أزويرات والتغيير المرتقب!
التغيير بات شبه مؤكد، لأن سنة الله في خلقه تقتضي ذهاب الظالم حين يشتد ظلمه، فتكون الفرجة من الله في سقوط وذهاب حكمه، وهذه المرة على يد سعر الحديد ومطالب العاملين في منجم الحديد “سنيم” أزويرات خصوصا. فهل يكون لباطن معادن الأرض وتقلبات أسعارها وأحوال ومطالب العاملين فيها هذا القدر من التأثير إلى حد إسقاط الأنظمة؟. قال تعالى في سورة الحديد في شأن الحديد بالذات: “وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ” صدق الله العظيم. لا يملك ولد عبد العزيز من حل لأزمة “سنيم” إلا العناد، ولا يملك بعض العمال من أمل في تحقيق مطالبهم إلا مع حاكم جديد منتخب غير انقلابي أو غير مستورد -على ذوق العسكر- من القطاع المدني الواسع و المحدود -على رأي البعض- الموالي للعسكر. أما ما سوى ذلك من مفاوضات ومداولات فليس -ولو نجح وتقدم- إلا مسكنا للألم، لا يصل البتة إلى مرحلة العلاج الجذري، أو الجاد على الأقل. هذه المرة قد تتوسع الاحتجاجات، فلا يملك الجيش إلا التفرج والحياد، وليس الإنقلاب، لأنه تكريس للواقع، والإحتمال بعدها على وجهين، فإما أن تحدث ثورة شعبية، وليس شعبنا مناسبا ملائما بصراحة لهذا الخيار الصعب، وإما أن تكون في هذه المؤسسة العسكرية، بقية خير، فيزيحوا العنيد، ويحلوا المعضلة من خلال إتاحة الفرصة والمجال لحكم مدني تشاوري تحت حماية العسكر، في ظل دور جمهوري، دستوري أخلاقي الجيش، وبعيدا عن الإنقلاب أو التحايل مرة أخرى على الحكم المغتصب باستمرار. إن حكم عزيز انتهى، تحت ضغط الأزمات وأحادية المنافع، لجيب مافيوي محدود، والأغلبية الساحقة تئن وتنتفض تدريجيا، نحو خلاص أكيد من مصدر الألم والحرمان، ووقتها تنفرج الأزمة الشاملة تدريجيا، ولو ربما “سنيم” جزء بارز منها فحسب، في الوقت الراهن خصوصا، وقد تظهر على السطح تدريجيا أزمات قطاع الصحة والتعليم وغيرهما من المجالات والقطاعات المأزومة الحساسة. بعد أيام أو أسابيع محدودة سيذهب مكرها لا راغبا عزيز عن دفة الحكم. اللهم سلم سلم، من سائر الفتن وتصفية الحسابات، ما ظهر منها وما بطن، وقد لا يكون توقيت التغيير المرتقب إلا مسألة وقت وظرف مناسب محسوبا ربانيا، مقدر الأحوال والملابسات. وما فعل البشر المعنيين، إلا شكلا لا جوهرا، لوقوع المقدور الراجح في مدة قد لا يطول انتظارها. وفي حساب البعض، ما بعد عزيز هو الأولى، وما يقتضي من استعداد وإجراءات تضمن سلامة التحول، حتى لا يكون المنعرج الحرج فرصة أيضا لا قدر الله لاضطراب خطير للسفينة العائمة الآن ظاهريا بصعوبة في بحر لجي من الأزمات متنوعة مدمرة، إلى أن يحدث المرغوب عند البعض، المرهوب عند البعض الآخر. ما بعد عزيز، التخطيط له هو الأهم، وقد لا تكون مقترحات حلول إضراب “سنيم” وفض أزمات التعليم والصحة، إلا جزءا محدودا من مخطط واسع صعب معقد، للإنقاذ الطويل الأمد، من ثقل وإصر تركة الأنظمة المتعاقبة منذ 1960 وإلى اليوم، وخصوصا منذ سنة 1978 إلى يوم الخلاص من هذا الإنقلابي الأخير بإذن الله. لا حل بالعناد في وجه المطالب المشروعة للجميع، ومن كافة أطراف الوطن، المختطف فعلا، من طرف الأقلية، على حساب الأكثرية الساحقة المغبونة. ولا حل من وجه آخر بتدمير الوطن الهش، بثورة إحتجاجية سلمية، مبالغة في حرفية إحقاق وإنفاذ المطالب المشروعة، دون تدرج وواقعية، وإنما الوسط والمرونة والتوازن، بعد ذهاب حكم الإنقلابات والتمييز السلبي والمحسوبية المكشوفة، الضاربة الغارقة في ظلم المستضعفين والمحرومين، من الجاه والخبرة المافيوية في النفوذ وتحقيق الأهداف والغايات المغرضة المشبوهة!. إن ازويرات التاريخية الصامدة، المزينة بأحداث التاريخ النضالي الشهم، لحبلى اليوم بأجواء احتجاجية جادة مشروعة، أكثر مما حصل في الشهرين السابقين، قد تفضي إلى تغيير سلمي وشيك منقذ بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز يا عزيز ويا غزواني، وكافة أسماء المافيا التي تعرف نفسها ويعرفها الكثير منا، لأنها مصت دماءنا وأرهقت ليلنا ونهارنا منذ إنقلاب3 أغسطس2005 وإلى اليوم. فهل يكون التغيير السياسي المرتقب الراجح، فرصة للتصالح والتعايش والبناء التنموي الشامل، أم يفتح فحسب فرصة جديدة، لفرقة جديدة من المافيا على الصعيدين العسكري والمدني، على الترتيب، دون التحول عمليا إلى شاطئ الأمان والخلاص بإذن الله. لم يعد لأزمتنا الواسعة وبوجه خاص لأزمة أزويرات الحزينة، المضربة، عبر أغلب عمال سنيم الشرفاء المضحين الصابرين، إلا تغيير الطقس السياسي الحالي للولوج إلى صفحة جديدة بكر، متنوعة الآفاق، والفرص، وما سوى ذلك مجرد مسكنات للألم الغائر الخطير، مهما كانت طبيعة الإتفاق السريع المفبرك، الذي قد يعلن وقد لا يعلن عنه، وقد لا يستطيع أن يخرج عملاق المنجم الحديدي “سنيم” من حيز الأزمة، إلا بمقدار محدود من تخدير الألم والوجع، دون علاجه الفعلي، لتطفو الأزمة من حين لآخر، قبل إفلاس “سنيم” وموريتانيا معا، دون زوال أو حل جاد يستأصل ولو بصورة كبيرة جل مصدر الخراب والعلة. أما الإدعاء ومحاولة الهروب إلى الأمام وتحميل الغير، دون جدوى، مشاريعك الوهمية الذاتية مثل تغيير وخرق الدستور، بعد أن اتضح استحالة ذلك، والزيارات والمهرجانات الكرنفالية “مهرجانات الحوت الخامر المتنقل من ولاية إلى أخرى كلما زارها رئيس “الحوت الخامر”، ضمن حملة رئاسية وهمية، سابقة لأوانها، والأرقام الفلكية للمشاريع الوهمية أيضا أو الإستعجالية المتعسفة. فهذا كل مكشوف ولعب في الوقت الضائع فقط، ولا يمكن أن يرجع عجلة الأزمات الخانقة المحاصرة لنظامك المهترئ. والتوبة وقت الغرق أو الغرغرة وخروج الروح، فهي مثل توبة فرعون، غير مقبولة عند الخالق أو الشعب الواعي، الذي بدأ يسري في بعضه بقوة وعمق تيار الوعي والإنعتاق. ولنحذر من الصراعات العقيمة المدمرة، والأولى أن ننشغل بالتصالح والإصلاح ما استطعنا، بعيدا بعيدا عن الكراهية والتناحر والتنافر، الممزق المعوق عن هدف إصلاح ما فسد. سعى عمال “سنيم” في نواذيبو وفي ازويرات خصوصا لحل بعض مشاكلهم، عبر الإضراب السلمي المشروع، فعجزوا نتيجة لعناد المتنفذين: عزيز وولد أوداعه، ليقدموا في المقابل ويهدوا إلى أهل موريتانيا إضرابا مباركا، سيعود بإذن الله، بالخلاص السلمي القريب. فهل نحسن التحول من الإستبداد إلى التشارك والتعايش الصعب اللازم، أم ندخل لا قدر الله في مجاهيل أخرى من ضيق الأفق والأنانية، وأما قصة حكم عزيز وصحبه، فربما أنهت نفسها بنفسها بإنتشار الفساد والفقر وسوء التسيير والقبلية وتصفية الحسابات، وقد لا تكون خلال أسابيع معدودة بإذن الله، المشكلة في وجود نظام عزيز وأزمة إضراب “سنيم”، وإنما في مدى قدرة الجميع على التسامح مع الظالم، ولو كان عزيز نفسه وجماعته، وتعبيد طريق جديد، لا مكان فيه ولا مجال إلا للفكر السياسي والتنموي المتوازن المبدع، لننجح في إقلاع حضاري حقيقي منعش مسعد للجميع، بعدما عانينا طويلا من حكم الإستبداد والإستحواذ، لحساب الأقلية المترفة الظالمة الغاشمة المتعالية، على الأغلبية المغبونة المرهقة. ولكن إن تحركت الأكثرية ضد الظلم إن شاء الله أو حتى الأقلية المؤمنة بحقها ووطنها، فلا يمكن إستمرار الظلم، سواء كانت جهته مدنية أو عسكرية إنقلابية، تتجاهل أزمات إخوانها من المواطنين المغبونين المستضعفين. قال تعالى: ” كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ”. عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”