردة ولا تحتاج إلى تحليل ولا ذكاء خارق للعادة، أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وأمنية ودبلوماسية.
أولا – في الميدان الاقتصادي: – تدهور حاد في أسعار المواد الإستخراجية : الحديد والنحاس والنفط ، والتي كانت تعتمد عليها النسبة المئوية المنتفخة للنمو الاقتصادي (5 – 6% ) وقد نبهنا مرارا إلى أن هذه النسبة لا تعبر عن واقع اقتصادي حقيقي قائم على قواعد ثابتة ، بل على ظاهرة عابرة تتحكم فيها السوق الدولية صعودا وهبوطا. كما نبهنا إلى ان هذه الزيادة في العائدات لا تعود إلى مجهود حكومي أو خطة مدروسة ، وإنما هي ناتجة عن طفرة في أسعار المواد المعدنية لا دخل للحكومة فيها . وهذه الطفرة التي كان يمكن أن تشكل مخزونا هائلا يساعد على الدفع بالتنمية الاقتصادية وبخطوات سريعة ، تم تبديدها بطريقة كارثية ، وأكبر دليل على ذلك أن الشركة الوطنية للصناعة والمعادن “اسنيم” التي ربحت مئات المليارات في السنوات القليلة الماضية ، توجد الآن على حافة الانهيار ، عاجزة عن تلبية أبسط المطالب التي يطرحها العمال بإلحاح ؛ كما أن هذه الطفرة – مع الأسف – لم تنعكس على حياة المواطنين بأي شكل من الأشكال . – يتعرض قطاع الصيد لصعوبات كبيرة ، ومنها مشكلة التسويق الحادة بعد عزوف أكبر المستوردين عن شراء السمك الموريتاني ، وكذلك التعثر المتواصل الذي عرفته المفاوضات مع الشركاء الأوربيين منذ سنتين . وهاتان المشكلتان وحدهما توشكان أن تعصفا بأكبر ثروة متجددة ترفد الخزينة العامة بشكل كبير ، ويعيش عليها الآلاف من المواطنين . – هروب بعض الشركات والمستثمرين لأسباب من بينها الضرائب الباهظة وفساد المدونة المتعلقة بالاستثمار والأحكام القضائية غير المستقلة ؛ – الجفاف الذي يضرب البلاد بشدة ، والخطر الذي تتعرض له الثروة الحيوانية التي لا غنى للمواطن الموريتاني عنها ، ولم نر بعد أي إجراءات ملموسة لإغاثة السكان والعمل على توفير الأعلاف والمياه إلخ… ؛ – التدهور الذي تشهده الشركة الوطنية للصناعة والمعادن “اسنيم” ، لا بسبب انخفاض أسعار الحديد فحسب ، بل كذلك بسبب استخدام عوائدها بصورة غير شرعية ولأغراض خارجة عن أهدافها وبعيدة عن مصالحها ؛ وكذلك بسبب إضراب العمال المستمر منذ حوالي اربعين يوما . ويعلم الجميع مدى أهمية اسنيم في حياة واقتصاد الدولة الموريتانية . – ولا يسعنا هنا إلا ان نستغرب الموقف المستهتر والمتعنت الذي تتخذه السلطات من إضراب العمال في هذا الصرح الاقتصادي الشامخ !! كيف يقف عاقل هذا الموقف من قضية يتعلق بها مصير البلد عامة وآلاف العمال وأسرهم خاصة ؟! لم يقترف العمال ذنبا ولم يعيثوا في الأرض فسادا ، بل استعملوا وسيلة الإضراب التي تكفلها لهم القوانين للمطالبة بحقوق تم الاتفاق عليها وتوقيعها مع شركائهم في فترة سابقة . كيف يمتنع المسؤولون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية عن فتح مفاوضات مع العمال لتلبية مطالبهم والتفاهم معهم ؟!! لقد بدأ بعض المحللين يتساءلون عما إذا كانت هناك خلفيات أخرى غير معلنة تتعمد القضاء على هذه الشركة وتعمل على تصفيتها . وهذا الموقف المستهتر تجاه الشركة التي كانت النيشان الوحيد على صدر الاقتصاد الموريتاني ، ليس أقل سوءا من الموقف الذي اتخذته السلطات ضد طلاب كلية الطب ، الذين منعوا من تأدية الامتحان بمبررات واهية ، وطرد منهم البعض وهم في المراحل النهائية مع الرفض التام للتفاوض معهم . وهنا يعلن اتحاد قوى التقدم ، تضامنه مع عمال اسنيم وطلاب كلية الطب ومساندته لنضالهم المشروع والمبرر ، وما ضاع حق وراءه مطالب؛ ثانيا – في المجال الاجتماعي : – انتشار البطالة بشكل منقطع النظير ، وصل حسب الاحصائيات المتواترة إلى 31% ، تمثل منهم نسبة الشباب 62% و كثير من هؤلاء جامعيون وذوو تخصصات علمية. بل أكدت التقارير الدولية أن موريتانيا تعرف أكبر نسبة بطالة في العالم ، ولا عبرة لما أشاعته الحكومة أخيرا من أن نسبة البطالة انخفضت إلى 10% . فأين هي هذه الطفرة الاقتصادية أو المؤسسات العملاقة التي ابتلعت في لحظة واحدة أكثر من 20% من العاطلين عن العمل ؟! يقول المثل الشعبي (إلَ عَادْ المتكلم مجنون اعود المصنت عاقل) ؛ – غلاء المعيشة المتواصل بشكل جنوني وخاصة في المواد الأساسية ، ومنها المحروقات التي خفضتها السوق الدولية وعمل بمقتضى ذلك في جميع أنحاء الدنيا إلا في موريتانيا . فهل إن المسؤولين الموريتانيين لا يعلمون ذلك أم أن شعبهم لا يستحق أي عناية أو اهتمام ؟! – الاحتجاجات العمالية والسكانية ، وأهمها إضراب “اسنيم” الذي لم يتخذ المسؤولون حتى الآن أي إجراء للتخفيف من آثاره ، مما سيفاقم المشكلة كلما تأخر العلاج . وتستمر الاحتجاجات من مختلف الفئات والشرائح والجهات ، إما بسبب الظلم أو العطش أو العزلة أو نقص المواد الضرورية …. بل لا يكاد يخلو يوم من اعتصامات أمام رئاسة الجمهورية ؛ ثالثا – في المجال السياسي : – هناك احتقان متفاقم لم تشهده البلاد في ماضيها ، يتمثل في القطيعة التامة بين السلطات الحاكمة والمعارضة ، مما يؤدي إلى تكريس التسيير الإنفرادي وما ينجم عن ذلك – لامحالة – من أخطاء فادحة تضر مستقبل الوطن في مختلف المجالات ؛ – انعدام الثقة بين المواطنين والمؤسسات الوطنية الخدمية والإدارية والقضائية ، بسبب تدني أو انعدام التسهيلات التي يلقونها ؛ – الإحباط الشديد الذي أصاب المواطنين عندما خابت آمالهم فيما سمعوا من وعود براقة وفرقعات إعلامية ، تبين أنها كسراب بقيعة ؛ – الاعتقالات التعسفية التي لا مبرر لها سوى إلهاء الرأي العام عن القضايا الأساسية الملحة ؛ – تهديد الوحدة الوطنية ، بسبب الامتناع عن معالجة القضايا المتعلقة بالرق ومخلفاته والمغارم الإنسانية وقضايا المبعدين . ويتمثل ذلك في عدم التطبيق الجدي للقوانين المجرمة للرق ، وإهمال قضايا الاسترقاق ومطاردة الحقوقيين . أما المغارم الإنسانية فلم يتخذ أي إجراء يرضي كافة ذوي الضحايا الذين فقدوا أو قتلوا خارج القانون ، ومازال العائدون من السنغال بدون حلول مرضية لمشاكلهم ، كما يستمر التجاهل لمشكلة المهاجرين إلى مالي ؛ رابعا – في مجال التعليم : إن تقدم أي بلد ومستقبله رهينان بنجاحه في التعليم ، ولا يجادل أحد اليوم – لا رئيس الجمهورية ولا وزراء تعليمه المتعاقبين – في الحالة المزرية التي تعيشها مؤسساتنا التربوية ، ولا تنفع في ذلك سنة للتعليم ولا حتى عشرية ، فالأهداف والغايات من التعليم غائبة ، والمناهج والبرامج فضفاضة ، يمكن لأي كان أن يقرأها من زاويته . وبدون تحديد الأهداف والغايات لا يمكن أن ينجح التعليم . فما بالك إذا كان الكثير من المعلمين قد استدعوا بدون امتحان ولا حتى مقابلة شخصية في كثير من الأحيان ، ودون المرور بأي تكوين مهني . يضاف إلى ذلك التسيب بين المعلمين والأساتذة والغياب الدائم . وفي هذه الحالة ، فقد أصبح لنا تعليمان : تعليم الخواص وتعليم “العوام” ، تعليم الخواص للقادرين ماديا والتعليم العمومي للفقراء والمهمشين . وهذه وضعية أقل ما يقال إنها خطيرة ولا يمكن استمرارها . أما الأرياف والقرى التي لا تتوفر فيها فيها مدارس أو مدارس ذات جدوى ، فقل ما شئت . خامسا – الأمن : – لم يعد المواطنون وخاصة في الأحياء الشعبية ينامون باطمئنان ، لكثرة ما تعرضوا له من النهب والاغتصاب والحرق والقتل …. على يد عصابات تجول دون رادع ، مما دفع العديد من الأحياء إلى تشكيل فرق شبابية للدفاع عن النفس والمال والعرض . ويبرر أنصار النظام هذا الانفلات الأمني بأنه طبيعي بسبب تضخم المدينة ، وكأن المدينة لم تعرف إلا في عهد هؤلاء ، فكم من مدينة شاسعة وعريقة ينام الناس فيها ملء جفونهم ويتجولون فيها حتى الصباح دون أن يتعرضوا لأي تخويف أو مضايقة . وقد بدأ هذا الانفلات الأمني ينتقل إلى المدن في الداخل وتصيبها عدوى العاصمة . أما أمننا الخارجي فعلى كف عفريت ، لأننا جزء من منطقة الساحل المضطربة . وتتواتر المعلومات عن قوافل مسلحة وفرق تهريب تجوب شرق البلاد وتتخذها معبرا للكثير من المناطق . فالوضع الأمني الخارجي مقلق وخطير ما لم تتخذ إجراءات حمائية قوية ، ولا يمكن ذلك إلا بإشراك كافة المواطنين بقناعة تامة وعلى طول الحدود . ويزداد الأمر خطورة إذا علمنا أن علاقاتنا الدبلوماسية مع جيراننا وشركائنا الدوليين ليست على ما يرام ، وذلك ما عرض مواطنينا في العديد من البلدان إلى التنكيل والترحيل والإهانة . إن هذه الأزمة المتعددة الجوانب ، والتي تمس صميم كيان الدولة ، لا يمكن أن تبقى طويلا ، بل لا بد أن تتغير إلى وضعية أخرى قابلة أو غير قابلة للاستمرار , لأن العناصر التي تشكل اللوحة العامة قابلة للاشتعال وصالحة للانفجار في أي وقت والتركيبة الاجتماعية في غاية الهشاشة كما هو معلوم . ما هي الحلول المحتملة ؟ هنالك ثلاثة احتمالات لا نرى رابعا لها ؛ أ- أن يتعفن الوضع ويستمر في ذلك لبعض الوقت إلى الحد الذي لم يعد يطاق ؛ ب – انفجار الوضع بأي طريقة من الطرق ، خارجة عن سيطرة أي من اللاعبين على الساحة السياسية ؛ ج – الخروج من الأزمة عن طريق التوافق والتفاهم بين جميع مكونات الشعب ، ونتيجة لحوار بناء ومسؤول . وهذا الحل الأخير هو الذي اختاره المنتدى ويعمل على إنجاحه ، وقد دعا حزب اتحاد قوى التقدم في بيان مكتبه التنفيذي المنعقد في شهر أغسطس الماضي إلى إجراء هذا الحوار البناء ، لتخرج البلاد من أزمتها بصورة سلمية وسليمة ، ومازال حزبنا يعلق آماله على إجراء حوار وطني شامل جاد ومسؤول . إلا أن ما حصل مع عمال اسنيم وطلاب كلية الطب غير مشجع ، بل هو إشارة سلبية بالخط العريض على انعدام ثقافة الحوار وعلى غياب حسن النيات. انواكشوط ، 11\03\2015
اللجنة الدائمة