هل باتت عودة معاوية على الأبواب؟

إن رجوع معاوية قد لا يكون مرتبطا ارتباطا شرطيا بسقوط عزيز من كرسي الحكم، إلا أنه قد يفتح الباب واسعا لتلك العودة غير المستبعدة في نظر البعض، و قد يكون الخلود للراحة في العاصمة- انواكشوط – أو في مدينة أطار مسقط رأسه، أو للعب دور سياسي محوري مباشر(رئاسي مثلا) أو غير مباشر، وبالتالي غير رئاسي طبعا!.

بالنسبة لي لم أعد أرى لنظام عزيز طويل مدة، فأزمة “اسنيم” وحدها كافية لإحداث انقلاب، وقد لا يكون على يد غزواني الذي أضاع في نظر البعض فرصة مرض الرئيس الحاكم، أو حادثة 13اكتوبر 2012 على وجه التحديد والتصريح!، مفضلا الوفاء “الانقلابي” لشريكه “الانقلابي” ضمن غدرة 2005، يوم الأربعاء الأسود وخرق العهد، خصوصا عهد الحراسة، الذي نادرا ما ينقلب أصحابه على أولياء نعمتهم إلا في حساب الشريف السباعي الشاذ المثير!.

قد يكون انقلاب “اسنيم” على يد ضَباط من أصحاب الرتب المتوسطة، لا هي متدنية ولا هي عالية، وما كتيبة حفظ السلام، إلا جزء من محاولة إبعاد أكبر قدر ممكن من الضباط المشكوك في ولائهم، بحجة حفظ السلام التابع للأمم المتحدة، وهذه المرة في دولة إفريقيا الوسطى.

لكن قد لا ينجي حذر من قدر، فالأزمات متلاحقة، وقد يسبق السيف العذل، أعني الحوار المرتقب المستبعد في نظر البعض أيضا…..، فنسمع مرة أخرى كما تعودنا منذ العاشر من يوليو1978 وإلى أيامنا القريبة مع الانقلاب على مرشح العسكر المدني، سيدي ولد الشيخ عبد الله، الذي حكم بالنيابة، وخدم المشروع الانقلابي، وعندما أراد أخذ حريته ومزيد من النفوذ غير المشروع في نظر عزيز وغزواني، عوجل بالضربة القاضية، يوم الأربعاء الأسود أيضا، 6اغشت 2008.

 

ولا أعرف لماذا تكون الأزمات مرتبطة بهذا الشهر – أغشت – على مدار انقلابين متتاليين.

الأزمات فعلا لم تعد تكفيها خرجة فلكلورية في الحوضين، ضمن حملة رئاسية وهمية، تحايلا على الشعب وواقعة البائس.

والحوار خدعة لخرق الدستور وإضعاف المعارضة، ولو على رأي البعض، وليس من مصلحة أحد الخديعة حتى الخادع نفسه، وعزيز من مصلحته الخروج فبل الغرق، عبر القتل، لاقدر الله، أو المحاكمة المهينة.

و”اصنادره” لا يتحركون انقلابيا عبثا، فعندما تحصل الإشارة الداخلية والخارجية، وتكلف كتيبة ما  أو تغامر أحيانا بقرار ذاتي محلي تحدث المفاجئة الإنقلابية، المتوقعة بوقت مبكر في حساب العارفين بمسرح اللعبة، ولات وقتها حين مناص !!!.

يرحل معاوية من الدوحة ويستقبله الحشد المتبدل الجلد واللون والشعار، حسب الطلب والمصلحة والطقس المتقلب، فتحدث مفاجأة أخرى، ربما هي الأكثر مرارة في حساب عزيز، عودة معاوية – فحسب – إلى دائرة الضوء، ولا أقول إلى القصر،  فرجوع معاوية إلى أطار، هو هاجس مقلق لدى عزيز ومافياه!.

فمن باب أولى عودته للسياسة من بابها الواسع أو الضيق على الصعيد المحلي المباشر.

الحوار، زيارة الحوضين، حوار الوسطاء النقابيين والاجتماعيين لحلحلة أزمة “اسنيم”، كل هذا وغيره محاولات للإفلات من الخطر الانقلابي أو التغيير المحدق، الذي بات واضحا جليا بينا في نظر عزيز ومخابراته قبل أي أحد أو طرف آخر!!.

اللص الانقلابي المحاصر يحاول الخروج من الخناق بأقل الخسائر، والطامعون في الحكم يحسبون الجالس في الكرسي، دوما بلا مشاكل، تقتصر مهمته على توزيع الكعكة عليهم، والمنافق المريض بالتزلف الزائد، لا يرى عيبا في من ينافق له ويتودد إليه والعياذ بالله تعالى.

افترض لو حل عزيز وإدارة “اسنيم” الموالية له طبعا مشكلة المضربين في هذه الشركة العملاقة، وطنيا ودوليا، فكيف سيواجه مشاكل القطاعين المحتجين بشكل رئيسي، قطاع الصحة وقطاع التعليم، واللائحة تطول طبعا، ضمن موجة الإضرابات المتوقعة، خصوصا عندما تحل أزمة إضراب “اسنيم” .

إذن اختصارا، قد تكون مرحلة الغرق قد بدأت فعلا، و ربما تحت ضغط الظلم، وأساسا تجويع الرعية وأكل المال العام.

إن عزيز في وضعه الحالي ليس مزهوا، ومعاوية قد لا يرجع للحكم راغبا، وإنما مكلف بمهمة.

 ف”شفرون” الأمريكية، عملاق النفط العالمي، لن تقدم على استخراج النفط أو حتى التنقيب عنه في ظل حكم انقلابي، شديد الاضطراب والتأزم، ويواجه رفضا شعبيا داخليا متزايدا، وواضحا جليا لا يمكن التستر عليه، بأي أسلوب.

وإن قيل عزيز محتال وبارع وماكر، فهذا صحيح نسبيا، إلا أن معاوية لم يكن أقل ذكاء البتة، وعندما ظلم مرتين أو أكثر، رحَلته الأقدار، وخصوصا في ملفين كبيرين، مثل ملف الزنوج وملف الإسلاميين في آخر حكمه، وغير ذلك قد يكون قد حدث، فالسلطة بلاء أكثر مما هي منحة، والمسؤولية عموما تكليف قبل أن تكون تشريفا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره إعطاءها لمن طلبها، أي الولاية، ولو في أبسط مصالح المسلمين العامة، على خلاف أهل آخر الزمان فيرغبون في التعيين، وما أدراك ما التعيين!؟

إن رجوع معاوية – لو حصل – لن يكون بلسم موريتانيا السحري وهو تكريس لحكم العسكر الذي يبدو أنه قد لا يولي بسهولة، خصوصا مع رجوع حكم العسكر إلى بلد عربي مهم كبير مثل مصر، عبر حكم السيسي الدموي الغارق في الانقلابية واستنزاف ثروة وعطايا الشعب المصري، التي استجلبت بوجه خاص من الخليج بحجة أو بأخرى بعد انقلاب 3 يوليو 2013.

لكن عود على بدء، قد تكون إزاحة نظام ظالم – مثل عزيز – واستبداله بظالم آخر،أخذ جرعة من الراحة، وقد يكون قد أخذ معها عبرا ودروسا، إثر تأمل واسع ومتنوع الظروف، لعل الخروج من دائرة الحكم بعد انقلاب 3أغسطس 2005 قد سمح بها.

إن خطر عودة حكم العسكر قد لا يكون مستبعدا، في وضعية اتسمت بعجز النظام القائم محليا وضعف المعارضة وتنافسها الفوضوي على المصالح والمغانم الضيقة!.

أما إن أخلصت النخبة – حتى من خلال الفريقين الموالي والمعارض – فقد تقطع الطريق على العودة إلى الماضي غير المرغوب، وإلا فالخيار المتاح المستمر، هو ارتهان البلد لمخططات الخارج عموما، ولو بنكهة أمريكية قطرية هذه المرة، عن طريق معاوية.

ولا يهمني كثيرا هنا رأي الراغبين في معاوية المهللين لرجوعه، دون حساب للعواقب، ولا الرافضين الكارهين دون حساب على الأقل لسيناريو محتمل، ولو لم يكن راجحا.

وإنما الأهم عندي وضع الاحتمالات، دون زيادة أو نقصان، بعيدا عن العاطفة قدر الإمكان، وإن صعب ذلك.

عزيز يراهن على ضعف الشعب الموريتاني وحقارته، وهذا صحيح، وارتهان المؤسسة العسكرية وطمعها الشديد وخوفها الزائد، وهذا صحيح ربما، ولكن الانقلابات في الوطن العربي، عموما، وموريتانيا خصوصا لم تحدث بعيدا عن غرور الجالس على كرسي الحكم ورداءة الشروط المحيطة به، ورغم ذلك حدثت مفاجآت كثيرة، وستظل تتكرر، ومن يدري قد يبقى عزيز إلى وقت أطول، وسط الحيَل والمغالطات، وقد تنجح المعارضة الراديكالية بعد ذهابه فجأة أو توفق في  خلق ربيعها العربي السلمي الموريتاني التشاركي التعايشي الخاص، وقد يرجع معاوية أو غيره من العسكر، حتى من ذوي الرتب المتوسطة لدفة الحكم، فيستمر حكم العسكر ـ غير المرغوب عند أغلب أهل النهي – إلى حين.

اللهم سلم.. سلم .

إن الوضع الحالي مثير للتأمل والتساؤل ويستحق من أهل الوطنية الحقة  – وإن قلوا – شدَ المئزر والحزام، خصوصا في هذه الليالي العشر القادمة من زمن الإضرابات الراهنة، رغم الزيارات الفلكلورية، التي لن تفلح في إلهاء إلا الأقلية من العامية والرعاع!..

 

عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير جريدة الأقصى

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى